|
ثقافـــــــة فلا بد من التأكيد على أهمية التطوير المعرفي والعلمي, بما يمنحنا رصيدا كافيا من المناعة الثقافية والمعرفية لمواجهة التحديات المستقبلية, أيضاً علينا أن نبحث، نستنبط، نضيف على ما قُدم الكثير, أن نستثمر إمكانياتنا وكوادرنا لتأسيس جيل مستقبلي متحصن بسلاح المعرفة والعلم, قادر على مواكبة المتغيرات, مهيأ لخدمة مجتمعه... فهل آخذ بها المعنيون ؟!! العظمة: (حاجة ماسّة) د. نذير العظمة أشار إلى أن هناك نصوصاً عنيت بالنزعة الاستشرافية وعلى سبيل المثال: الأدب الإغريقي وما يوازيه بالأدب العربي جمهورية أفلاطون المترجمة للغة العربية والتي تناقش قضايا تخص الدول والمجتمعات الشرقية والغربية منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى يومنا هذا، وفكرة العدالة وممارسة الإنسان للحرية تحت سقف المدينة.. وما يوازيها في التراث العربي المدينة الفاضلة للفارابي وهي المدينة التي يقصد فيها بالاجتماع و التعاون على الأشياء التي تُنال بها السعادة الحقيقية, و معنى هذا أن أهل المدينة الفاضلة يتعاونون على بلوغ السعادة بالفكر والعمل, وهي متحدّرة لرؤية أفلاطونية وإضافة ما استشهده الفكر الإسلامي حول القضايا التي طرحت في الجمهورية... وقال: المجتمع الإسلامي مهمته التوفيق بين الدين والعلم، بين العقل والإيمان، بين التجربة الإنسانية المعرفية والمعرفة الموروثة, وهذا موجود في الآداب الأجنبية فالشاعر(ويليم بليك) البريطاني لديه تصور للقدس الجديدة يتناقض مع ما كانت عليه القدس القديمة وهو ينتقد الكنيسة المتشددة بينما هو يحلم بمدينة فاضلة ويحكمه الوجدان الإنساني. هناك مبدعون في الأدب العربي لاسيما في فترة النهضة مثلاً جبران خليل جبران الذي كان يهدف من الرؤية الإبداعية الوصول إلى رؤية مثالية عن المدينة الإنسانية فكتب كتاب «النبي» وهو عبارة عن تصور واقعي للمدينة المثالية - الفكر - الإنسان - صلة الإنسان بالقيم وبالحياة الفكرية... إذا هناك عملية في الفكر والإبداع تبحث بنزعة استشرافية عن مدينة يبتدعها حلم الإنسان ورؤياه. أيضاً على سبيل المثال: كتاب «أم القرى» للكواكبي في فترة النهضة الأدبية المبكرة حيث صار اصطدام بين الفكر النهضوي والموروث التقليدي فكان هناك استهداف للحرية, بمعنى يكون الإنسان مالكاً لمصيره بينما تصادر الدولة لهذه الحرية, فكتاب أم القرى هو عبارة عن تصور تخيّلي لما يجب أن تكون عليه المدينة العربية الحديثة. الاستشراف موجود لدينا و لوعدنا إلى الماضي لوجدنا قصة «حي ابن يقظان» من الروائع الفكرية والأدبية في تاريخ الأدب العربي قديماً وحديثاً، هي استكشاف الإنسان لوجود الخالق وهذا لايتم عن طريق الدين وإنما عن طريق التجربة بالتأمل والتفكير والتصور، بينما الأديان تستكشف ذلك عن طريق النبوة والكتب المقدسة, وبالنسبة لمفكر كابن طفيل لايوجد لديه تناقض بين هاتين الطريقتين, وإنما هو يفضّل أن يصل إليها الإنسان عبر التجربة الذاتية. وأضاف العظمة:إن الاستشراف يؤدي إلى شد حاجات فكرية ونفسية ومادية, فالاستشراف في التربية والتعليم يعنى أن ندرس الوضع التربوي في المكان والمدينة و... ومن خلال دراستنا الواقعية الآن نستشرف ما يمكن أن تكون عليه التربية والتعليم في المستقبل. واختتم بالقول: نزعة الاستشراف موجودة في شتى الحقوق الفكرية وهي طريقة لتفعيل الأدباء والفكر والمعرفة عن طريق المخيّلة والحلم والتفكير المنهجي والتجربة الإنسانية والأطر الاجتماعية الثقافية النفسية المعرفية. غنيم: (بحث علمي) د. غسان غنيم قال: كان ديدن الإنسان منذ وجوده العاقل على هذه الأرض هو التساؤل عن مصيره، ومحاولة استشراف المستقبل عبر وسائل متعددة، وهذا ما أكسبه ميزة ظلّ لولاها مستعبداً للطبيعة وضروراتها، وعاجزاً عن التقدم والارتقاء. وقد كثرت الندوات والدراسات التي تهتم باستشراف المستقبل بعد الحرب الكونية الثانية، وكثرت الخطط التي تهتم بمصير الإنسان وما يمكن أن تؤول إليه حضارته عبر دراسات استبصارية تدرس المشكلات المتفاقمة التي تحدث في الواقع الإنساني، دراسة ترى مدى اتصال الأحداث فيما بينها، وأنها لا تشكل وحدات منفصلة بعضها عن بعض, بل تشكل جزءاً من حالة عامة وعميقة تشمل الحضارة البشرية كلها. وتقوم هذه الدراسات الاستشرافية باتباع أسلوب علمي في تقصي الأحداث ومراقبة التحولات مع الاستفادة من البيانات والإحصاءات, بل من جميع ما توصل إليه العلم لوضع حلول لما قد يعترض الإنسان من مشكلات لابد له من التذكير بها قبل حديثها بوضع جملة من الحلول تقوم على التخطيط والبرمجة واستبصارها لما هو مستقبلي وقابل للحدوث وفق معطيات الحاضر وماهو كائن وموجود من إمكانيات قابلة للاستعمال في حال حدوث أزمات تتعلق بنواحي الحياة جميعها، اقتصادية، اجتماعية، بيئية....الخ. إن ما دفع العلماء إلى مثل هذه الدراسات الاستشرافية يرجع إلى إيمانها بضرورة استشراف المستقبل، التي يجب أن تسدق أي عملية اختيار لطريق دون أخرى، مهتدياً بالعقل والعلم وقواعدهما، ومبادئهما باستنادهما إلى التجارب البشرية المتراكمة وبالاستعانة بالخيال وحس التنبؤ مقروناً بالعلم ومعطياته. فمع تطور العلوم المادية ظهرت نزعات جديدة تعني بضرورة تحديد شكل المستقبل ومحاولة تسييره باتجاه شبه حتمي نحو التقدم والارتقاء عبر التنظيم ودراسة المجتمع وتوجهها لزيادة الاستفادة من السيادة على الطبيعة وتسخير معطياتها لخدمة البشرية، ثم السيادة على المجتمع ومحاولة تنظيمه بشكل عقلاني يؤدي إلى الاستفادة القصوى من إمكاناته وقدراته للوصول إلى أفضل شروط الإبداع الذي يسخّر لخدمة الإنسان وتحقيق رفاهه وحريته. بات علم دراسة المستقبل وأصحاب النزعة الاستشرافية في عصر التكنولوجيا وسيادتها المطلقة يؤمنون بإمكانية صناعة المستقبل الذي تحتمه إرادتهم وإرادة المسؤولين عن هذه المجتمعات، يسخّرون العلم ومعطياته في سبيل صناعة التاريخ والمستقبل وإخضاع المجتمع الإنساني بقواه وفعالياته بتنظيم عقلاني موجه من قبل مجموعة تمتلك أدوات التحكم والسيطرة والتوجيه, وبذلك تعمل الدراسات الاستشرافية على (صناعة المستقبل) كونها فناً يتجاوز حدود التنبؤ العفوي الحدسي المحايد القائم على مجرد التوقع إلى محاولة السيطرة على المقدمات لحصد النتائج بشكل علمي مدروس لتحقيق أكبر قدر مما هو مطلوب من المجتمعات وفق استراتيجيات مرسومة بشكل مسبق. نشطت الدراسات الاستشرافية في الغرب بشكل واضح منذ أواخر القرن الخامس عشر عبر مجموعة من الفلسفات التقدمية التطويرية المتفائلة، وبرزت أسماء كثيرة مثل(توماس مور) وكتابه الـ (يوتوبيا) الذي وضع فيه مخططاً لمجتمع مثالي خال من العنف والتعسف والاضطهاد، (فرانسيس بيكون) الذي دعا إلى قيام مجتمع يقوم على العلم كوسيلة أساسية في فهم الأشياء وأداة مهمة للسيطرة على الطبيعة وفهم أحوال البشر في مؤلفه (الاطلنطس) إلى) برناردي فونتيل (إلى) روبير تيرغو) في كتابه التقدم التدريجي للعقل البشري إلى (سباستيان مرسييه) في كتابه الذي يتنبأ بالمستقبل،إلى الكتاب المجهول المؤلف الذي عنوانه (عهد الملك جورج سادس) الذي تنبأ به بأحوال البشرية في القرن العشرين, إلى ظهور مجموعة في الأدباء الذي اتخذوا في التنبؤ وسيلتهم الأساسية في الكتابة كما هي حال الكاتب (جون فيرن) الذي كتب مجموعة من المؤلفات الشهيرة مثل (رحلة من الأرض إلى القمر) و(حول العالم في ثمانين يوماً) إلى (هاربت جورج ويلييز) صاحب كتاب (آلة الزم) وكتاب (حرب العوالم) و(اليوتيبيا الجديدة) وشكل الأشياء المستقبلية وكلها أعمال أدبية تتحدث عن المستقبل وتتخيل حالاته مما تحقق في معظمه وغالبيته. كما ظهرت مجموعة من الفلاسفة من الذين اهتموا بدراسة العوامل الفكرية والعلمية والاقتصادية التي تحدد آفاق المستقبل وترسم خطوطه العامة كما هي الحال (بيرترندرسس وهيغل ونيتشيه) والماركسية بشكل عام. أما في الجانب العربي فقد ندرت مثل هذه الدراسات ولم يتقدم الدارسون وعلماء اجتماع العرب للتصدي لمثل هذه الدراسات واقتصرت عل جهود فردية أو جزئية واقتصر وجودها على المؤسسات التي تتخد من التخطيط ودراسة المعطيات الحاضرة لاتخاذ القرارات والإجراءات المستقبلية وربما تكون الحكومات العربية التي تنام في العسل هي المسؤولة الأساسية على غياب مثل هذه الدراسات أو عن قلة جدواها وإحباط منفذيها وعدم الإيمان بضرورتها حتى بقيت وزارات التخطيط في الوطن العربي من أضعف الوزارات وأقلها شأنا. ينسحب ذلك على المجالات جميعها التي تحتاج إلى المزيد من الدراسات الاستشرافية على المستويات التعليمية والاقتصادية والإعلامية في الموقف الفعلي من التخطيط ما زال متخلفاً ينبع من تصورات قديمة بأنه مجرد عملية حسابية كما يعاني التخطيط من عدم الإحاطة من كل ما يجب الإحاطة به، مما يطرح مشكلة إدارية حقيقية في مستويات تحديد أطر المجتمعات العربية التي أهملت في غالبيتها مجرى التطور في علوم الإدارة والتكنولوجيا الإدارية الجديدة. إن غربة الوعي العربي في مثل هذه العلوم مسألة خطيرة على مؤسسات الدول العربية وفعالياتها, قد تفسر حالة الإحباط التي تعانيها النهضة العربية الآن, وانجراف مسار التنمية الاجتماعية والبشرية فيها, ولهذا مازال العرب يتفاجؤون بالأحداث الكبرى التي تلّم بهم وتنسحر سلوكاتهم بمجموعة من ردود الأفعال الآنية التي تضطرهم إليها مجموعة الأحداث التي تقع بين ظهرانيهم. وربما تحتاج هذه الدول مجتمعة إلى وضع ميزانيات كبيرة للبحث العلمي الاستراتيجي الاستشرافي في المجالات جميعاً لاستطلاع دروب المستقبل الذي يمتلكه من يخطط له بشكل علمي دقيق. |
|