تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعد أن أوقفته الزراعة: هل حقق مشروع التدريج الجدوى الاقتصادية المأمولة؟

تقارير
الاثنين 27-5-2013
المهندس عبد الرحمن قرنفلة

بينت نتائج البحوث التي تمت باستخدام الواسمات الجزئية على مستوى القارات الثلاث: جنوب غرب اسيا/و اوروبا / وافريقيا / ان منطقتنا وسورية تحديداً هي منطقة الاستئناس الاولى لنوع الابقار العادية الذي يعد اصل عروق الابقار الاوروبية الحديثة المشهورة عالمياً.

بينما كان يسود الاعتقاد ان هذا الاصل اوروبي وان الابقار السورية( الشامية العكشية)، يعود اصلها الى نوع الابقار الهندية كما بينت البحوث ذاتها ان سورية تحديداً من المناطق الاساسية لاستئناس الاغنام والماعز والخنازير.‏

وحسناً فعلت وزارة الزراعة إذ اوقفت مشروع تدريج الأبقار المحلية ، لاسيما وان المشروع بدأ السير أعرج منذ /24 / عاماً ، وعلى قدم واحدة فقط ودون عيون ، حيث لا هدف ولا استراتيجية ، ولا تحديد لنسب الخلط التي يجب التوقف عندها ، وأشك ان احداً قادر اليوم على تحديد نسب الخلط التي وصلت اليها الأبقار الخليطة في حقول المربين....وثالثة الأثافي أن عدم التقيد بتنفيذ تعليمات المشروع ادى الى خلط نسبة مهمة من الأبقار الشامية غير المستهدفة بالمشروع لنفقد اعداداً اضافية منها .. بدأنا مشروع التدريج دون ان يتم الأخذ بمبررات نجاحه .....فقد كان من المفترض ان يترافق مشروع التدريج بخطوات أساسية ثلاث :‏

اقامة مراكز لتجميع الحليب ومعالجة اختناقات التسويق وهذا لم يتحقق .‏

التوسع بزراعة الأعلاف الخضراء و دمج تربية الأبقار بالدورة الزراعية وتوفير حاجتها من المواد العلفية وهذا لم يتحقق ايضاً .‏

رفع مستوى الرعاية البيطرية وهذا لم يتحقق الا بشكل جزئي .‏

فهل حقق مشروع التدريج جدوى اقتصادية فعلاً وهل حققنا فعلاً قفزات انتاجية من خلال عمليات التدريج ووصلنا الى ارقام انتاجية في الأبقار المحسنة خلال 24 سنة تحت ظروف بيئية تحبط أي تحسين وراثي ؟‏

وهل الزيادة في انتاج الحليب ناتجة عن التحسين الذي احدثه مشروع التدريج أم أن الزيادة تعود لعوامل اضافية؟‏

نتائج ايجابية لكن ناقصة‏

بداية لا بد من الاعتراف بأن زيادات قد تحققت في انتاجية الإبقار الخليطة ، وربما بأرقام تجاوزت توقعات وزارة الزراعة التي أكدت ان زيادة قد حصلت بانتاجية أجيال الأبقار الخليطة ( محلية و أجنبية ) من 766 كغ متوسط انتاجية البقرة المحلية أو العكشية الى 3500 كغ للجيل الرابع من الأبقار الخليطة حيث حقق المربين الذين قدموا مستوى مرتفع من التغذية والرعاية لتلك الأبقار انتاجية تجاوزت الـ 4000 كغ من الحليب ، وهذا ما اكدته الجولات الميدانية على حقول المربين وهو امر منطقي ويتطابق مع المعطيات العلمية للحصول على تلك الزيادات عبر 24 سنة من الخلط حيث يمتلك الجيل الرابع معظم مورثات الأصل الأجنبي .‏

ولابد من الاعتراف ايضا بأن هناك جهود امضنية تم بذلها من قبل المربين والفنيين العاملين في اطار مشروع التدريج .... ولكن ما هي المنعكسات على ارض الواقع وماهي الخطوات الأنجع لتوفير حاجة القطر من الحليب ومشتقاته حيث أنه رغم الزيادات المتحققة في إنتاج الحليب من الأبقار إلا أن الكميات المنتجة لا تغطي الاحتياجات الاستهلاكية للمواطنين الذين بلغت نسبة زيادتهم السنوية خلال عمر المشروع الى 3.73 % ، وتشير بيانات التجارة الخارجية الى أن قيمة وارداتنا من الحليب ومشتقاته عام 2010 وصلت الى حوالي/ 21.5 / مليار ليرة باسعار صرف العملة الحالي .‏

ان الاعتماد على خلط الأبقار فقط واهمال توفير احتياجاتها من العلف والرعاية الصحية لم يسمح بالحصول على اقصى انتاج من مقدراتها الوراثية ، كما ان انعدام طرق تضمن تصريف المنتج ألحقت خسارة بالمنتجين وأدت الى ذبح اعداد كبيرة من الأبقار وخاصة في مناطق التربية التي تعتمد فيها الأبقار بتغذيتها على المراعي الطبيعية بشكل خاص .‏

غابت نظم التسويق فعصفت فوضى الأسعار‏

في المناطق الوسطى والساحلية من البلاد ، وقبل دخول مشروع تدريج الأبقار اليها ، كثير من الأسر الريفية كانت تملك بعضاً من الأبقار المحلية ، وتراوحت حيازة الأسرة بين 2-5 رؤوس من البقر تعتمد في 90 % من تغذيتها على المراعي الطبيعية الخضراء ، ولم تكن تضيف اي عبء مالي على نفقات المربي إلا ما ندر ، نظراً لتاقلمها مع الواقع البيئي الذي تعيش فيه ، وبطبيعة الحال كان انتاج البقرة يكفي حاجة الأسرة من انتاجها ، وربما يحقق بعض الفوائض احيانا من كميات متواضعة من الحليب أو بعض العجول التي تباع . ومع دخول مشروع التدريج والحصول على الأجيال المتعاقبة تحولت البقرة الى شكل اقتصادي استثماري مختلف ، حيث ارتفع انتاجها من الحليب واصبحت هناك حاجة الى تصريف الإنتاج ، وحاجة الى تامين الأعلاف ، وحاجة الى أدوية ومعالجات ، وهذا امر طبيعي اذ مع زيادة الإنتاج ترتفع الحاجة الى نوعية مختلفة من الأعلاف ولم تعد المراعي كافية لتغطية حاجة البقرة الى الغذاء وترتفع احتمالات الإصابة بالأمراض في ظل غياب الارشاد الفني حول طرق التعامل مع البقرة مرتفعة الإدرار.‏

توزع الأبقار‏

ولكن المحبط في الأمر أنه لم تتوفر بنى لتسويق المنتجات ولم يتم احداث مراكز تجميع الحليب الموعودة حتى اليوم لا بجهد حكومي ولا بجهد القطاع الخاص ووقع المربي فريسة استغلال سماسرة الحليب الذين بدؤوا يفرضون عليه الأسعار التي يرونها محققة لمصالحهم مستندين الى حقيقة أن الحليب مادة سريعة التلف تجبر المنتج على تسويقها وبيعها بأي سعر، وأصبح من يتحكم بالأسعار هم المصنعون وجامعو الحليب أو الوسطاء وبدأت رحلة الخسارة من تربية الأبقار ترسخ في ذهن المربي أن تربية الأبقار عملية خاسرة.‏

مؤسسة الأعلاف رجل اسعافات اولية‏

ومن جانب اخر اصبح هاجس الحصول على الأعلاف اللازمة ( للبقرة النموذج الجديد ) يرافق المربي ليل نهار وبدأت حلقة اخرى من حلقات استغلال المربي تمثلت بسماسرة الأعلاف ووحدات خلط المواد العلفية في ظل عجز وتقاعس مؤسسة الأعلاف عن التدخل لإنقاذ المربين وتحولها الى رجل اسعاف يقدم اسعافات اولية في حالة الطوارئ لا تضمن إلا الوصول الى غرفة العناية المشددة ، وترافق ذلك بظهور امراض هضمية ناتجة عن الخلطات العلفية غير المتوازنة وغير الصحية في كثير من الحالات وقد أكد كثير من المربين أن انخفاض الإنتاج لديهم يعود الى التغذية غير المتوازنة للقطيع، إذ ان متوسط إنتاج الرأس في حال المعادلات الصحيحة من الخلطة العلفية هو )25-30( كغ، أما في حال العلائق غير الصحيحة فإن الإنتاج ينخفض إلى (15)كغ وهذا في غياب قانون ناظم لعمليات تصنيع وتداول الأعلاف ، لتضيف عبئا جديداً تمثل بنفقات العلاج البيطري .‏

هذه العوامل مجتمعة دفعت بمربي الأبقار المحلية والذي تم تحويله دون تمهيد الى مربي بقرة ذات انتاج اعلى ، دفعته للتخلي عن تلك الأبقار وقد شهدت المناطق المشار اليها بيع و ذبح اعداد كبيرة من الأبقار .....وهو أمر تناولته صحافتنا المحلية في حينه وحملت معاناة المربين الى منابر الإعلام.‏

مصدر زيادة الإنتاج‏

لن نبخس احدا جهده ، ونسعى ليأخذ كل ذي حق حقه ، ونؤكد أن زيادات انتاجية قد حدثت في انتاج البقرة الخليطة إلا ان تحليل بيانات مديرية الإنتاج الحيواني يشير الى ان متوسط الزيادة السنوية في انتاجية البقرة الحلوب خلال الفترة 1985-2009 كان بحدود 1.7 % ( من 1.87 طن الى 2.64 طن ) بينما كان متوسط الزيادة السنوية بعدد الأبقار الحلوب 3.43 % ( من 332 الف راس الى 605 الف راس ) أي ان جزأً مهما من الزيادة الإنتاجية يعود الى زيادة عدد الأبقار وليس الى التحسين الوراثي فقط والذي لن يكفي لتوفير حاجة البلاد من الحليب ومشتقاته وهو امر منطقي وينسجم مع المنطق العلمي. إذاً ما هي الحلول؟‏

إن زيادة انتاج الحليب ومنتجات الأبقار بصفة عامة يتم من خلال احدى الوسائل التالية :‏

التخطيط لإنتاج الأعلاف كأساس لتطوير الإنتاج الحيواني ووضع برامج ودراسات للاستفادة من المخلفات الزراعية المتاحة بعد معالجتها لتغذية الحيوان ، والاهتمام بتغذية الأبقار الخليطة تغذية صحيحة وتوفير العلائق المتوازنة والأعلاف الجيدة وتغطية الاحتياجات الحافظة والانتاجية للحيوان .‏

زيادة المساحة المخصصة للمحاصيل العلفية البعلية والأعلاف الخضراء .‏

تحصين ووقاية الأبقار من الأمراض التي تؤثر على انتاجيتها والتأكيد على أنه مع زيادة الإنتاج ترتفع احتمالات تعرض الحيوان للأمراض .‏

استيراد واقلمة ابقار الحليب الاجنبية عالية الانتاج لدعم انتاج الأبقار المحلية منخفضة الانتاج .‏

تطوير مناهج التدريب والإرشاد الزراعي سواء بالنسبة للفنيين الزراعيين والبيطريين أو بالنسبة للمربين ، حيث أن التعامل مع البقرة عالية الإدرار يحتاج الى جملة من المعارف لا بد من توفيرها بين يد العاملين في هذا القطاع‏

تشجيع اقامة شركات كبيرة لتربية الابقار الحلوب حيث أن الإنتاج الموسع يحقق جدوى اقتصادية اكبر من العملية الإنتاجية.‏

وتشجيع تنظيم المربين للأبقار عالية الإنتاج في جمعيات علمية تعاونية تتولى توفير مستلزمات التربية والرعاية البيطرية وتسويق المنتجات .‏

إعادة النظر في الموازنة السعرية للمنتجات الحيوانية وخاصة الحليب وتأسيس هيئات لتسويق المنتجات الحيوانية وانشاء المخازن المبردة لهذه الغاية .‏

إقامة مدارس ريفية خاصة بتربية الأبقار الحلوب في مناطق انتشار تلك الأبقار تقدم خدمة التدريب والتعليم المستمر للمربين حيث أكدت خبرتنا الميدانية الحاجة الماسة الى مثل هذه المدارس‏

نظرا لأن السلالات المحلية من الحيوانات الزراعية المنتجة تتمتع بصفات وراثية جيدة يجب وضع دراسة مقارنة عنها تتضمن خصائصها وصفاتها الإنتاجية والتربوية وذلك بهدف تحسينها كنواة نقية لعروق محلية .‏

اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق التأمين على الأبقار عالية الإنتاج وتقديم تعويضات مجزية للمتضررين نتيجة انتشار الأمراض الوبائية والكوارث والحوادث الطارئة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية