تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المخلفات الزراعية موارد لا تنضب لتشجيع الاستثمار البيئي المستدام.. استراتيجية بديلة تعتمد على الذات لمواجهة الحصار الخارجي

تقارير
الاثنين 27-5-2013
ناديا سعود

مع زيادة الاهتمام العالمي بقضايا البيئة والحفاظ عليها برزت الكثير من الافكار الهدف منها التقليل من استنزاف موارد الطبيعة ومنع تلوثها، وإن كانت أفكار الحفاظ على البيئة مقتصرة وحتى سنوات قليلة على دول قليلة على مستوى العالم،

إلا أن جهود حفظ التوازن البيئي و التقليل قدر الامكان من التلوث الذي يحدثه الانسان في النظام البيئي، بات يشمل مختلف الدول، وأصبحت البشرية معنية بقدر أو بآخر بمشاريع الحفاظ على البيئة لما لذلك من انعكاس مباشر على مستقبلها.‏

ووسط هذا الاهتمام العالمي بقضايا البيئة، برزت قضية إعادة الاستفادة من المخلفات الزراعية كإحدى أهم القضايا التي اهتمت بها الكثير من الدول وحفزتها، ووضعت لها الكثير من التسهيلات، لتطبيقها بشكل عملي على أرض الواقع، فبتنا نسمع عن مشاريع إعادة تدوير تشمل معظم ما يحيط بنا من مخلفات، لاهميتها الاقتصادية والاستثمارية لما تدره من دخل على الأفراد والدول على حد سواء، تسهم في الحفاظ على البيئة ووقف استنزاف الموارد الطبيعية، وكغيرها من الدول اهتمت سورية بمشاريع إعادة التدوير، حيث سبق وخصصت وزارة الدولة لشؤون البيئة المؤتمر البيئي الثاني، للاطلاع على آخر وأهم الأبحاث العلمية التي تخدم مجال استخدام المخلفات الزراعية للحصول على منتجات صديقة للبيئة.‏

الأبحاث تضع الحلول‏

المهندس محمود حيدر رئيس قسم الدراسات والمعلوماتية في الوزارة أكد «للثورة»أن العمل يجب أن يتم ضمن منهجية البحث العلمي في معالجة القضايا البيئية الناشئة عن الموارد الطبيعية ضمن إطار خطط التنمية المستدامة التي كانت سائدة، حيث يتم استنزاف قسم كبير من الموارد الطبيعية وهذه الأبحاث تشخص المشكلة وتضع الحلول المناسبة لها وطرق الاستفادة من المخلفات الزراعية، ففي منطقة الجزيرة مثلاً عشرات الآلاف من الهكتارات فيها نباتات غازية كالباذنجانية ولسان الطير التي هي موضوع بحث للاستثمار والاستفادة عن طريق إقامة ورش عمل على هامش المزارع مثلاً ورشة لتصنيع منتجات صديقة للبيئة لا يوجد في تركيبتها أي مادة كيميائية ضارة ونحصل منها على ألواح خشبية عالية الجودة ولها سوق عالمي للتصريف بعيداً عن السوق الداخلية، ومشكلة أخرى تكمن في مخلفات معاصر الزيتون حيث تم تقديم بحث علمي متقدم لبحث هذه المشكلة للحصول على منتج صديق للبيئة بحيث وجدنا قيمة مضافة، فهناك عدة معاصر نحصل من مخرجاتها على مردود اقتصادي هائل بدلاً من أن تكون عبئا على البيئة، ويضيف حيدر أما بالنسبة لمحالج الأقطان وبذور القطن بنفس العملية تنتج ألواح خشبية جيدة.‏

أما في مجال المصنفات الصناعية ذكر حيدر أن صناعة الأجبان والألبان ومخرجاتها تلوث قنوات الري والصرف الصحي والترب الزراعية والمسطحات المالية لذلك كان هناك بحث علمي تم تقديمه وقد وصل إلى نتيجة محققة أن هذه المخرجات يمكن أن تحول إلى مادة مفيدة هي حمض الخل كقيمة مضافة تحافظ على البيئة.‏

مردودية عالية للأبحاث‏

وتحدث حيدر عن (60) بحثا تم اعتماد (15) منها وفق شروط قاسية وسلم ومعايير لقبولها وضعتها اللجنة العلمية ممثلة من وزارة الدولة لشؤون البيئة، وإكساد وجامعة دمشق، وفازت (3) أبحاث من أصل (15) بحثاً سيتم عرض البحث الأجدى على الهيئة العامة للاستثمار والمستثمرين، وباقي الأبحاث سوف تقدم لها حوافز تشجيعية مادية، ليتم استثمار البحوث المقدمة لأن البحث العلمي يبحث في الكليات أما المعرفة فتبحث في الجزئيات، للاستفادة بالشكل الأمثل ووضع الأبحاث تحت تصرف المستثمرين والإدارات والمؤسسات لتشجيع الباحثين من المؤسسات الأكاديمية وغيرها و باحثي البيئة الأهلية و أحيانا باحثين غير أكاديميين، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات عدة مليارات ولكن الأرباح ستكون بعشرات بل مئات المليارات من الليرات.‏

الاستفادة من مخلفات القطن‏

وفي لقاء مع المهندس زياد الصواف الدوه جي عضو الهيئة التعليمية في كلية الزراعة، قال: إن مخلفات زيت القطن هي عبارة عن قشور تستخدم كفراشٍ للأبقار، ويباع الكيلو منها ب(3) ليرة ، واستطعنا من خلال الأبحاث تحويل هذه القشور إلى خشب مضغوط MDF متوسط الكثافة، وارتفع سعره من (3)ليرات إلى (30) ليرة، حيث نستخدم هذا الخشب في النجارة والديكورات وصناعات أخرى، بالإضافة إلى أن تحويل هذا المخلف الذي لم يكن له لزوم إلى منتج صديق للبيئة و موفر للقطع الأجنبي لعدم استيراده ومشغل للأيدي العاملة ، واتمنى أن تتم الاستفادة من هذا المنتج من قبل المستثمرين لتحقيق المردود الاقتصادي الجيد.‏

أهمية علمية‏

وعن أهمية هذه الأبحاث التي تتناول تحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات صديقة للبيئة قال الدكتور موسى جرجس السمارة أستاذ المكافحة المتكاملة: تبدأ اهمية هذه الأبحاث من خلال التحديات التي نمر بها إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة علينا من الدول الأوروبية، فالوضع الراهن يتطلب منا اليوم التوجه إلى إعادة تدوير جميع المخلفات الثانوية، من خلال انتاج مواد طبيعية من جهة ، وتوفير الكربون المنبعث من حرق هذه المخلفات سنويا، كما يفتح الباب أمام الاستثمار المحلي للتوجه لإقامة مصانع حديثة لتلك المخلفات، وتشجيع الاستثمار البيئي المستدام والمساهمة في تنميته، بالإضافة لدوره في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال إيجاد فرص عمل جديدة، وتحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على مواد خام محلية، وتأمين دخل إضافي للمزارع .‏

ويضيف السمارة إن هذه الأبحاث تساهم في تعزيز المكافحة المتكاملة لبعض الأنواع النباتية، من خلال التخلص من هذه المخلفات التي تعتبر عوائل للحشرات والأمراض، بالإضافة لما تحققه من رفع القيمة الاقتصادية للمخلفات الزراعية وذلك بتحديد سعر الشراء من المزارع، وتحديد سعر التسويق، وكلفة التصنيع، وتحديد نسبة الربح والعائد المادي من خلال استخدام تقانات حديثة لتحويلها إلى منتجات صديقة للبيئة، وبالتالي تشجيع التداول في السلع البيئية، والتخلص الآمن من النباتات الغازية، وبذلك تتحقق الأهداف الوطنية للزراعة العضوية، وانتاج واستخدام الأسمدة العضوية.‏

آلية الاختيار‏

وحول آلية الاختيار للبحوث يقول الدكتور مروان شيخ البساتنة عضو اللجنة العلمية: تقوم اللجنة باستقبال الطلبات والأبحاث و فرزها حسب الأولوية (البحث الأجدى) أو الذي يقدم شيئا جديدا أو ابتكارا جديدا، فهناك عدة معايير اعتمدتها اللجنة العلمية المشكلة من خبراء في وزارة البيئة وجامعة دمشق والمركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة (اكساد) لقبول البحث، مثلا ما الذي قدمه البحث في مسألة حماية البيئة، وما الابتكار الذي قدمه الباحث هل هو أصيل أو غير أصيل، وما مدى مساهمته في الحد من استنزاف الموارد الطبيعية.‏

ومن هذه الأبحاث التي تمت مناقشتها بحث يتعلق بمعالجة تفل العنب كمشروع متمم في الشركة السورية لتصنيع العنب في السويداء(استحصال الكحول الايتيلي - الحصول على الدقيق - استحصال زيت العنب)، وبحث يتمحور حول ابتكار جهاز لتحويل الفضلات العضوية إلى سماد لمنطقة سوق الهال بحلب، وغيرها من الأبحاث التي تهتم بمعالجة قضايا البيئة والتنمية المستدامة.‏

أخيرا‏

تواجه البيئة تحديات كبيرة تتمثل في غياب رؤية واضحة للبعد البيئي في عملية التنمية فالموارد البيئية تتأثر بعملية التنمية الاقتصادية ما أدى إلى انحرافات كبيرة في نوعية وتنوع ووفرة هذه الموارد ،ولتصحيح هذه الانحرافات يستلزم استراتيجية تزاوج بين الإدارة السليمة والحكيمة للموارد البيئية وزيادة الوعي البيئي وتوفير الكوادر المتخصصة بالأنظمة البيئية و إدارتها، لذلك لابد من تفعيل القدرات الوطنية في البحث العلمي والتطوير التقاني وتنسيق جهودها وتهيئة البيئة المناسبة لها والسبل الكفيلة لنجاحها في تلبيتها لاحتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة.‏

وتعد مشكلة المخلفات الزراعية من المشكلات البيئية الكبرى التي توليها الدول في الوقت الراهن اهتماما متزايدا، ليس فقط لآثارها الضارة على الصحة العامة والبيئة وتشويهها للوجه الحضاري، بل لآثارها الاجتماعية والاقتصادية ايضا، ولكل من هذه المناحي ثمنه الباهظ الذي تتكبده تلك الدول إنفاقا كان في وسعها أن توفره، أو فاقدا كان يمكنها أن تتجنبه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية