تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صالات السينما في دمشق.. وداعاً للزمان الجميل.. محمد ملص: لست متفائلاً بأي ادعاء لنهوض سينمائي

ثقافة
الأحد 17-1-2010
تحقيق: عمار النعمة

ألا يدعونا واقع صالات السينما من حيث عروضها وتجهيزاتها وجمهورها إلى الخجل والتوقف لمراجعة هذا الواقع إذا ما علمنا أن أصحاب الصالات لا يزالون يعانون من عدم القدرة على تغيير مهنتهم؟

وعلى الرغم مما قدمته الدولة من تسهيلات لهم، إلا أنهم يدركون أن الخسارة على وشك أن تطول مصيرهم الشخصي ومصير صالاتهم.‏

في تحقيقنا هذا نحن أمام أزمة تعاني منها السينما السورية منذ عقود وما نأمله هو الوصول إلى حل ينهي هذه المشكلة.‏

الصالات تستغيث‏

أثناء زيارتنا لعدد من الصالات في دمشق وجدنا أن العديد منها بحالة يرثى لها فمقاعدها مكسرة والجدران متسخة وآلات العرض قديمة وعند لقائنا لبعض القائمين عليها بينوا لنا أن السينما قد انتهت ولم يعد هناك رواد لها في ظل التكنولوجيا الحديثة.‏

وبالمقابل وللإنصاف فقط عند دخولنا مجمع سينما دمشق وجدنا أن الحال مختلف تماماً فقد استغل هذا المجمع كافة الإمكانيات المتاحة للظهور بالشكل الأمثل بداية من الشكل والنظافة وانتهاءً بالمعدات التي تتسم بالتطور والتقدم.‏

كما أن المؤسسة العامة للسينما عبر صالتها الكندي تقوم بنشاط تجسد عبر الكم الجيد من التظاهرات والفعاليات السينمائية.‏

إلا أننا نسأل اليوم لمَ هذا الواقع الذي تعيشه صالات العرض السينمائي؟‏

وما المطلوب للنهوض بالقطاع السينمائي؟‏

المأزق منذ ثلاثين عاماً‏

المخرج السينمائي محمد ملص قال:‏

أتمنى أن يكون عام 2010 عاماً خيراً للناس لكني أثق بأنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً وحتى اليوم لم يتمكن الوضع الخاص بالصالات السينمائية في سورية ككل الخروج من المأزق الذي هو عليه الآن.‏

وفي كثير من المرات يحتار الإنسان في الجهة التي يجب أن يتوجه إليها كي يطالبها بإزالة الإثم المرتكب بحق الناس في ما يخص الحياة السينمائية في المجتمع.‏

فيما يخص الصالات السينمائية ومن حسن الحظ أنها جريمة لا تخص مؤسسة السينما بل تخص أساساً الحال القانوني العتيق والمهترئ الذي يحكم وضع الصالات السينمائية في سورية، هذا ليس تبرئة للمؤسسة العامة للسينما بل هو إشارة إلى الوضع بشكل أكثر عمومية على الرغم من أن المؤسسة تتحمل مسؤولية التردي الذي وصلت إليه السينما في سورية وليس الصالات فقط.‏

ولنعد إلى الوثائق حين كان عدد سكان سورية (4 ملايين نسمة) كان هناك كما تقول الاحصاءات الصادرة عن المؤسسة العامة للسينما أكثر من (130) صالة.‏

اليوم نحن وصلنا إلى (23) مليون نسمة وتراجع عدد الصالات إلى أقل من (30) صالة وربما لا تتمتع بمواصفات فنية منها أكثر من 7-8 صالات والمقصود بالمواصفات الفنية إذا كانت السينما صورة وصوتاً فالمقصود أن تصلنا الصورة صورة وأن يصلنا الصوت واضحاً ومفهوماً وأنا أتحدى عبر التجربة والمتابعة التي مارستها في مشاهدة الأفلام في هذه الصالات بأن الصورة لم تكن صورة بل كانت ظلالاً والصوت لم يكن يفهم منه ما ينطقه هذا الفيلم.‏

وللإشارة فقط أنني في العام الماضي دعيت لأكون في لجنة التحكيم في إيران قد فوجئت أنه خلال عام واحد أحدث في طهران قصر حديث وكبير خاص بالمهرجان وهو عبارة عن مبنى من طوابق تشغلها صالات سينمائية متعددة على تلة من تلال طهران.‏

إذاً الوضع في حالة من التردي ولا نغفر لأي كان على الاطلاق إلا إذا كانت السياسة الثقافية تقوم على الانزواء في البيوت.‏

انطلاقاً من وضع الصالات هذا يجب أن لا يتذرع أحد بإلقاء التهمة على غياب الجمهور لكن وضع الصالات وما وصلت إليه الحال هو الذي جعل الجمهور ينكفئ ويزدحم عند الدكاكين الكثيرة لبيع الأقراص التي تقدم لنا أحدث الأفلام وبالصدفة وبالأمس فقط اذهلني كم الناس الذين شاهدتهم حين لجأت إلى إحدى دكاكين الأفلام أيضاً لأتسوق بعضها.‏

مرة أخرى لا أدري! يجب أن نوجه الكلام أو النداء أو السخط ولكن ليس العتاب فكيف لناأن نطالب بصالات في وقت ليس هناك قدرة على اجتذاب الأفلام أو امكانية عرضها في صالة تليق بها وكيف نطالب مستثمراً أو صاحب صالة سينمائية بأن يكون مجنوناً آخر يضاف إلى من سبقوه بتحديث صالته في وقت لا تزال فيه القوانين والنظم التي تسير بها شؤون السينما كلها انتاجاً وتوزيعاً وعرضاً قد مضى عليها نصف قرن من الزمن وزمن هذه الأيام لا يحسب بالسنوات فقط.‏

أنا لست متفائلاً بأي ادعاء لنهوض سينمائي يقوم على مسكنات ومهدئات ويبدو لي أن شؤون الثقافة منذ زمن بعيد لا تزال تعالج وتداوى بالمهدئات والمسكنات، لذلك السينما بحاجة إلى رجال فوق الشبهات في داخلهم ضمائر وفي عقولهم قرار وفي تصورهم وضوح لوضع سياسة سينمائية تهدف لمجاراة العصر ونحن لا نفتقد هؤلاء الرجال ولا نفتقد الامكانيات والمواهب لتحقيق ذلك بل نفتقد القرار الصائب والخيار الصحيح.‏

مشروع خاسر‏

د. ابراهيم نجمة صاحب صالتي سينما الخيام والسفراء أكد أن السينما في حالة متدهورة منذ عشرين عاماً والسبب آنذاك كان منع استيراد الأفلام وحصرها ضمن المؤسسة العامة للسينما والآن عبر DVD وعمليات القرصنة التي تتم عبر الانترنيت حيث تتم سرقة أحدث الأفلام الحديثة من الانترنت ونسخها على DVD ثم بيعها بالمحال بسعر زهيد جداً قبل عرض تلك الأفلام في الصالات السينمائية وهذا أكثر ما يسيء للسينما السورية.‏

وأشار إلى أنه عندما بدأ العمل في السينما أي عام 1976 كان هناك 140 صالة في سورية وحالياً لا يوجد سوى 30 صالة ولا تزال فكرة إنشاء صالة عرض سينمائي مشروع خاسر حتى يومنا هذا.‏

بالإضافة إلى ذلك فإن موضوع الصالات السينمائية قد تغير في جميع دول العالم فلم نعد نجد صالة سينمائية وحيدة فقط وإنما أصبح اليوم هناك صالات متعددة ضمن مولات تحتوي على أماكن للتسلية، بمعنى يجب أن يكون هناك وسائل تسلية تجذب المتلقي إلى السينما ولاسيما أن ثقافة السينما لم تعد موجودة عند الشباب بالإضافة إلى وجود المنافس القوي للسينما وهو التلفزيون و DVD والانترنت.‏

للأسف معظم الصالات لا تعمل وحالتها إلى الأسوأ حتى لو أجرينا أعمال الترميم والصيانة فلن نحقق ما نريد ولذلك علينا أن نقيم صالات متعددة وهذا هو الحل الوحيد.‏

وأكد د. نجمة أنه لا يوجد أحد يحقق الربح في صالات السينما حتى إن الربح الموجود في صالة دمشق هو في الملحقات المحيطة بالسينما والدليل على ذلك أنه إن ذهبنا إلى السينما فسوف نجدها فارغة دائماً.‏

وحول المطلوب للنهوض في القطاع السينمائي قال:‏

المؤسسة العامة للسينما ليس عليها مسؤولية في هذا الموضوع، فالدولة أصدرت قرارات كثيرة لتنشيط القطاع السينمائي وليس لأحد الحق في أن ينتقد ولكن لا أحد يعمل لأن الجميع يدركون أن المشروع خاسر.‏

وأنا كمالك لسينما السفراء والخيام أقول: إن وزارة المالية تملك 55٪ من هاتين الصالتين والمشكلة أنها لا تؤيدنا ولا توافق على أي مشروع والآن أعرض عليها (آجار وشراء وترميم) ولكن دون جدوى والحل الوحيد الذي وافقت عليه أن تشتري حصتنا بأقل من سعرها بالسوق وأنا كيف لي أن أبيع؟.‏

المؤسسة العامة للسينما تغيب‏

نحن نعلم أن تحقيقنا هذا كان يجب أن يتوج بلقاء المدير العام للمؤسسة السيد محمد الأحمد وقد زرته أكثر من مرة بناء على موعد ولكن لم أوفق بمقابلته وطال الانتظار ولكن دون جدوى وكنا لنأمل أن نستمع إلى آرائه حتى تنضج رؤية تعكس وجهات النظر جميعاً إلا أننا لم نوفق.‏

وداعاً لأزمنة السينما الجميلة‏

المخرج ريمون بطرس أشار إلى أن وضع الصالات في سورية محزن للغاية وقال: لا أعتقد بل أجزم أن قضية السينما نتناولها بجدية في الصحافة السورية منذ أكثر من 25 عاماً ولكن وحتى يومنا هذا لم يجد هذا الموضوع الحل ولن يجد، والمؤشرات إلى ذلك واضحة، فدور السينما تقلصت جداً والدولة لم تضع في خطتها بناء صالات جديدة.‏

اليوم نحن بحاجة إلى صالة عرض مجهزة بكل تقنيات العرض والجلوس الإنساني والأفلام الجديدة المستوردة، هذه العناصر تساعد على جذب المتفرج وقد اقترحنا أن يتم بناء صالات ضمن المولات الموجودة في سورية لأن أهم ما يميز السينما أنها نتاج جماعي ومشاهدة جماعية وبالتالي الفن السينمائي هو الذي يؤدي الدور الاجتماعي من الطراز الممتاز أكثر من أي فن على الاطلاق.‏

وأضاف بطرس: لدينا مشكلة في ظهور أنواع الفنون والمنتج الثقافي في سورية والوطن العربي، فالمسرح ظهر في أواخر القرن التاسع عشر على يد أبي خليل القباني والرواد الآخرين وقبل أن يترسخ المسرح كفن وثقافة في الحياة المجتمعية لسورية دخلت السينما في أوائل الثلاثينيات وازدهرت كفرجة وبعد الاستقلال شهدت ازدياداً في عدد الصالات والمتفرجين وعدد الأفلام المستوردة سواء المصرية أو الأجنبية بكافة أنواعها وبشكل خاص الأمريكي والهندي.‏

هذه السنوات بالطبع لم تكن كافية لتكريس السينما كفن في الحياة المجتمعية وقبل أن تتكرس جاء التلفزيون وبعده سلسلة من الاختراعات البصرية التي بدأت تحل محل الفرجة في الصالة بالإضافة إلى نسبة الأمية الاستثنائية في المنطقة العربية وخاصة بين الناس والفلاحين الذين لم يتمكنوا من مشاهدة السينما حتى إن 90 بالمئة من نساء الوطن العربي كن لا يستطعن الذهاب إلى السينما لا بل كان محرماً عليهن.‏

ضمن هذه المؤشرات لا يمكن الحديث عن إمكانية التطور وبناء الصالات.‏

كما أكد بطرس أن من أهم عناصر المظهر الخارجي للمدن والمنشآت الثقافية ولذلك أنا مع ضرورة بناء عدد من الصالات حرصاً على المظهر الثقافي الخارجي للمدينة وبالطبع لا يعني أن نتوقف عند المظهر الخارجي للمدينة بل يجب إغناء الحياة الداخلية لهذه الصالة.‏

وحول المطلوب للنهوض بالقطاع السينمائي قال:‏

نحن فقدنا الأمل تماماً لأنه لا يوجد مخطط للدولة ببناء صالات وبما أنه يوجد لدينا أكثر من 420 مركزاً ثقافياً ومعظمها مجهز بصالات جيدة فمن الضروري أن نقوم بعرض أفلام سينمائية مرتين في الأسبوع وبالتالي نحقق مشاهدة جماعية ومظهراً حضارياً جداً فطالما فقدنا الأمل علينا أن نوظف ما هو بين أيدينا أفضل من البكاء على الاطلال.‏

واختتم بأنه يجب أن يكون من أولويات الحكومة أزمة الصالات السينمائية فإنتاج فيلم سينمائي وعرضه في عدد كبير من الدول خلال بضع سنوات في المهرجانات والفعاليات الثقافية مسألة في غاية الأهمية ولاسيما أن السينما هي الرسالة التي توصل حضارة سورية إلى العالم كله.‏

أخيراً:‏

في خلاصة ما استمعنا إليه من آراء تبين لنا أن واقع الصالات السينمائية في سورية متدهور ويبدو أنه لا يوجد حل قريب لهذه الأزمة لطالما أن معظم الصالات خاسرة ولا يوجد حماية فعالة للأفلام السينمائية من القرصنة بكافة أشكالها.‏

ولذلك نقول: إذا كانت الجهات المعنية ترغب في الحفاظ على دور السينما كصروح ثقافية وهذا ما يؤيده الجميع فالأجدى بها إيجاد الحلول المناسبة لهذا المشروع أو تبنيه.‏

أمام هذا الواقع الرديء من لديه الحل؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية