|
دراسات فتحولت بقدرة اتفاق عدواني أميركي فرنسي إلى بؤرة لتوليد القضايا والأحداث في منطقة الشرق العربي وبمقدار ما للمنطقة من تأثير جوهري في تحولات العالم أصبحت سورية مستهدفة, ولكون استهدافها نبع من معرفة أكيدة لدى أطراف دولية طامعة بالسيطرة على المنطقة العربية لإنجاز الهيمنة العالمية والتمهيد لجهد أوروبي أميركي لإسقاط آسيا الصاعدة واستعادة أميركا اللاتينية والكاريبي المتمردة, احتلت سورية تلك المكانة, فكان عام 2005 سورياً على مختلف الصعد. أما وقد أنهت سورية العام المنصرم بغير ما اشتهته الأدوات, والقوى الدولية, وبعكس ما ذهبت إليه التوقعات والأوهام, وتستعد لاستقبال العام الجديد بشجرة ميلاد هي الرابعة في العالم, وبعزيمة وثبات قل نظيرها بعد ان قررت خياراتها الاستراتيجية بوعي وحكمة وطول أناة, فما الذي يجب أن يكون في عام 2006 ليكون عام سورية الفاعلة والمقررة في سياسات المنطقة وآليات تطور أحداثها المرتقبة. من المنطقي والحال هذه أن تعرف سورية لماذا هي مطلوبة الآن? وما طبيعة المخططات التي تستهدفها? وأية وسائل وآليات تعتمد? وعليها تاليا ألا ترتهب من كونها تقدمت الأجندة الأميركية والقوى الامبراطورية, ذلك لأن الدول, كما الأفراد, والأمم لا تكبر إلا في ميدان الصراع, ومن يصارع الكبار فهو مهيأ ليكون كبيرا, أو هذا ما تدعو إليه حركة التاريخ واحتياجاتها, ,وهنا يبدو قول السفير الأميركي في مجلس الأمن (إن سورية تشكل جداراً عالياً في وجه تقدم المصالح الأميركية الاستراتيجية) بمثابة شهادة لها وتأكيد لأهمية دورها وقيمتها التاريخية. وحسم خياراتها الاقتصادية الاجتماعية السياسية الوطنية والقومية أمر بات بالغ الأهمية فبدون ذلك لا أفق لوضع مخططات استراتيجية متينة لها قابلية النفاذ فالذي يحدد الاتجاهات هي الأهداف, والسعي لتحقيقها ثم تقرر الآليات والوسائل. في كل الأحوال فسورية لاعب أساسي, والآخرون يبنون سياساتهم وخططهم على أساس هذه الحقيقة وعلى قاعدة أن لا سلام بدونها, ومعها يمكن أن تكون مقاومة وانتصارات تاريخية, ولها القدرة على أن تكون عند آمال أمتها ساعية لتحقيق الدور التاريخي المنوط بها, في استنهاض الأمة, والتأثير في سير تطورات المنطقة والعالم المتحفز لتحولات جوهرية في قلب مرحلة انتقالية. فالمرحلة تتطلب إجراءات سريعة مضبوطة في سياق رؤية استراتيجية وتفترض اعتماد قرارات وتوجهات حاسمة بينها: 1- التعامل مع الجاري من استهداف للأمة, وفي القلب سورية على أنها عملية تاريخية تؤسس نتائجها لمرحلة مغايرة, فالمرحلة حرجة, والمعركة معركة مصير, وساحاتها ومستوياتها متعددة ومتشعبة, تشكل الساحات المتفجرة, في لبنان, وفلسطين, والعراق, واستهداف سورية كمسرح عمليات واحد, لسورية دور محوري فيها, ولنتائج تلك المعارك آثار حاسمة على سورية, وبالتالي تقتضي إدارة المعركة التي وصفها السيد الرئيس بشار الأسد بأنها جولات في حرب مفتوحة.. أن تتعامل سورية مع تلك الساحات على أن قضاياها في قلب الاهتمامات السورية ومسؤولية سورية أن تنظم جهدها وتضع خططها الاستراتيجية والعملانية, وتحشد قواها وقوى الأمة على اختلافها, وتنظم جهدها على المستويات المتباينة للتأثير في إدارتها, والتأثير في مساراتها, بعيدا عن رؤية القوى الاستعمارية وطرائق عملها وتقسيماتها, فالمرحلة ستنجلي عن تغيير جوهري في الخرائط والكيانات, والحاصل إما أن نكون أو لا نكون, والجاري على جنبات سورية, إنما يستهدف بلوغ القلب, وعلى القلب والعقل أن يدافع عن وفي كل الأطراف. 2- استراتيجيات استخدام الإعلام, والحرب الإعلامية والنفسية, وتقنيات الحرب لكسب العقول والقلوب, تتقدم طليعة الوسائل والآليات, والأهداف التي يجب استحضارها وتعلمها, وإتقانها وعصرنتها, وتحرير الإعلام من التخلف لندرك قوة الفكرة القائلة: عندما ترسخ الأفكار والشعارات في أذهان الجماهير تصبح قوة لا تقهر. 3- تثبيت حالة الأمن والاستقرار باعتبارها قاعدة ارتكاز مخططات الحاضر والمستقبل الخطة التي تفترض حسم الخيار الاجتماعي الاقتصادي بما يتناسب مع طبيعة سورية, وحاجتها, ودورها, وبنيتها وإمكاناتها, على قاعدة حفظ التوازنات الاجتماعية, وردم الهوة بين الفئات والمناطق, وتوسيع قاعدة المشاركة الاجتماعية والشعبية, والاعتماد على الذات أولا, واستنهاض عناصر القوة الكامنة. 1- أسقطت التطورات نظريات وإيديولوجيات الليبرالية الاقتصادية والسياسية والشواهد كثيرة, أميركا نفسها مع اورليانز, وفرنسا مع ثورة الضواحي, والاتحاد الأوروبي مع إسقاط الدستور, وأميركا اللاتينية والجنوبية مع تجربة كوبا, فنزويلا, البرازيل, الاكوادور, تشيلي, الارجنتين وبوليفيا, وتلك عاقبة بوش في رفض منطقة التجارة الحرة وإعادته خائبا إلى بلاده ليواجه المزيد من الخسائر والأزمات الداخلية والخارجية, وفي جزء كبير منها بسبب سياسات الليبرالية التي أطلقت حراكاً شعبياً شارعياً لأول مرة في تاريخ أميركا لإسقاط بوش في الشارع وليس عبر المؤسسات والوسائل الدستورية والقانونية في ظاهرة جديدة من نوعها لا بد من دراستها, ويجب على سورية أن تتحرر من لوثة الليبرالية الاقتصادية, وان تشفى من أوهام وصفات صندوق النقد, ومقولات إعادة الهيكلة, والتخصيص, وتمكين ممثلي القطاعات الهامشية والريعية في الاقتصاد على حساب الجميع. 2- تتقرر خيارات سورية الاجتماعية والاقتصادية بناء على دراسة معمقة موضوعية لواقعها واحتياجاتها وقدراتها, وبالتالي فالوصفة الأفضل والأقل كلفة, وذات النفع العام والمعمم هي في إطلاق الخطة الوطنية الشاملة للتنمية الاجتماعية, مع ما يعنيه ذلك من تعبئة الطاقات, وتفعيل الإرادات, وتطوير الأداء, وتنظيم الجهد التكاملي بين مختلف عناصر وشرائح المجتمع وعلى قاعدة الوحدة الوطنية وتكبير الكعكة (الناتج الوطني) لتعظيم الانتاج وضبط التوزيع العادل للثورة. 3- المشكلات الخطيرة التي تحتاج إلى رؤية استراتيجية لمعالجتها, وإلى مبادرات ومشاريع فورية تتركز في مهمتين تاريخيتين لهدف تثبيت الاستقرار والوحدة الوطنية وتعزيز قدرات سورية والانتقال بها إلى مرحلة متقدمة: المهمة الأولى: محاربة الفساد والهدر بكل أشكاله ومستوياته الكبير والصغير, فذلك من شأنه أن يوفر أكثر من 4 مليارات دولار يمكن توظيفها في انجاز المهمة الثانية, وقطع الدائرة المفرغة التي ندور فيها ونقدم تنازلات للرأسمال العربي والأجنبي وهو يعاند ويطالب بالمزيد ثم يبتز ويحجم.. ننتظر ونراهن فنخسر الزمن ونضعف المنعة الوطنية والاجتماعية في الرهان على أشياء ليست ملك يدنا, بينما ندير الظهر لما هو في يدنا ويمكن تحقيقه بجهودنا دون ابتزاز واشتراطات خارجية. المهمة الثانية: معالجة قضية البطالة, الآفة التي تقلق الشباب والوطن, والمعالجة تتحقق عبر توظيف الوفر الممكن مع انجاز المهمة الأولى , واعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية وضريبية , تفضيلية, بحيث تقدم الإغراءات للقطاعات والرأسمال الانتاجي التشغيلي على حساب الرأسمال والفئات الهامشية (الهبيشة- الريعية) التي تخنق الاقتصاد وتقلص الدورة الاقتصادية وتفقد البلاد فرصة الارتقاء والتطور وتعظيم الإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية. إن انجاز هاتين المهمتين, وهما ممكنتان, عبر وضع الخطط واختيار الآليات والوسائل وتحشيد قوى المجتمع, في اطلاق الحملة الوطنية الشاملة لمكافحة الفساد والهدر, من شأنه أن يدخل سورية مرحلة مختلفة تنعكس بالضرورة في تعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية والمتعة والقدرة على تخديم الدور المطلوب في معالجة قضايا المنطقة والعالم. 4- التنمية (بمعنى حصري) ربط التنمية, بالخيارات الوطنية الاستراتيجية وتوظيفها في ذات السياق والاتجاه فسورية شاءت أم أبت, هي في واقع انجاز مهمتين تاريخيتين متلازمتين, معا وفي آن, (مهمة البناء), و(مهمة الصمود والدفاع) وهذا يفترض ايجاد آليات تفاعل, وتكامل وانجاز المهمتين معا, فكل تقدم في مجال التنمية, يعزز الصمود وكل صمود يوظف لصالح التنمية. 5- توسيع قاعدة المشاركة الشعبية (أي توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الوطني) وتطوير بنى وأداء النظام العام, فالمرحلة, والمهام, والأهداف الاستراتيجية التي تصبو لها سورية تقتضي مشاركة المجتمع وتحفيز طاقاته, عبر توسيع دائرة المشاركة في السلطة وفي آليات اتخاذ القرارات ورسم الخطط وتقرير طبيعتها ومستوياتها, وأهدافها. 6- تفعيل الحياة السياسية, والثقافية, والإعلامية, عبر تفعيل وتطوير القاعدة السياسية للنظام على ثوابت حفظ الوحدة الوطنية وتطويرها, وحفظ دور وموقع سورية, وتحقيق أهدافها الوطنية والقومية, بإطلاق قوانين الأحزاب, والإعلام, الإعلام المرئي والمسموع, والمطبوعات, والإعلام الالكتروني, وتوسيع هامش الحريات العامة مع الحفاظ على الاستقرار وتفعيل قضايا الإجماع الوطني. 7- استنهاض واستنفار الوطنية السورية بما هي وطنية قومية, فقد امتازت سورية بحقيقة أنها قلب العروبة النابض وقبضتها المرفوعة أبدا, مهما غلت التضحيات, فاستحضار هذه الوطنية, من شأنها أن تحصن سورية من الاختراقات, وأن تدين الأدوات والأشخاص والأحزاب والمجاميع التي تراهن أميركا وإسرائيل على تفريخها في البنية الداخلية لخلخلتها وإضعاف المنعة والوطنية, لنا في التجربة الإيرانية, والصينية قوة نموذج حاسم في تصليب المواجهة وخلق أرضية شعبية عامة لاحتضان مشاريع التنمية والتقدم وتمتين الاستقلال الوطني ورفض أي املاءات خارجية. 8- تطوير الدولة, ودورها, وآليات عملها, لعصرنتها, كأداة في خدمة المجتمع, وتلبية حاجاته, وتحقيق التوزيع العادل للثروة الوطنية, دولة الرعاية الاجتماعية (الوصفة الوحيدة المناسبة لسورية) وحسم الأمر بإزالة العقبات والمعيقين من أصحاب المصالح العابرة وصيادي الفرص, ومستثمري النفوذ. 9- يجب ويمكن ابتداع آليات سورية خاصة في تنظيم عمل السلطات (التفاعل الخلاق/ التكامل) والفصل بينهما, بحيث يمكن فصل الإدارة عن السياسة, دون المس بالدور القائد للحزب والجبهة, ويمكن الفصل بين النظام الرئاسي وبين الحكومة وآليات عملها, وآليات محاسبتها, مراقبتها, ويمكن تفعيل دور مجلس الشعب, ومجلس الشورى الوطني المزمع تأسيسه, ويمكن بالتالي الاستفادة القصوى من تجارب عالمية شاهدة على إمكان تخليق آليات خاصة, كما في تجربة إيران, وكوبا, والصين, وفنزويلا, بل ويجب دراسة التجارب العالمية المعاصرة والتاريخية والتعرف إليها لابتداع آليات خاصة تتناسب مع الواقع السوري ومع مهام سورية الوطنية والقومية والاجتماعية. 10- من غير الجائز البتة, الفصل في وضع المخططات الاستراتيجية لسورية في مسائلها الداخلية مهما كانت بسيطة أو معقدة, راهنة أو مستقبلية, بدون خلق الروابط المتينة مع الاستراتيجيات السورية التي تخص البيئة العربية, والاقليمية والدولية, فالكل واحد مترابط, لا يجوز الفصل التعسفي بينها فجميعها تتحرك على أرضية رؤية ومخططات استراتيجية واحدة بتجليات وآليات تنفيذية خاصة على قاعدة التوزيع المحوري والمستويات, والأولويات المتصلة والمتواصلة. العناصر الحاسمة في تقرير أية استراتيجية مطلوبة تكمن في الإجابة على الأسئلة التاريخية التي نعرض بعضها: هل تريد سورية للجميع يدفعوا الثمن معا, ويحصدوا النتائج ويتوزعوها سواسية? نعم. هل يمكن لسورية أن تصمد وأن ترتقي لمستوى تحقيق أهدافها والتعبير عن خاصياتها, وموقعها, ودورها دون أن تتحقق المشاركة الشعبية والمجتمعية الشاملة? كما في التقرير كذلك في التنفيذ?. لا. هل يمكن لسورية أن تستقر أو أن تنمو بالتخلي عن دورها القومي والوطني? هل لها مستقبل إذا غيرت من طبيعتها وطبيعة نظامها الاجتماعي الرعوي, وهي لم تزل في مرحلة انجاز ثورتها الوطنية الديمقراطية وأول مهامها انجاز الوحدة والتكامل, والتنمية الاجتماعية, وتحرير الإرادة, والأرض المغتصبة, وصد الهجوم الامبريالي السافر?. ليسأل أحدنا, في مواجهة العاصفة, والمحاولات المحمومة لإسقاط سورية ونظامها الوطني بالتهويل بالإعلام والترهيب. لنطرح على أنفسنا السؤال الجوهري (مفتاح) التخطيط الاستراتيجي الراهن, ونقطة ارتكاز الأداء: هل سورية اليوم اضعف مما كانت, وهل أعداء سورية اليوم أقوى مما كانوا?. ما عناصر قوة سورية? ما نقاط الضعف?. ما هي عناصر قوة المشروع الامبريالي? ما هي نقاط ضعفه?. * كاتب لبناني |
|