تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الرابحون والخاسرون في المشهد الدولي الراهن!

تريبيون ميديا سيرفيس
دراسات
الجمعة 2/11/2007
ترجمة: حكمت فاكه

العناوين التي نقرؤها في الصحافة العالمية WorLd Massmedia هذه الأيام عن أميركا تبدو مألوفة إلى حد ما.

فأميركا وضعت نفسها في حرب غير قابلة للفوز في بلد بعيد هو العراق, لدرجة جعلت الكونغرس والشعب الأميركي نفسه يندمان جداً على تأييدهما لتلك المغامرة الطائشة منذ البداية. ونجد أن القوات البرية الأميركية منتشرة على امتداد مساحة تفوق قدرتها على الانتشار, وأن العجز في الميزانية الفيدرالية يزداد سوءاً سنة بعد أخرى, ووصل العجز في الميزان التجاري إلى حدود مرعبة. وأن القوى العظمى العالمية الأخرى WORLD SUPER POWERS الصين وروسيا والهند, تعمل على تأكيد وجودها, ولا سيما أن سمعة أميركا وصلت إلى درجة من السوء لا مثيل لها من قبل, كما تدل على ذلك استطلاعات الرأي التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم.‏

ومع ذلك, رأينا البيت الأبيض, يعمد متجاهلاً جميع الحقائق, لتطبيق سياسة زيادة عدد القوات في العراق على الأرض, كما الكثير من (المحافظين الجدد NEO CONSERVATIVE) يغادرون صفوف الحكومة, أو يخططون لمغادرتها عن قريب. يقودنا هذا إلى التساؤل: هل يعني ذلك أن أميركا دخلت مرحلة الأفول? وبما أن هذا السجال سيزداد حدة, بدلاً من تناقص حدته, ولا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية القادمة, فقد يكون من المفيد تحديد عدة مسارات واضحة بين متاهات هذا الموضوع المعقد. فالعنصر الأول والأكثر أهمية في هذا الإطار, هو أن ميزان القوى العالمية لا يستقر إطلاقاً على حالٍ, حيث تتطور بعض الدول أو المناطق اقتصادياً على نحو أسرع من غيرها من الدول والمناطق, وهو ما تكرر حدوثه عبر فترات عديدة من التاريخ. وعندما يحدث ذلك, فإن الوزن النسبي لتلك القوى ونفوذها يزدادان, لأن القوى الاقتصادية بحكم تعريفها, يمكن أن تترجم تلقائياً إلى قوة سياسية وعسكرية.‏

وسياسات القوة لا علاقة لها بلعبة (العالم المسطح) حيث هناك دائماً رابحون خاسرون WINNERS AND LOSERS, وهي حقيقة واضحة يعرفها معظم اللاعبين الدوليين. فخلال المئة أو المئة وخمسين سنة الماضية, كان القانون الذي أطلق عليه لينين قانون معدل النمو غير المتساوي يعمل لمصلحة أميركا. وبمجرد أن تم جلب الماكينة البخارية والكهرباء إلى القارة الأميركية, كان من الطبيعي أن تسبق أميركا القوى الأصغر حجماً, مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان, وبحلول الحرب العالمية الأولى, كانت أميركا تتحكم بنصف الإنتاج الصناعي في العالم. وفي عام ,1945 وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية, أصبحت تمتلك 50 بالمئة من وسائل الإنتاج العالمي, على الرغم من أن سكانها لا يزيدون عن 4 بالمئة من سكان العالم.‏

تغير هذا الوضع وكان مؤكداً له أن يتغير فأوروبا شفيت من الجراح التي ألحقتها بنفسها وأصبحت لاعباً رئيساً MAIN PLAYER على الساحة الاقتصادية الدولية مثلها مثل أميركا, والدول الآسيوية الكبرى مثل الصين والهند من ناحية أخرى, تسير على طريق النمو الاقتصادي, وتغير موازين الإنتاج العالمي بخطا حثيثة لم يكن أحد يتنبأ بها من قبل, والأمر المتوقع, هو أن يقل نفوذ الولايات المتحدة وربما أوروبا أيضاً, ونفوذهما الدولي عما هو عليه حالياً. فهناك خبراء يتنبؤون بأن الناتج المحلي الإجمالي للصين سيتجاوز مثيله في الولايات المتحدة خلال جيل أو نحوه.‏

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يعني أن القوة الأميركية ستتعثر وتسقط إلى الهاوية بسرعة شديدة? حتى عندما يتغير مجرى التاريخ, فإن هناك بعض القوى العظمى التي أظهرت قدرة هائلة على التكيف والمرونة, بل إن السقوط الفجائي لفرنسا النابليونية وألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفييتي كان أمراً نادراً نوعا ما. فإسبانيا الامبراطورية استمرت لعدة قرون, وعندما غابت شمسها, تركت عالماً يفوق فيه المتحدثون بالإسبانية المتحدثين بالانكليزية عدداً. فضلاً عن ذلك, تميز كل من آل هابسبيرغ, والعثمانيون والبريطانيون بالبراعة في تدبير أمر الأفول النسبي على الرغم من أن أياً منهم أو كلهم مجتمعين في الحقيقة لم يكن لديهم من الموارد ما يتشابه من قريب أو من بعيد بما لدى الولايات المتحدة اليوم.‏

من كل ما تقدم, نخلص بخلاصة مزدوجة, أو ثنائية البعد: ثمة أدلة في الوقت الحالي تؤكد على حدوث التغيير في موازين القوى الإنتاجية في العالم من منطقة إلى منطقة أخرى, وهو أمر يحدث حالياً كما سبق له أن حدث في فترات سابقة من التاريخ على النحو الذي فصلناه. وعلى الرغم من أن الأميركيين يمكن أن يصبحوا بعد خمسين عاماً من الآن أكثر ثراءً, مما هم عليه حالياً, فإن نصيبهم من (الكعكة العالمية) سيكون أصغر, كما أن قوتهم الصلبة, ستكون أقل مما هي عليه اليوم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية