تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بريجنسكي : بوش.. إدارة أزمات بلا رؤية استراتيجية!!

دراسات
الجمعة 2/11/2007
مصطفى انطاكي

لا يطرح كتاب (الفرصة الثانية) لمؤلفه زبغينو بريجنسكي وترجمة عمر الايوبي والصادر عن دار الكتاب العربي في بيروت بأسلوبه المنصف والصريح, تقييماً نقدياً للنهج السياسي الأميركي كما اتبعه كل من الرؤساء الثلاثة جورج بوش الأب, وبيل كلينتون, وجورج بوش الابن فحسب.. وإنما توجيه بناء لدور أميركا في العالم أيضاً.

تمتد إدارات الرؤساء الأميركيين الثلاثة على عقدين أو أقل قليلاً.. لكنها فترة ذات أهمية محورية, فترة تمتعت فيها الولايات المتحدة بعد خروجها مظفرة من الحرب الباردة بهيمنة دولية لا مثيل لها في تاريخ العالم.. ولم يكن هؤلاء الرؤساء الأميركيون الثلاثة مجرد رؤساء دولة.. بل قادة العالم بحكم الأمر الواقع.‏

يقدم هذا الكتاب تقييماً رصيناً وقاسياً لحقبة الرؤساء الأميركيين الثلاثة وادائهم كأول ثلاثة قادة متتالين للعالم.. وكيف تأثر ذلك الاداء بأساليب القيادة الشخصية ويخلص فيه بريجنسكي إلى أن الولايات المتحدة بددت قدراً كبيراً من قوتها ومكانتها ولا يسلم أي رئيس من الرؤساء الثلاثة من النقد.. وإن تكن الملامة لا تتوزع عليهم بالقدر نفسه.‏

ويختتم بريجنسكي بتقديم توصيات يحدد فيها كيف يمكن أن تستعيد الولايات المتحدة هيبتها العالمية في حقبة تنامي الوعي السياسي العالمي الحالية.‏

يتألف الكتاب من 223 صفحة توزعت على 6 أقسام, تحدثت عن عناوين جامعة متكاملة تضمنت الكلام عن التحدي الذي تفرضه قيادة العالم من خلال استقصاء محدد, كيف فسر قادة رؤساء العالم الأميركيون الثلاثة جوهر الحقبة الجديدة? هل كانت تقودهم رؤية ذات صلة بالتاريخ? وهل اتبعوا استراتيجية متسقة? أي من قراراتهم السياسية الخارجية ترتبت عليه أهم النتائج? هل تركوا العالم أفضل مما كان عليه أم أسوأ, والموقف الأميركي في العالم أقوى أم أضعف? وما الدروس الأساسية التي يجب استقاؤها للمستقبل من اداء أميركا في السنوات الخمس عشرة الماضية باعتبارها القوة العظمى العالمية الأولى?‏

وتضمن القسم الثاني من الكتاب حديثاً مطولاً عن غشاوة الانتصار.. وتولد الرؤى التاريخية المتعارضة بعد نهاية الحرب الباردة وسط تساؤلات خطيرة ومتباينة:‏

هل افسحت الحرب الباردة الطريق إلى سلام دائم? هل انتصار الديمقراطية الأميركية في صراعها الطويل مع الشمولية السوفييتية علامة على الأهمية الشاملة للديمقراطية?‏

أو هل هناك تهديدات جديدة في طور الظهور? ما البصيرة التي يمكن أن تضيء على جوهر الأزمنة وتمنح وضعية أميركا العالمية الجديدة غاية ذات مغزى? وما الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة?‏

وتحت عنوان الخطيئة الأصلية, وإشراك الخيال التقليدي قال بريجنسكي يصف الرئيس بوش بأنه في مواجهة الاضطرابات العالمية مدير أزمات ممتاز, لكنه ليس القائد ذا الرؤية الاستراتيجية.. وقتها كان العالم الذي تعامل معه فريق بوش مجزأ فيما توشك حقبة محددة ومفهومة تاريخياً أن تصل إلى نهايتها, لكن لم يكن المسار الصحيح الذي يجب اتباعه واضحاً.. بل كان على بوش أن يحدد أولوياته ويتجاوز في نظره اليوم والغد. فقد ركز بشكل رئيسي على المهمة التي تمليها الإدا رة السياسية لتفكيك الامبراطورية السوفييتية.. ثم على تحجيم الطموحات الإقليمية المفرطة لصدام حسين. وقد أنجز بوش كلتا المهمتين بنجاح لكنه لم يستغل أياً منهما حتى النهاية.‏

القسم الرابع من الكتاب والذي جاء بعنوان (عجز النوايا الطيبة وثمن اتباع أهواء النفس) يتحدث عن فترة ولاية الرئيس كلينتون التي تميزت بالتجديد الداخلي لتبرز أميركا الأمة التي لا يستغني عنها العالم, وبتراجع أهمية الشؤون الدولية في أولوياته فقد كانت مداولات السياسة الخارجية في البيت الأبيض أشبه باجتماع لتناول القهوة وتبادل الحديث.. بالمقابل عمل مجلس الاقتصاد القومي بطريقة أكثر انضباطاً ومهنية..‏

في القسم السادس والأخير من الكتاب يحلل المؤلف بجدارة فترات الرؤساء الثلاثة ويتحدث عن الفرصة الثانية للولايات المتحدة والتي ستسنح ما بعد عام ,2008 ويؤكد أن لا مندوحة من أن تكون المرحلة القادمة أكثر نجاحاً.. -لا فرصة ثالثة- إذا ربط الرئيس الأميركي القادم وبشكل ملموس القوة الأميركية بتطلعات الإنسانية اليقظة سياسياً.‏

ثمة قوة عظمى واحدة, وخمس عشرة سنة, وثلاثة رؤساء.. هذا هو باختصار محور اهتمام هذا الكتاب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية