|
المهماز دعا النائب الجديد عدداً من أصدقائه إلى عشاء وسهرة في بيته احتفالاً بنجاحه, وقال لهم في ختام السهرة بصوت واهن : لا أخفي عليكم أني تعبت من كثرة الكلام في أثناء حملتي الانتخابية, ويحق لي أن أستريح وأصمت منذ الآن وحتى حملتي الانتخابية القادمة بعد أربع سنوات. فتضاحك الأصدقاء فخورين بصديقهم النائب الذي تعوّد أن يلتزم بكل كلمة يقولها ما عدا كلامه للناخبين, وسألته زوجته بعد انتهاء السهرة وانصراف كل المدعوين : متى سننتقل من بيتنا الصغير إلى فيلا? ومتى سنستورد خادمة من السويد? فلم يجب النائب بأية كلمة مبتدئاً مرحلة السكوت الوطني منضماً إلى عباد الله الصامتين. الجدران الفصيحة ما إن أغلق السوبر ماركت أبوابه ليلاً حتى قالت سلع غذائية للجدران متباهية : من الواضح أن أسعاري سترتفع بفضل شائعات عن زيادة رواتب الموظفين. فقالت جدران السوبر ماركت هازئة : وأسعاري سترتفع أيضاً, فالعقارات جمعاء مدللة ترتفع أسعارها باستمرار من دون حاجة إلى شائعات, وستواظب على الارتفاع حتى يصبح الحصول على قصر في الجنة أسهل من الحصول على بيت بحجم الكف. السجين المحتار قال سجين يساري لجاره السجين اليميني : ما يحيرني هو أن أميركا وفرنسا سارعتا إلى التنديد بتنظيم فتح الإسلام واعتبرتا أعماله في لبنان تهديداً للديمقرطية بينما كانتا قد أيدتا حرب إسرائيل على لبنان التأييد الحماسي, فهل كان تدمير لبنان آنذاك مساهمة في توطيد الأمن وبناء مجتمع ديمقراطي? وما يحيرني أيضاً هو أن أميركا شرعت في تزويد الجيش اللبناني بأسلحة حديثة وذخائر كي يتمكن من القضاء على تنظيم فتح الإسلام الذي يقال إن عدد مسلحيه لا يتجاوز المئات, فما هي المساعدات التي ستقدمها أميركا للبنان حين يكون المطلوب هو القضاء على حزب الله المعروف بجماهيره الغفيرة التي قهرت الجيش الاسرائيلي? فقال السجين اليميني للسجين اليساري : لا داعي إلى أية حيرة, فمن الواضح أن أميركا ستزود آنذاك وكلاءها اللبنانيين بالقنابل النووية حتى تتخلص أميركا من حزب الله وتتخلص إسرائيل من لبنان. التثاؤب الوطني تلاقى ثلاثة نواب في مقهى بغية تدخين النرجيلة واحتساء الشاي والقهوة والاحتكاك بالجماهير, وقد قال النائب الأول لصديقيه : سأقدم قريباً إلى البرلمان مشروعاً يحلم به كل الناس, ويحظر تدخين السجائر الأجنبية في غرف النوم. فقال النائب الثاني : وأنا سأقدم مشروع قانون ينص على تأميم القبور. وقال النائب الثالث : أما أنا, فسأطالب بمنع سؤال المحكومين بالشنق عن رغباتهم الأخيرة, فهذا دلال يغري الناس بالتزاحم على المشانق. فتمطى الوطن وتثاءب متأهباً للوثب إلى الوراء أميالاً. المصبغة تعب طائر أبيض عجوز من الرحيل من أرض إلى أرض, وتاق إلى العثور على مكان آمن مريح, وعندما قاده جناحاه إلى مدينة جديدة يتكلم أهلها بأصوات عالية عن حبهم للشجر الأخضر والورد والعصافير, قرر الإقامة بها, ولكنه ما إن حلق في سمائها التي توهم أنها زرقاء حتى بوغت بأن ريشه استحال من أبيض ناصع إلى أسود متسخ, فقصد طيوراً خبيرة بسماء المدن راجياً عونها وتفسير ما حل به, فضحكت الطيور, ونصحته بالمبادرة إلى غسل ريشه بالماء والصابون, فانتظر الطائر هطول الأمطار المنظفة نافد الصبر واثقاً بأنه سيضطر إلى الهجرة بسرعة حفاظاً على حياته ولونه الأبيض والبحث عن مدينة أخرى لا تختلف أفعال أهلها عن أقوالهم, وهوايتهم ليست التمتع بقطع الشجر واغتيال كل ذي جناح سواء أكان بشراً أم طائراً. المحكمة المنتظرة كان التلميذ الصغير السن مغرماً بقراءة الجرائد والإنصات لنشرات الأخبار, وقد سأل معلمه بفضول : ما الفرق بين محكمة محلية ومحكمة دولية? فأجاب المعلم : موظفو المحكمة الدولية يتقاضون رواتبهم بالدولار واليورو والجنيه الاسترليني. وسأل التلميذ معلمه : وما هي مهمتهم? فأجاب المعلم : دفن الحقيقة بموضوعية وصخب منظم وأناقة, وباسم الإخلاص لها والبحث عنها. وسأل التلميذ معلمه : وهل يحق للزوجات الاستفادة من المحكمة الدولية في قضايا الطلاق والزواج? فأجاب المعلم : من المؤكد أن الزوجات والعشيقات سيحق لهن الانتفاع بالمحكمة الدولية إذا كان رجالهن سوريين أو لبنانيين معارضين. وسأل التلميذ معلمه : وهل يحق للتلاميذ أن يقدموا إلى المحكمة شكوى من مدارسهم المملة? فأجاب المعلم : إذا كان التلاميذ يتعلمون في مدارسهم ما هو ضار, فلن يجدوا منصتاً لشكواهم. إحدى الصفقات هطل المطر بغزارة وسخاء, ففرح الناس العطاش, وابتدأوا بحماسة جمع التواقيع على عريضة شكر وامتنان موجهة إلى المطر, ولكن أحد الرجال رفض توقيع العريضة مدعياً أن المطر لم يهطل إلا لكونه متعاقداً مع صانعي المظلات على اقتسام الأرباح. وما إن تذكر العطاش الصفقات الغريبة التي تتم في الخفاء حتى توارت حماستهم وشلت أيديهم ونسوا أسماءهم وأسماء آبائهم. بلبل يغني لغربان كانت الغربان المولودة في المدن تجهل البلابل, وسمعت الكثير من المديح لها, وعندما التقت بلبلاً طلبت منه أن يغني لها, فوافق البلبل, وغرد لها طويلاً, وما إن انتهى من غنائه حتى تصايحت الغربان ساخرة من صوته مدعية أنه قبيح ولا يطرب, فابتهج البلبل بصياح الغربان, وقال لها بفرح : أنا الآن أسعد بلبل على سطح الأرض, فلو أعجبتِ بي لاعتقدتُ أن صوتي أبشع الأصوات, ولظللت أياماً حزيناً وبلا نوم. فلم تبال الغربان بما قاله البلبل, وتابعت سخريتها من كل البلابل ومن كل المعجبين بها, وقد تلقت من الذين ينقون وينعقون وينهقون برقيات تأييد ومؤازرة, فسرت بها, وازداد اعتزازها بأحكامها الفنية. |
|