تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مقـــامرة مـــن أجــــل صنـــدوق تـرامـــب!!

The Independent
دراسات
الأربعاء5-2-2020
ترجمة: ليندا سكوتي

إن كان لديك رغبة في تفهم تبعات (صفقة القرن) التي طرحها ترامب فما عليك إلا أن تتخيل شخصاً يحمل سلاحاً، يقتحم منزلك، ويحتل غرفة المعيشة وغرفة النوم وجزءاً من المطبخ وجزءاً من الحمام ولا يترك لك ولعائلتك سوى مساحة ضيقة.

ثمة احتمال أن تلجأ إلى المحكمة وتطالب باستعادة منزلك، وفي الوقت الذي تأخذ به تلك المحكمة وقتها للبحث في قضيتك، يكون المغتصب الجديد لمنزلك قد اعتدى شيئاً فشيئاً على ما تبقى لك ولعائلتك من مساحة، وبذلك لم يعد بإمكانك الطهي في مطبخك دون إذنه، ولا يتسنى لك استخدام الحمام دون التأكد من عدم حاجته له، وبالطبع سيكون لزاماً عليك نسيان مشاهدة التلفاز أو قضاء وقت مع أطفالك في الحديقة.‏

وسيتدخل جارك الذي يتمتع بالثراء والنفوذ ويعيش في فيلا واسعة تقع في نهاية الشارع لحل الأزمة ويقول كلاماً مفاده: (حسناً، لم لا ترضى بقبض الأموال، وتنسى الأجزاء المسلوبة من منزلك، وتعيش مع القادم الجديد في (سلام)؟)‏

إن ما ذكر آنفاً يمثل وجهة نظري في الوضع (الإسرائيلي-الفلسطيني)، رغم عدم موافقة الحكومة الإسرائيلية على هذا التوصيف، لكن يبدو أن الرئيس الأميركي يدعم حلفاءه في (إسرائيل)، ووفقاً لما سربته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فمن المتوقع أن تمنح الصفقة الأميركية (إسرائيل) السيطرة الكاملة على مدينة القدس، وعلى المستوطنات القائمة (التي تعدها الأمم المتحدة غير شرعية)، وتقضم ثلث الأراضي الفلسطينية المحتلة حالياً، وتحجب السيطرة الفلسطينية على الحدود. وما هو أكثر أهمية، أنه من منح الفلسطينيين شكلاً من أشكال (الحكم الذاتي) لكن في ظل فرض قيود غاية في الصرامة، وهذا يماثل تقريباً ما يعرضه الجار القوي والثري على مالك المنزل الأصلي. فهل يعد ذلك مقاربة (للسلام)؟.‏

بالنسبة لي، فإن ذلك يعتبر تحقيق الهدف الأكبر (لإسرائيل) التي لم تحظ بتحقيقه منذ نكسة حزيران في عام 1967 وبغض النظر عن هذه الصفقة، فالضرر قد وقع، إذ ستعمد (إسرائيل) إلى توظيفها بغية تحقيق الضم، سواء أكان بضم أجزاء من الضفة الغربية أم وادي الأردن الأمر الذي يجعل من (السلام) آخر ما يمكن أن تحققه تلك الصفقة، ففي منطقة تغرق أربع دول على الأقل فيها بحالة من الاضطراب الشديد، لن تفضي هذه الصفقة سوى إلى تعزيز المزيد من التطرف والعنف والحرب، ونظراً لذلك فإنه من غير المحتمل أن تكون هناك دولة فلسطينية بموجب الصفقة المطروحة، بل ستكون القدس بأكملها تحت السيطرة الإسرائيلية.‏

لا ريب أن الإجراءات الأخيرة المتخذة ستجعل الاحتلال الإسرائيلي محفوفاً بالمخاطر، ورغم هذه المخاطر، تعد هذه الصفقة ذات أهمية خاصة بالنسبة لـ (إسرائيل) ولكل من بنيامين نتنياهو وترامب على حد سواء. إذ في ضوء الانتخابات التي تلوح في الأفق يرغب الرئيس الأميركي في جعل هذه الصفقة بمثابة فوز له من خلال كشف النقاب عنها، في الحين الذي يواجه به نتنياهو ثلاثة اتهامات بالفساد الجنائي -تلك الاتهامات التي نفاها- بينما جرى تأكيدهامؤخراً، هذا بالإضافة إلى اشتراكه بحملة انتخابية غير مؤكدة، لذلك فإن صفقة القرن ستكون مجالاً لتشتيت الانتباه عن مثالب الرجلين.‏

بيد أن (إسرائيل) لن تكون المنفردة التي تواجه معضلات أمنية، كما أن آخر شيء ترغبه دول الجوار حدوث رد فعل محتمل، إذ ينتاب ملك الأردن عبد الله الثاني القلق والمخاوف ولا سيما في ضوء وقوع بلاده تحت الضغط منذ تولي ترامب زمام السلطة عام 2017 الذي عمد إلى تغيير الموقف التاريخي للأردن بشأن قضايا حساسة للأردنيين فيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، ويتضمن ذلك إرغام عمان على منح المواطنة لأكثر من 700,000 فلسطيني يعيشون مؤقتاً في الأردن. وعلاوة على ذلك، ترغب الولايات المتحدة بتقديم خطة للملك الأردني بغية القبول بالوصاية على المواقع المقدسة الإسلامية في القدس في ضوء الظروف الجديدة.‏

لا ريب أن الرئيس الأميركي يستعد للمغامرة باستقرار المنطقة برمتها بغية إعادة انتخابه، ومن خلال تقديم صفقة القرن لنتنياهو فإن ترامب يساعد صديقه في الاستمرار بحياته السياسية كرئيس للوزراء.‏

وفي الوقت عينه، تواجه السلطة الفلسطينية عدة قضايا أيضاً، فالقيادة الفلسطينية تشيخ ولم تتمكن من تحقيق سوى النذر اليسير من أي صفقة عقدتها، ولا شك أن لديها الحق في رفض صفقة ترامب مباشرة لكنها في الواقع مقيدة ومحاصرة.‏

يعتقد ترامب أنه أفضل صانع للاتفاقات وأن باستطاعته معالجة أعقد تسوية سلام شهدها التاريخ الحديث وينظر إليها وكأنها صفقة تجارية. بيد أن ما يقترحه ليس (اتفاق سلام) بل هو في واقعه وصفة لخوض الحروب وسفك الدماء والمزيد من عدم الاستقرار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية