تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


.. أردوغـــان أكبــــر المصـــــــائب

موندياليزاسيون
دراسات
الأربعاء5-2-2020
ترجمة: حسن حسن

منذ التدخل العسكري الغربي في ليبيا في 19 آذار من عام 2011 بتفويض من الأمم المتحدة، وهذا البلد يعيش وضعاً شديد التعقيد تشوبه الانقسامات والحروب الداخلية التي توجت بشتى أنواع التدخلات الخارجية.

فمن خلال العديد من الحيل المفبركة وكثير من الأكاذيب، تمكن المعسكر الغربي من استصدار القرار الأممي 1973 الذي مكنه من التدخل في ليبيا بذريعة تخليصه من الحكم السابق على حد زعمهم، بغية إرساء دعائم الحرية والديمقراطية. ومع ذلك ينبغي الجزم أن الرئيس الليبي لم يكن عدواً لدوداً للغرب بالمطلق.‏

لكن التدخل الغربي الحالي أدخل في طريق لا يبدو أن له نهاية حتى اللحظة، وقد نهبت ليبيا دون أن يكون بمقدور دول الاعتراض على هذا الخراب، كما هو الحال عندما حاولوا تخريب سورية، واليوم امتد أمد النزاع الليبي مهدداً في الوقت ذاته بنية الاستقرار الإفريقي الهشة والأوروبي أيضاً، كما أن الدخول التركي الحالي على خط الأزمة الليبية جعل الوضع يبدو غاية في التشابك والتعقيد.‏

لاحظنا للوهلة الأولى أن ثمة انقساماً أوروبياً بشأن ليبيا، ولم نلاحظه بخصوص سورية حيث ظهر المعسكر الأوروبي موحداً طوعاً أو كرهاً. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت بوضوح وصراحة أن الحل في ليبيا سياسي، ومع ذلك، ليس هناك من حل جدي طرحه الأوروبيون. والنزاع الليبي شرع أبواب أوروبا لدخول الكثير من المرتزقة والإرهابيين، وهكذا فإن التدخل التركي والأوروبي أيضاً لم يأت في وقته المناسب. وفي 19 كانون الثاني من العام الجاري 2020 نظمت برلين اجتماعاً دولياً بخصوص ليبيا بحضور 12 دولة و4 منظمات دولية، لكن الاجتماع لم يخرج بأي نتيجة ملموسة.‏

الوضع في ليبيا أقلق أوروبا أيضاً من جهة وصول أعداد هائلة من اللاجئين إلى شواطئها. وهي تعي جيداً أن حالة الوهن التي أصابت ليبيا يمكن أن تؤدي إلى نزوح أمواج كبيرة من اللاجئين نحو أراضيها. أضف إلى ذلك تهديدات رجب أردوغان شبه المستمرة بدفع اللاجئين السوريين وآخرين نحو أوروبا. ما استلزم قيام المستشارة الألمانية بزيارة إلى تركيا في 24 كانون الثاني الماضي.‏

روسيا عادت وبقوة إلى المسرح الليبي، وهي تلعب دور الوسيط بين فايز السراج وخليفة حفتر. ولا بد أن نضع بالحسبان أن النجاح السياسي الروسي في سورية حفزها للعودة إلى ليبيا، كذلك إلى مناطق أخرى في العالم. أضف إلى أن روسيا تحاول الانتقام في ليبيا بعد الخطأ الاستراتيجي الذي اقترفته في عام 2011 عندما امتنعت عن رفض القرار الأممي 1973. وتطمح روسيا أيضاً للحصول على شراكة اقتصادية، ولا سيما بعد الاتفاق الذي تم بين رئيس الشركة الوطنية الليبية للنفط وشركة روزنفلت الروسية.‏

حالياً تحولت ليبيا إلى ميدان مواجهات تقوم اسطنبول بتصعيده، ففي حين تبدو أهداف تركيا متعددة ومتنوعة، بدءاً من كسر عزلتها بالتمدد خارج حدودها، وانتهاء بالحفاظ على وضع مريح في البحر المتوسط، ولكي تفوز بحصة كبيرة من الموارد الغازية. والتدخل التركي في ليبيا مكن أنقرة من الظهور بمظهر المحاور صاحب الامتيازات في المتوسط، ولا سيما في مواجهة أوروبا. وأخيراً.. من خلال تدخلها في ليبيا يبدو أنها تريد نقل الفصائل المرتبطة بها في سورية إلى ليبيا لتفادي دخولها إلى أراضيها بعد انتهاء القتال في مدينة إدلب السورية.‏

العديد من الفاعلين الدوليين تدخلوا في الأزمة الليبية، وكان لكل منهم مصالحه واستراتيجيته الخاصة حيث طمع البعض بثروات ليبيا الطبيعية، كذلك الأمر بموقعها الجغرافي.‏

إن المواجهة في ليبيا متعددة الأبعاد، فهي تشمل في المقام الأول حرباً بين القوى الليبية من السراج إلى حفتر، ومن ثم مواجهة أوروبية وخصوصاً بين ألمانيا وفرنسا أما المواجهة الكبرى بما يقوم به أردوغان.‏

أخيراً تحاول الجزائر الدفع بالدول الإفريقية المجاورة لليبيا لتوحيد جهودها والمساهمة في إيجاد حل قابل للاستمرار، إلا أن ما يبقى واضحاً هو مواجهتها مع المغرب في الملف الليبي.‏

الأمر المؤكد هو أن الحرب في ليبيا تستمر فعلياً دون وجود أفق لحل سياسي ما، أو وقف إطلاق نار دائم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية