تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلـى متى سيستمر النفـاق الــدولي بشــأن ليبيـــا؟

Financial Times
دراسات
الأربعاء5-2-2020
من المفارقات أن نشهد بالأمس القريب اجتماعاً في برلين يضم العديد من الدول الأجنبية التي كانت السبب في إشعال وتسعير الحرب في ليبيا، إذ أعرب ممثلو تلك الدول عن رغبتهم والتزامهم بأمر وجوب التدخل في الصراع القائم في هذا البلد.

لكن الواقع على الأرض قد جاء مخالفاً لما توصل إليه المجتمعون، ولم تفض نتائجه إلا إلى نتائج مماثلة لما انتهت إليه اجتماعات أخرى سبق لها وأن عقدت لمعالجة هذا الواقع المرير، وقبل أن يجف مداد البيان الذي صدر بشأن وضع حد للأعمال القتالية نشبت اشتباكات خيبت الآمال المعقودة حول وقف إطلاق النار الأمر الذي كشف القناع عن حقيقة الدول التي ما انفكت تتدخل في أمور هذا البلد وتأخذ به إلى منزلق خطير. كما يؤكد الواقع مدى استمراريتها بالدعم وتقديم السلاح والرجال على الرغم من قطعها الوعود بالالتزام بالتوقف عن التدخل، وبذلك فقد شهدنا العديد من الدول قد دأبت على تنفيذ أفعال تخالف ما تدعي به من أقوال.‏

أكدت الأمم المتحدة أن عدداً من الدول المشاركة في اجتماع برلين قد عمدت إلى إرسال مقاتلين أجانب وزودتهم بالأسلحة والمعدات المتطورة والعربات المدرعة إلى الأطراف المتناحرة في ليبيا، ولم يأت بيان الأمم المتحدة على ذكر الدول التي أنهكت مقررات اجتماع برلين، لكن ثمة معلومات كانت معروفة من قبل، حيث بات من المعلوم أن بعض الأطراف تزود قوات حفتر بالسلاح والمعدات -وهو القائد العسكري الليبي الذي يعمل جاهداً للسيطرة على طرابلس منذ شهر نيسان الماضي، كما أنه يتلقى الدعم والمساندة من فرنسا التي وقفت إلى جانبه في السر والعلانية.‏

أما الجانب الآخر حيث يتمترس فايز السراج وحكومته في طرابلس، فنجد تركيا تبذل المزيد من الدعم والمساندة لحكومته التي سبق وأن حظيت بالاعتراف من الأمم المتحدة، وتنفيذاً لهذا الدعم عمدت أنقرة إلى إرسال قوات من المليشيات والمرتزقة التابعين لها في سورية للقتال في ليبيا لمساندة الحكومة التي اتخذت من طرابلس مقراً لها.‏

لقد تمت الدعوة والإعداد لاجتماع برلين على عجل تحسباً من ازديادٍ يحصل في أوار المعارك القائمة في ليبيا والتي زاد منها ما أقدمت عليه تركيا من تدخل، فضلاً عما اكتنف الولايات المتحدة والدول الأوروبية من تهيب إزاء الوجود الروسي في هذه البلد، وقد حاولت موسكو بذل الجهود في التوسط بين الفرقاء المعنيين في الصراع في ليبيا من خلال عقد اجتماع في العاصمة الروسية، لكن الجهود باءت بالفشل، ذلك لأن الجنرال حفتر رفض التوقيع على إقرار وقف إطلاق النار والالتزام به، حتى وهو في طريقه إلى اجتماع برلين أو أثناء عقد الاجتماع تبين أنه قد أصدر أوامره إلى قواته لمحاصرة مواقع النفط، لكن المجتمع الدولي لم يبد اكتراثاً بما حصل.‏

لا ريب أن الجنرال حفتر رجل قوي وعنيد ولديه الاعتقاد بقدرته في الهيمنة على السلطة بقوة السلاح بينما يرى آخرون أن النصر لا يمكن تحقيقه دون أن يكون ثمة دعم ومؤازرة من الأطراف الداعمة له. أما بالنسبة لحكومة طرابلس التي تلقى الدعم والمساندة من تركيا وتحظى بالاعتراف من الأمم المتحدة فإنها تتمسك بمواقفها اعتماداً على هذا الواقع وتنأى بنفسها عن الدخول في مفاوضات من مواقع الضعف.‏

لقد كان للفوضى العارمة في ليبيا الأثر في إتاحة الفرصة لتدخل حلف شمال الأطلسي وإسقاط حكم القذافي عام 2011 ما جعل من البلاد أرضاً خصبة لوجود وتنامي تنظيمي القاعدة وداعش، إضافة إلى المهربين الذين ما انفكوا يستغلون المهاجرين الطامحين لدخول أوروبا.‏

إننا الآن في موقع الخطر من نشوب صراع إقليمي في منطقة جنوب البحر المتوسط سيكون له عقابيله خارج الحدود الليبية لذلك من الطبيعي أن ينتاب العالم الكثير من القلق والتوجس، لكن مع ذلك لم نلحظ استجابة منه تتناسب مع ما يحدث على الرغم من أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد عقد 14 اجتماعاً منذ شهر نيسان الماضي بيد أنه لم يتوصل إلى إقرار لوقف إطلاق النار في الوقت الذي استمرت فيه الدول الغربية بانتهاك القرار المتعلق بحظر توريد الأسلحة دون أن يتلقى الموردون أي مساءلة عن تصرفاتهم.‏

ونافلة القول، فإن التدخلات الخارجية مهما اتسعت فستبقى الأمور معقودة ومرهونة بيد الفصائل الليبية التي دأبت على محاربة وقتال بعضها للآخر، والتي يمكنها العمل لصالح مواطني بلادها الذين مضى عليهم زمن طويل وهم يعانون الكثير من المآسي التي ما انفكت تطولهم وتقض مضاجعهم.‏

لا ريب أن معاناة الشعب الليبي ستبقى مستمرة طالما استمرت القوى الأجنبية في التدخل وتأجيج الخلافات وتزويد الفئات المتصارعة بالأسلحة والمعدات اللازمة لاستمرار هذا الصراع. ولا شك أن العالم هو المسؤول عما يجري من مذابح في هذا البلد لذلك عليه أن يتحمل مسؤوليته لمعالجة المعضلة التي اختلقها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية