|
كل أربعاء ولا نخيل البصرة يعرف كيف يلقي السلام على شط العرب, ولاأبو نواس يعرف سبيلا الى القصيدة , بعدما انكسرت أباريقه , وضاع خمره المعتق فيما ضاع بين الركام! اسلحة بترايوس وجنوده المرتزقة وحدهم يملكون إذنا بالتجول في شارع الرشيد في بغداد, وعلى جسر الرصافة , وطرق سامراء , وخيام العشائر , وأضرحة العباسيين , وبقايا نوادي الجواهري. سحن قادمة من خلف المحيطات بلباسها الحربي, وخرائطها , ومناظيرها الليلية, ودروعها الثقيلة , وظمئها القاتل للزيت الأسود , تطبق من كل الجهات على وطن وضع حجر الأساس لحضارة الدنيا منذ ماقبل الميلاد, وبنى حدائقه المعلقة , ونحت في الصخر , كي يلقن الأمم أبجدية المدنية , ويهديها أسرار العلوم والفلسفة والفن. ضلع متين من اضلاع العرب, يدخل عامه السادس,في هذا الحريق الأمريكي , المحمول في القاذفات الحربية بعيدة المدى , والسفن المكتظة بوسائل القتل , والعقيدة الملتبسة لرجل البيت الابيض , القادم من مزارع تكساس بقبعته الشهيرة , وحزامه وبندقيته سريعة الطلقات: ملامح قرن جديد تفتتحه الادارة الامريكية بانقلاب هستيري , على قواعد المدنية ومبادئ الحرية والعدالة , فتستبدل اعلان حقوق الانسان , بحقوق القوة الغاشمة في الغزو والسيطرة, وتهرق انهارا من الدم كي تغتصب الثروة وتعيد الحياة الى الاسطورة, فتبني لإسرائيل اعمدة هيكلها من جديد. بغداد بوابة هذا القرن الجديد الموسوم بتصادم الخيارات الكبرى : وصراع الارادات , وانكشاف لعبة أمم جديدة ,تدشنها واشنطن بذهنية الاحتلال , ونرد عليها بصحوة المقاومة ! والعودة للنفير الاول الذي طرد عن تراب العراق كل الغزاة القدامى. لا المغول كسبوا الحرب في بلاد ما بين النهرين بسيوفهم و خيولهم و جندهم القساة , و لا الانكليز نالوا من عزة رجال الرافدين , بدسائسهم و غلمانهم و بنادقهم , كل ذلك لم يفلح في الماضي , باخضاع العراقيين , مهما ابتلت قمصانهم بالدماء, و لن يكون رجال بترايوس افضل حالا, مادام نفير المقاومة يدوي كل يوم على ارض الرافدين , و يحشد الرجال لتطهير التراب من دنس الغزاة القادمين من خلف المحيطات! كل شيء يرشح دما في العراق اليوم, البيوت و الطرقات , و الجامعات و الثكنات , و رياض الاطفال و كل شيء يزهر في ايدي العراقيين سلاحا , و على جباهم عزة, و في صدورهم نخوة, وفي سواعدهم قوة, و في عيونهم فجرامشرقا طالعا من الركام ليملأ شرفات الدور العراقية بالضوء و الغار. ادارة البيت الابيض , تنتظر مخاض الشرق الاوسط الجديد , و نحن ننتظره ايضا , و الولادة لن تكون الا على ايدينا , و المولود لن يكون الا منا و لنا: مهما اعتكر ظلامهم , و مهما اشتد فحيحهم في رمال العرب . سنستأصل الجرح من الجرح , ونغسله بالعافية, وسنكنس الخراب عن الخراب , ونعلي الصروح من جديد ! ونشيد المدائن , ونمد الجسور, وسنستخرج موتنا من الموت ونحيي ملحمتنا الكبرى على امتداد العصور, من نبوخذ نصر , إلى مجلس الرشيد , الى آخر مقاوم يصوب نحو الظلام بزند ثابت فيجليه , ويفتح باب حرية العراقيين على ضوء ساطع لا تخطئه عيون العرب!الفرات ودجلة , سيرويان لنا غداً, حكايتهما, ونخيل البصرة سينفض عن غصونه الغبار ويمسك بيدناغداً, ويدعونا الى شط العرب, على وقع صوت ناظم الغزالي. وأبو نواس والجواهري سيبتكران غداً فوانيس جديدة للشعر , تسطع في نوادي العراق كالنجوم. |
|