تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فوانيس عراقية

كل أربعاء
الأربعاء 26/3/2008
سهيل إبراهيم

خمسة اعوام طواها العراق تحت ليل الاحتلال , وطوى معهاجراحا تستولد جراحا , وخرابا يتكدس فوق الخراب , وموتا لايشبه إلا الموت الملحمي الكبيرفي تاريخ العرب (لا الفرات ودجلة ينطقان).

ولا نخيل البصرة يعرف كيف يلقي السلام على شط العرب, ولاأبو نواس يعرف سبيلا الى القصيدة , بعدما انكسرت أباريقه , وضاع خمره المعتق فيما ضاع بين الركام!‏

اسلحة بترايوس وجنوده المرتزقة وحدهم يملكون إذنا بالتجول في شارع الرشيد في بغداد, وعلى جسر الرصافة , وطرق سامراء , وخيام العشائر , وأضرحة العباسيين , وبقايا نوادي الجواهري.‏

سحن قادمة من خلف المحيطات بلباسها الحربي, وخرائطها , ومناظيرها الليلية, ودروعها الثقيلة , وظمئها القاتل للزيت الأسود , تطبق من كل الجهات على وطن وضع حجر الأساس لحضارة الدنيا منذ ماقبل الميلاد, وبنى حدائقه المعلقة , ونحت في الصخر , كي يلقن الأمم أبجدية المدنية , ويهديها أسرار العلوم والفلسفة والفن.‏

ضلع متين من اضلاع العرب, يدخل عامه السادس,في هذا الحريق الأمريكي , المحمول في القاذفات الحربية بعيدة المدى , والسفن المكتظة بوسائل القتل , والعقيدة الملتبسة لرجل البيت الابيض , القادم من مزارع تكساس بقبعته الشهيرة , وحزامه وبندقيته سريعة الطلقات:‏

ملامح قرن جديد تفتتحه الادارة الامريكية بانقلاب هستيري , على قواعد المدنية ومبادئ الحرية والعدالة , فتستبدل اعلان حقوق الانسان , بحقوق القوة الغاشمة في الغزو والسيطرة, وتهرق انهارا من الدم كي تغتصب الثروة وتعيد الحياة الى الاسطورة, فتبني لإسرائيل اعمدة هيكلها من جديد.‏

بغداد بوابة هذا القرن الجديد الموسوم بتصادم الخيارات الكبرى : وصراع الارادات , وانكشاف لعبة أمم جديدة ,تدشنها واشنطن بذهنية الاحتلال , ونرد عليها بصحوة المقاومة ! والعودة للنفير الاول الذي طرد عن تراب العراق كل الغزاة القدامى.‏

لا المغول كسبوا الحرب في بلاد ما بين النهرين بسيوفهم و خيولهم و جندهم القساة , و لا الانكليز نالوا من عزة رجال الرافدين , بدسائسهم و غلمانهم و بنادقهم , كل ذلك لم يفلح في الماضي , باخضاع العراقيين , مهما ابتلت قمصانهم بالدماء, و لن يكون رجال بترايوس افضل حالا, مادام نفير المقاومة يدوي كل يوم على ارض الرافدين , و يحشد الرجال لتطهير التراب من دنس الغزاة القادمين من خلف المحيطات!‏

كل شيء يرشح دما في العراق اليوم, البيوت و الطرقات , و الجامعات و الثكنات , و رياض الاطفال و كل شيء يزهر في ايدي العراقيين سلاحا , و على جباهم عزة, و في صدورهم نخوة, وفي سواعدهم قوة, و في عيونهم فجرامشرقا طالعا من الركام ليملأ شرفات الدور العراقية بالضوء و الغار.‏

ادارة البيت الابيض , تنتظر مخاض الشرق الاوسط الجديد , و نحن ننتظره ايضا , و الولادة لن تكون الا على ايدينا , و المولود لن يكون الا منا و لنا: مهما اعتكر ظلامهم , و مهما اشتد فحيحهم في رمال العرب .‏

سنستأصل الجرح من الجرح , ونغسله بالعافية, وسنكنس الخراب عن الخراب , ونعلي الصروح من جديد ! ونشيد المدائن , ونمد الجسور, وسنستخرج موتنا من الموت ونحيي ملحمتنا الكبرى على امتداد العصور, من نبوخذ نصر , إلى مجلس الرشيد , الى آخر مقاوم يصوب نحو الظلام بزند ثابت فيجليه , ويفتح باب حرية العراقيين على ضوء ساطع لا تخطئه عيون العرب!الفرات ودجلة , سيرويان لنا غداً, حكايتهما, ونخيل البصرة سينفض عن غصونه الغبار ويمسك بيدناغداً, ويدعونا الى شط العرب, على وقع صوت ناظم الغزالي.‏

وأبو نواس والجواهري سيبتكران غداً فوانيس جديدة للشعر , تسطع في نوادي العراق كالنجوم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية