تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مجلس اسطنبول يخوض معركة إثبات الوجود

شؤون سياسية
الثلاثاء 13-11-2012
بقلم: علي الصيوان

قيل أن بن لادن كان الناخب الأبرز لأوباما. وهذا صحيح حسب الصنعة البديعية في الأدب. إنه كناية عن أن استطاعة الرئيس النيل من طريد أمريكا في أيار 2011,

قد عزز حظوته لدى مهندسي صناعة الرؤساء في الولايات المتحدة, ولدى ضحايا البروباغندة التي واكبت التجديد لأوباما تشرين الثاني 2012.‏

بيد أن ملف بن لادن المنتقل من حليف إلى طريد, ينطوي على علامة فارقة في مذهب الولايات المتحدة الخاص بالاستنسابية في التعامل مع الإسلامويين.‏

وقد شهدت الدوحة أيام 4-9/11/2012, منتدى للإسلاميين السوريين لدراسة مخرجات الاستنسابية الأمريكية في الموقف من الإسلام السياسي, في هدي العلامة الفارقة التي بلورها انتقال بن لادن من حليف إلى طريد, والتي تحمل عظة واحدة هي أن واشنطن تبدل عملاءها بالسهولة التي يبدل فيها المرء حذاءه.‏

ثمة بيئة للانزياح الأمريكي من نقطة ارتكاز إلى نقطة ارتكاز بديلة, تشكل حاضنة لمذهب الاستنسابية في التعامل مع الإسلامويين, كما تتجلى في ملف بن لادن, وفي منتدى الدوحة للإسلاميين السوريين.‏

فما هي مكونات هذه البيئة؟‏

حين «إذن» بريجنسكي في بيشاور 1979 لـ«الجهاد» في أفغانستان, كان لعبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري, الموقع المحتفى به بحرارة في واشنطن.‏

أما بعد إنجاز المهمة, فإن الغموض الذي لف مقتل عبد الله عزام, موصول بالغموض الذي لف مقتل أسامة بن لادن, و... «دفنه على الطريقة الإسلامية», في بحر العرب, دون سواه(!). وموصول كذلك بالشبهات التي تنعقد حول دور الظواهري, المستمر عنوانا لآليات تبديل واشنطن نقطة الارتكاز في سيرورة استئجارها للإسلامويين.‏

استنسابية الولايات المتحدة في التعامل مع الإسلامويين, تنصرف إلى التحالف معهم حين تحتاجهم لإلحاق الأذية بـ«عدو مشترك», أما بعد اسدائهم الخدمة, فتتركهم لأقدارهم, التي قدم شارون مثالا على تفعيلها في مرحلة تصنيع البيئة لاغتيال عرفات, وذلك في رده على نصيحة الرئيس بوش: اتركه ليبدو وأن الله قد توفاه, قال شارون: «إن الله قد يكون أحيانا في حاجة إلى بعض المساعدة»(...).‏

أي إن الإسلامويين حلفاء ممتازون لواشنطن حين يتعلق الأمر «بالدول المارقة», والتيارات السياسية الواقفة في المقلب المضاد لنزعة الهيمنة الإمبريالية, كحزب المؤتمر الهندي, وسلالة ذي الفقار علي بوتو في حزب الشعب الباكستاني, والبعث والناصرية والبومدينية واليسار الماركسي في وطننا العربي, والقوى الشيوعية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.‏

وتتبوأ سورية مكانا ثابتا في قائمة «الدول المارقة» في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية, إلى جانب كوبا وكوريا الديمقراطية وايران.‏

وتشكل التيارات السياسية التقدمية في هذه «الدول المارقة», هدفا ممتدا لتحالف إمبريالي-إسلاموي, تحالفا محكوما بكون الولايات المتحدة هي القائد المقرر, وبكون الإسلامويين هم التابع الذي ينفذ الأجندة الإمبريالية المرسومة مسبقا.‏

وبطبيعة الحال فإن لطرفي هذا التحالف هوامش تتسع أو تضيق تبعا للمعطيات الملموسة التي يتكون منها مشهد المعركة. على نحو ما تجسد في التحاق بعض دول الناتو بالولايات المتحدة في الحملة على أفغانستان والعراق. وعلى النحو الذي تجسد كذلك في انضمام شيمون بيريز وسمير جعجع إلى الحملة الإسلاموية على سورية بقيادة واشنطن, وتنخرط فيها بنشاط رجعيات عربية وإقليمية: مملكة السعوديين وقطر وتركيا.‏

تأسيسا على الدور القيادي لواشنطن في هذا التحالف الإمبريالي-الإسلاموي, عصفت في الدوحة أيام 4-9/11/2012, حمى الذعر لدى الإسلامويين السوريين, المشتقة من العظة في انتقال بن لادن من حليف إلى طريد.‏

قيل إنهم يعيدون هيكلة مجلس اسطنبول ذي النواة الأخونجية الصلبة, لكي لايكون سبباً موجباً وجيهاً امام مبادرة كلينتون-فورد, الرامية إلى الانتقائية في تجميل قبح التحالف مع الإسلامويين, عبر اصعاد وجوه ليبرالية إلى الواجهة, وانزال الوجوه الرجعية المنفرة.‏

مجلس اسطنبول بنواته الأخونجية الصلبة أفرغ ما في جعبته من أبلسة في الدفع ضد الصيرورة طريدا لواشنطن كـ بن لادن, بعد علاقة حميمية خال نفسه فيها في تحالف أنداد.‏

أصعد إلى واجهته الإسلامية جورج صبرا الموثوق من سمير جعجع, لاكتساب صفة الليبرالية والتعددية السامية على الانتماء الطائفي, مرضاة لواشنطن. لكن هذا «الليبرالي» الذي وضع في الواجهة إنما هو صاحب ماض مثقل بوقائع الردة عن اليسار, وبما يطمئن كلينتون, وفاقا لإعلان عبد الباسط سيدا الرئيس السابق لمجلس اسطنبول في 7/11, القائل بأن إعادة هيكلة المجلس ستكونه «ضمانة مطمئنة». لمن؟ بطبيعة الحال لكلينتون!.‏

وحتى أعضاء في المجلس الذين وجهوا انتقادات بتقصيره وفساده, أعادوا فيها صياغة خطاب كلينتون, أُعيد «انتخابهم» في قيادته, طمعا في اسكاتها.‏

وفي سياق الاستجابة لمبادرة كلينتون انسحب فريق في قاعدة المجلس الدعائية: (التنسيقيات), من اجتماعات إعادة الهيكلة, ما يعد تصدعا غير مسبوق. فهل تحرك واشنطن نقطة ارتكازها من مجلس اسطنبول الإسلاموي, إلى نقطة ارتكاز أشد فاعلية؟‏

ثمة رسالتان وردتا إلى الدوحة بلورهما الإسلام السياسي في المنطقة لمعاضدة مجلس اسطنبول, في دفاعه عن مكانته كنقطة ارتكاز سورية في «ربيع» التحالف الإمبريالي-الإسلاموي.‏

الأولى: وردت من القاهرة؛ من تظاهرة اسلاموية في ميدان التحرير, تميزت برفع علم مملكة السعوديين, وعلم «القاعدة».‏

الثانية: من تسارع وتيرة التفجيرات الإرهابية في سورية طيلة ايام المراجعة في الدوحة وبعدها, بالسيارات المفخخة وباستهداف المدنيين خطفا وقتلا.‏

والرسالتان تنطويان على تدليل لا يمكن لواشنطن تخطيه. هو أن الأذرع الاخطبوطية للإسلام السياسي, فعالة بما يكفي لديمومة اعتمادها لدى القيادة الإمبريالية الأمريكية.‏

والأكيد في تكتيك الأمريكيين حيال استراتيجية إيذاء سورية, هو أنهم سيحتفظون بمعادلة التابع والمتبوع, ضمن مراجعة متصلة الحلقات, تتقصى الجدوى في أي تكتيك يطرأ على استراتيجية التحالف مع الإسلامويين, تماما وفق الخط البياني المتكسر الذي اتسمت به الاستنسابية الأمريكية في التعامل مع بن لادن والظواهري.‏

Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية