|
ملحق ثقافي
هذه الفعالية الفنية التي يعود لها الفضل الأكبر في إطلاق مشاريع موسيقية سورية عديدة إضافة إنها عملت على تعريف الجمهور السوري بأنماط موسيقية مختلفة، فمن مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية الشهيرة المحببة، المارشات والفالسات، الموسيقا الشعبية، موسيقا الجاز، الغناء الجماعي، والموسيقا العربية الشرقية، وفيها كانت تشيللي باند من أهم الفرق التي عرّفتنا على الموسيقا اللاتينية بتقنية عالية ومستوى رفيع ضمن الأمانة الكاملة لهذا التراث العظيم. وهكذا بدأت تشيللي باند مشوارها الفني من سبعة موسيقيين لتقدم السالسا والتشاتشا والمامبو والبوليرو، ولتضع بصمة واضحة على المشهد الموسيقي السوري خلال خمس سنوات مضت بكل جدارة. المامبو والبوليرو والتشاتشا يقول دلامة شهاب وهو من مؤسسي الفرقة وعازف الترومبيت فيها عن بداية الفرقة: «كانت انطلاقة الفرقة بعيدة كل البعد عن الموسيقى اللاتينية بدأنا كفرقة تؤدي ألحان موسيقى الجاز، مؤلفة من خمسة موسيقيين ومغن، وأثناء التدريبات تم طرح فكرة التغيير والتحول إلى فكرة أكثر تعبيراً عنا فتم الاتفاق للاتجاه نحو الألحان لاتينية، وساعدنا في ذلك الآلات التي يستخدمها أعضاء في الفرقة وهي الترومبيت، التيمبالس، الكونغا...، ومن المعلوم أن هذه الآلات هي آلات أساسية في الموسيقى اللاتينية». أما طارق سكيكر عازف البيانو والكيبورد وهو من المؤسسين أيضاً يقول: «يبدو أن الحكاية برمتها بدأت من الآلة فماذا يصنع موسيقيون سوريون بآلاتهم النحاسية؟ وما يفعلون في ظل مشهد مكتظ بالعديد من الفرق الموسيقية الشابة التي تجرب حظوظها في مختلف الاتجاهات، وفي ظل فوران موسيقي لافت، وبالتالي في ظل فرص أقل ولما كانوا يحسون بالضياع في خضم موسيقى تجارية طاغية، قرروا الاتجاه إلى موسيقا المامبو والبوليرو والتشاتشا».
طقس يحضر بكامله نستطيع القول بأن تشيللي باند أكثر من فرقة، إنها مناخ، طقس يحضر بكامله على الخشبة، بدءاً من الموسيقا، وليس انتهاءً بالقبعات، التي تحيل مباشرة إلى بلاد أمريكا اللاتينية، هكذا أراد موسيقيو الفرقة أن يستعيروا اسم تلك النبتة، تشيللي، التي تعني الفلفل الحار، القادمة من أفريقيا، والتي تشتهر دول أمريكا اللاتينية بزراعتها، ليس من أجل اسم خاص فحسب، بل من أجل طريق، طعم لاذع وخاص أيضاً، وربما طريقة حياة، لذلك نجدهم يتقمصون، وهم يعزفون، تفاصيل حياة تلك البلاد البعيدة، رقصاً وملابس، شالات وقبعات، وبالطبع آلات موسيقية، من بينها الكونغا، التمبالس، الماراكاس، الكلافي، الغييرو.. من دون أن ينسوا ملء المكان بصور تتالى أثناء العزف لمؤلفين ومغنين وعازفين من أمريكا اللاتينية كما لو أن هؤلاء أجدادهم الحقيقيون، حيث أن معظم المقطوعات الموسيقية التي يقدمها هذا التجمع الموسيقي المميز قام بتأليفها وأدائها نخبة من ألمع نجوم الفن والموسيقا اللاتينيين. هذه هي تشيللي باند وفي هذا الإطار يقول الموسيقي مضر سلامة، اختصاص «تيمبالس»: «لماذا الموسيقا الكوبية؟ لأنها البلد الأكثر تعبيراً عن هذه الأنواع الموسيقية مجتمعة، الموسيقى الحية، وكل الترتيبات على الخشبة، الملابس، الديكور، مشاركة الراقصين، عرض الصور، تفاعل موسيقي الفرقة مع الجمهور، كل ذلك يشكل «تشيللي باند»، لكنه لن يكتمل إلا بالمشاركة، لن يكتمل إلا بالجمهور، وأعتقد بأننا قد نجحنا في جذب الجمهور في كل حفلاتنا والحفلة الأخيرة التي أقمناها قبل فترة في دار الأوبرا تشهد ذلك».
يأتي تصنيف الأنماط الموسيقية الكوبية واللاتينية عموماً تبعاً لأنواع الرقصات نتيجة ارتباط الموسيقى بالرقص، فالرقصات اللاتينية العالمية تتألف من خمسة رقصات أساسية وهي «التشاتشا، والرومبا، والسامبا، والباسودوبلي، وجيف»، تؤدى هذه الرقصات عالمياً كرقصات أمريكية لاتينية، وتؤدى أيضاَ في مسابقات الرقص العالمية بالإضافة إلى أدائها في الأوساط الاجتماعية، والقول إنها عالمية يعتمد أولاً على أساس أن هذه الرقصات الخمس هي الأصل الذي تفرعت منه الرقصات اللاتينية الأخرى، فرقصة التانغو الأرجنتينية الشهيرة بين تلك الرقصات، تعد رقصة لاتينية عالمية لكنها لم تتطور. إذا ما قارنا الرقصات اللاتينية بالرقصات الأخرى، يتسم الرقص اللاتيني بأنه ذو خطوات سريعة وأكثر حسية ويحمل تعبيراً أكثر إيقاعية. ولذلك قلما نرى حفلة لتشيللي باند بدون مرافقة الرقص.
وهنا يقول شهاب: «الرقص في التراث اللاتيني يسير بالتوازي مع الكلمة واللحن فيشكلون معاً لوحة فنية رائعة تسمى الفن اللاتيني، فكل منها مكمل للآخر، فالموسيقا بحاجة الكلمة لإيصال المشاعر، والمشاعر التي تحملها الأغنية لا بد من رقصة تعبر من خلالها وتشرح معنى الأغنية، ولا بد أن نشير هنا أن الجمهور السوري المتابع لفرقة تشيللي وعروضها الفنية طالما كان تواقاً، منتظراً لحظة بلحظة صعود الراقصين خشبة المسرح، الذين بدورهم «أي الراقصون» يحيلون المسرح إلى بركان يتدفق فناً ومشاعر وحب وحياة». المساحة الواسعة لكل موسيقي يتضمن برنامج هذه الفرقة بشكل عام عدداً لا بأس به من المؤلفات الموسيقية اللاتينية الآلية منها والمغناة، ولكل خصوصيته، فالمؤلَف الآلي يحمل مساحة واسعة لكل عضو من أعضاء الفرقة لإبراز قدراته الفنية وإمكانياته التقنية العالية على آلته، أما بالنسبة للمؤلفات المغناة فتعطي المغني إمكانية إبراز براعته في أداء الأغنية المختارة موسيقياُ ولغوياً وتقنياً، وفي كل مناسبة وفي كل حفلة تقدم تشيللي باند برنامجاً جديداً بين الآلي والمغناة ولأن الفرقة تدرك جيداً بأن الجمهور السوري يبقى تواقاً وميالاً للكلمة أكثر من الموسيقا وهذا الميول يجعل الفرقة أن تعزز من عدد المقطوعات الغنائية. وعن المقاييس التي يتم من خلالها اختيار الأغاني يقول شهاب: « يتم اختيار الأغاني في برامجنا بمساعدة من المغنين الذين تستضيفهم الفرقة، فقد كانت البداية مع المغني الكيني فيكتور مولي، تتالت بعدها المشاركات مع كل حفل فني حيث تقوم الفرقة باستضافة عدد من المغنيين الاحترافيين منهم : نور عرقسوسي، يمني أبو الذهب، رشا زلحف، جوزيف طرطريان، أريج زيات، سناء بركات».
حفلات جماهيرية أحيت الفرقة عدد من الحفلات الناجحة ضمن فعاليات تظاهرة «موسيقا على الطريق» لدعم الفرق الموسيقية الشابة بين عامي 2009 و2010 برعاية من جمعية صدى الموسيقية ومحافظة مدينة دمشق. وقد لاقت استحساناً وآذاناً صاغيةً لدى الحضور كونها الوحيدة التي تؤدي هذا النوع من الموسيقا في سورية. كان للفرقة شرف تقديم حفلين موسيقيين ناجحين بمشاركة عدد من الموسيقيين والمغنين والراقصين المحترفين، الأول مطلع العام 2010 على خشبة مسرح الدراما في دار أوبرا دمشق بعنوان «تحية من دمشق إلى هافانا» تقديراً لجهود عدد من مؤلفي الموسيقى اللاتينيين وخاصة الكوبيين في إثراء التراث الفني الموسيقي العالمي بهذا النوع العريق من الفنون، والثاني أواخر شهر تشرين الأول من العام 2011 وحمل الحفل عنوان Latin Lives in Syria وذلك أيضاً ضمن فعاليات برنامج دعم الفرق الموسيقية الشابة. وأحيت تشيلي باند حفلة أخرى على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون «أوبرا دمشق» أواخر 2011، أدت من خلالها مجموعة من الأغاني ولوحات راقصة بمشاركة المغنيين أريج زيات، رشا زلحف، يمني أبو ذهب، جوزيف طرطريان، وعدد من الراقصين والراقصات. كما أقامت حفلة في شهر كانون الأول من العام المنصرم برعاية من وزارة الثقافة، على خشبة مسرح مجمع دمر الثقافي، حيث أدت أعمالاً فنية جديدة بمشاركة أوسع من المغنين والراقصين، تطمح هذه الفرقة كما يزعم أصحابها في القريب العاجل لإقامة مهرجان فنون أمريكا اللاتينية في سورية إيماناً منها بأهمية هذا التراث الفني العالمي العريق الذي تتسع قاعدته الجماهيرية محلياً وعالمياً. الحس الإيقاعي العالي ويصف طارق سكيكر لنا فرقته بشكل عام قائلاً: «تعد تجربة تشيلي باند هي الأولى من نوعها في سوريا، من حيث النمط الموسيقي الذي تقدمه وهو الموسيقا اللاتينية ورغم بعد موطن هذا النمط الموسيقي عن وطننا، إلا إننا كنا نؤمن منذ اللحظة الأولى أن الموسيقا لغة العالم، وهو ما ثبت من خلال حفلاتنا التي قدمناها ومدى إقبال الناس عليها، فضلاً عن تمتع هذا النمط الموسيقي بحس إيقاعي
عال يستطيع ملامسة أذن شريحة واسعة من الشباب. ونحن في هذه الفرقة لم نقتصر على تقديم الأغاني الشعبية اللاتينية، بل قمنا بإعادة توزيع أغان عربية قديمة على أساس لاتيني، كما قمنا بإعادة توزيع بعض الأغاني اللاتينية عبر إدخال آلات شرقيه إليها، ما جعل هذه الموسيقا أقرب إلى الناس هنا، وما شجعنا على هذه الخطوة هو قرب الموسيقا اللاتينية من الموسيقا العربية من جهة المقامات الموسيقية المستخدمة في كلا الموسيقتين». وأخيراً يقول مضر سلامة عما تفكر به الفرقة في السنوات المقبلة: «تتجه الفرقة إلى العمل على دمج الموسيقا اللاتينية بالموسيقا العربية، وقد كان لها تجربتان هامتان من خلال إعادة توزيع أغان عربية بأسلوب لاتيني، وإدخال اللغة والآلات العربية كالعود والناي ضمن تشكيلها، هذا الدمج بين العربي واللاتيني لقي ترحيباً واسعاً لدى الجمهور السوري وأعطى الفرقة الدافع للعمل بجد لاختيار عدد من الأغاني العربية القريبة والمحببة من المستمع والعمل على إعادة طرحها بأسلوب لاتيني جديد ذي طعم لاذع «كاسم تشيللي أي الفلفل الحار» وبروح مفعمة بالحب والحياة آملين أن تلقى الترحيب المرجو منها، فضلاً عن العمل على إقامة مهرجان فنون أمريكا اللاتينية في سورية لتعريف الجمهور السوري بشكل أفضل لمزايا هذا الفن الراقي من موسيقا ورقص وغناء». خيرة الموسيقيين السوريين يضم هذا التجمع الفني الفريد من نوعه خيرة الموسيقيين السوريين حيث كان تأسيسه من قبل «طارق سكيكر «بيانو»، فجر العبدالله «كونتر باص- باص غيتار»، مضر سلامة «تيمبالس – درامز»، هادي الحمصي «كونغا»، دلامة شهاب «ترومبيت»»، أما الأعضاء الحاليون والضيوف المشاركون هم «همام نابوتي، هشام بندقجي «غيتار»، عبد الرحمن مطر، سيمون مريش، عامر دهبر، الياس عبود «بركشن»، عدنان فتح الله، عود، محمد فتيان «ناي»، راني الياس «ترومبيت»، نادر عيسى، أحمد ناصح «ساكسفون»، عماد منصور، فلاديمير كراسنوف، أماديس دينكل، صلاح عليوي «ترومبون»». أما المغنون فهم «فيكتور مولي، معتز عويتي، أريج زيات، نور عرقسوسي، جوزيف طرطريان، سناء بركات، يمني أبو الذهب، رشا زلحف». فضلاً عن الراقصين المشاركين وهم «ريناتا مجبل، معروف ديوانة، إلين سروجي، عبدو دلول». ما تقدمه فرقة تشيللي باند هي طريقة جديدة للاحتفاظ بتراث الطرب القديم، وأسلوب جديد في دمج الآلات الموسيقية العربية حيث يلتقي العود والناي مع الآلات الموسيقية الأمريكية اللاتينية، أتمنى أن تكون خطوة إيجابية بعيدة عن تشويه اللحن العربي وخاصة أنها تقدم أغاني تمس صميم التراث وأقصد ما يخص الأغاني العربية. |
|