تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


توياكو.. قمة الأمنيات الجوفاء

شؤون سياسية
الأحد 13/7/2008
د. حيدر حيدر

عناوين كبيرة انعقدت في ظلها قمة الدول الصناعية الكبرى في توياكو اليابانية, لكن قمة الثماني لهذا العام خرجت بتمنيات أكثر من أن تكون قرارات ملزمة للموقعين على البيان الختامي للقمة السنوية,

فأزمة الغذاء العالمية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة النفط ومكافحة الاحتباس الحراري الذي يهدد البيئة بكوارث لا تحمد عقباها, كل هذه القضايا إضافة لقضايا أخرى تصطدم بالمصالح الخاصة لتلك الدول خاصة الولايات المتحدة المسؤولة عن انبعاث 25% من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري علماً أن عدد سكانها لا يزيد عن 4% من سكان العالم.‏

صحيح أن أكبر الدول الملوثة للبيئة في العالم وافقت على أن هناك حاجة ماسة لخفض كبير في انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بسبب الصناعات الضخمة, لكن الصحيح أيضاً أن الخلافات بين الدول الصناعية الكبرى والدول الناشئة تحول دون الاتفاق والتفاهم على أهداف محددة بهذا الخصوص, ولا ريب أن التغيرات المناخية كانت أكثر القضايا الشائكة والصعبة الحل في قمة مجموعة الدول الثماني والتي حضرتها ثماني دول ناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها.‏

فالجهود المبذولة حالياً بهدف خفض انبعاثات الغازات إلى النصف بحلول عام 2050 تبدو صعبة التحقيق بسبب معارضة أميركا للالتزام بأهداف ثابتة وتهربها من تنفيذ التزاماتها وخاصة أنها أكبر دولة منتجة للتلوث ولغاز ثاني أوكسيد الكربون وإذا استمر الحال على ما هو ,فإن نهاية القرن الحالي ستشهد انبعاث 40 مليار طن سنوياً من هذا الغاز علماً أن الاحصاءات تؤكد أن 7 مليارات طن تنبعث سنوياً من هذا الغاز حالياً أي أن الزيادة ستبلغ 33 مليار طن سنوياً وبعلم القاصي والداني أن الولايات المتحدة رفضت في عهد الرئيس الحالي جورج بوش تطبيق بروتوكول كيوتو الخاص بالحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري, الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في مدينة كيوتو اليابانية عام 1997 , فقد تراجع بوش عن الاتفاقية بحجة أنها تلحق ضرراً بالصناعات الأميركية, وبذلك تخلت إدارة بوش عن الجهود الرامية للتخفيف من الأخطار الكارثية المهددة للحياة على الأرض , كذلك فشلت المساعي الدولية في قمة الأرض المنعقدة في عام 1992 في ريودي جانيرو من الاتفاق على الحد من التلوث بسبب الخلافات الواسعة بين الدول الصناعية.‏

وللصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول الناشئة وجهة نظرها التي ترد بها على ما تسميه الإدارة الأميركية ضرورة الحصول على ضمانات من الاقتصادات الناشئة الكبرى بإجراءات للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري كي تلتزم أميركا بأهداف ثابتة بهذا الشأن, فواشنطن كما هو معروف تعارض دوماً الالتزام بأهداف ثابتة حول الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري , ووجهة نظر الدول الناشئة مفادها أن هذه الدول النامية وذات الكثافة السكانية العالية تهدف إلى تطوير اقتصادها وتحسين المستوى المعيشي لسكانها وهي تسعى بقوة للتحول إلى التحديث والتصنيع, هذا من حقها ومن حق البلدان الفقيرة عموماً , علماً أن مناخ الأرض وصل إلى مرحلة الخطورة جراء التعسف في استخدام المواد الأولية في الصناعة على يد الدول المتقدمة الكبرى في العالم , ولكن يبقى السؤال الكبير وهو إلى متى تغمض الدول الصناعية الكبرى عيونها عن الكارثة المحدقة بالأرض ?! علماً أن العلماء المختصين يحذرون من انهيار وذوبان جبال ثلوج القطب الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات , ما يعني غرق مناطق ساحلية شاسعة ذات كثافة سكانية عالية , وكذلك يؤدي إلى ضعف خصوبة التربة وتدني الإنتاج الزراعي, ناهيك عن ارتفاع درجات الحرارة في الدول المختلفة وهذا يؤثر سلباً على الزراعة والسياحة إضافة إلى تكاثر أنواع من الحشرات الضارة بالمزروعات, ويؤدي أيضاً إلى انقراض أنواع نباتية ومائية كثيرة , فهل تصدق بعد اليوم وعود الشركات الاحتكارية العلمية الضخمة ومساعيها المزعومة للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.‏

لقد هيأت اليابان للمجتمعين في توياكو أجواء بيئية نظيفة واستخدمت آلاف الأطنان من الثلج للتكييف بدلاً من استخدام المكيفات العاملة على الطاقة بأنواعها كافة. لكن كل هذا لم يحفز ممثلي الدول الثماني الكبرى على التفكير جدياً في مخاطر الاحتباس الحراري وطرق مكافحته, فكيف ستصدق وعودهم بمساعدة الدول المختلفة على تخطي أزمة ارتفاع أسعار الغذاء أو ارتفاع أسعار النفط?!وهم لم يتفقوا ولم يقترحوا آليات واضحة لتحقيق هذه الأهداف!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية