|
ساخرة وروح النكتة فيها التي تعكس خفة ظل صاحبها وهي: «في كل واد عصا» و«وجوه الراحلين» و «فصول أبي البهاء» و«المقامات» وقد عرضنا الكتابين الأولين ونقف اليوم عند كتاب العجيلي الثالث «فصول أبي البهاء» وهي بالفعل فصول نسجت حول شخصية حقيقية ذات وجود واقعي يرمز الكاتب لصاحبها بكنيته أبي البهاء وهي كما ذكر حقاً على غلاف الكتاب في التعريف بها «عمل أدبي متكامل لا تنقصه حبكة القصة ولا عناصر التشويق فيها ولا الخلفيات الفكرية والخلقية التي انطلقت منها أعمال هذا الكاتب كافة». أبو البهاء بطل الفصول المضحكة وببديهة حاضرة وجرأة فائقة وقدرة كبيرة على التمثيل يتصرف أبو البهاء صديق العجيلي الذي يعرفه جيداً وله في المقابل فصول معه. إننا نرى بطل هذه الفصول المضحكة مع ضحاياه تارة ساخراً وتارة أخرى منتقماً ومقدماً في بعض الأحيان معونته إلى من يحتاج إليها بأساليب مختلفة تسوق البسمة إلى الشفاه حتى شفاه ضحاياه الذين يجرحهم ثم يعرف كيف يداويهم. العجيلي وأبو البهاء في حلب في فصل عنوانه «أبو البهاء منقذاً» يلتقي د. العجيلي في حلب بأحد معارفه ويسميه «أحمد الحاج إبراهيم» فيراه مبتسماً مسرعاً فيقول له: - من يرى سرعة خطوتك وسعة ابتسامتك يحزر أنك ذاهب إلى ميعاد غرامي، فيقف الرجل ويقول: - ليس الأمر ما تظن ولكنه مأزق خلصت منه الآن فأنا أبتسم لغبطتي بالخلاص ويعترف بأن أبا البهاء كان وراء ذلك فقد خلصه من دائن ثقيل ما كان يستطيع التخلص منه لولا «أبو البهاء » ثم إنه دعا العجيلي يروي له في المقهى حكاية المأزق الذي خلص منه قبل دقائق: لقد كانت المحاصيل الزراعية سيئة تلك السنة فكثر الدائنون وبينهم ابن عم أحمد الحاج إبراهيم ويدعى خميس وقد غادر البلد -الأغلب أنها: الرقة- هرباً منه إلى حلب وهو هنا منذ أيام لكنه فوجئ به هنا يقطع عليه الطريق ليقول له: إنه وصل لتوه من البلد وجاء ليستوفي دينه منه. خميس الذي جاء بالأوتوبيس حاول السيد أحمد إقناع ابن عمه خميس بتأجيل مطالبته إلى أن يرجع إلى البلد دون جدوى وكان متشبثاً به رغم تعلله ببعض المواعيد التي عليه أن يذهب إليها. في هذه اللحظة مر أبو البهاء فتوقف لحظة ليحيي أحمد فيها فخطر له عندئذ أن يميل على أبي البهاء ليقول له بعجلة وبصوت خافت: إنه خميس ابن عم لي ملحاح قدم الآن بالأوتوبيس من البلد وهو يضايقني. أبو البهاء يسأل عن خميس وتظاهر أبو البهاء بعدم الاهتمام وابتعد إلا أنه لم يخط بعيداً حتى التفت إليهما وقال يخاطب أحمد بصوت عال: - أحمد أريد أن أسألك: - تفضل واسأل - بلدتك صغيرة ولاشك في أنك تعرف أكثر ناسها.. - صحيح من تريد منها؟ - اسأل عن شخص جاء منها صباح هذا اليوم بالأوتوبيس. قال أحمد: - الذين جاؤوا بالأوتوبيس كثيرون من هو ذلك الشخص؟ قال أبو البهاء وهو يصف «خميس» الواقف أمامه: - هو رجل قصير القامة يلبس ثياباً بدوية واسمه خميس أنا لا أعرفه شخصياً ولكن شرطة المدينة كلها تبحث عنه هذه الساعة. لماذا تبحث الشرطة عن خميس؟ وسأل أحمد أبا البهاء متظاهراً بالقلق: - ولماذا تبحث الشرطة عن خميس؟ - لجناية ارتكبها وهو في طريقه إلى هذه المدينة جناية يستحق عليها الحبس والجلد بالسياط ذلك اللعين لم يعرف أن الفتاة التي احتك بها في الأوتوبيس وأساء الأدب بحقها هي ابنة أخ العقيد صالح قائد الشرطة في البلد وأنها أخبرت عمها بما جرى لها حال وصولها فأصدر أمره بالبحث عن الرجل في كل مكان.. يا ويلك يا خميس متى وقعت في أيديهم. فتاة الأوتوبيس المدنية.. يقول الكاتب الكبير معلقاً على الموقف: «لم أتمالك نفسي من الضحك لما رواه أحمد الحاج ابراهيم وقلت: هذاطابع أبي البهاء في فصوله المشهورة ما أسرع بديهته في هذه المواقف!» واختبأ خميس وراء ظهر أحمد كأنه يخشى أن يتعرف عليه أبو البهاء وسمعه أحمد وهو يقول من ورائه بصوت مبحوح: - أحمد صدقني هذا غير صحيح نعم كانت في الأوتوبيس فتاة مدنية، فتيات، لكنني والله ما مددت يدي إلى واحدة منهن وما تعرضت لإحداهن بكلمة. عاد وقد نسي دينه أما أبو البهاء فإنه استمر في وصف العقاب الأليم الذي ينتظر خميس حين يقبض عليه ما زاد في هلع خميس البسيط المعرفة والساذج التفكير. وعندما ابتعد أبو البهاء قال خميس: - أحمد أعلمني ماذا أفعل؟ قال أحمد: - سمعت بأذنك عليك أن تعود حالاً إلى البلد. قال وقد نسي دينه: أعود حالاً ولكن قد يكون رجال الشرطة في موقف السيارات يبحثون عني هناك. وأنهى أحمد الموقف بقوله: - لا أظنهم يتوقعون أن ترجع في اليوم نفسه الذي جئت فيه ومع ذلك فسأرافقك لأطمئن إلى أن أحداً من الشرطة لم يتعرف عليك. |
|