|
معاً على الطريق من حيث لا يشعرون أكثر البلاد حاجة إلى المطر لأن احتباسه إذا طال كان إرهاصاً بالجفاف وهبوط سوية الماء في أعماق الأرض، كما ندرة في مياه الشرب وخوف على المزروعات والمواشي، (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وبالمقابل إذا انفتحت أبواب السماء بالشآبيب الثرة ورن خرير المزاريب يشنف الآذان قال الناس لاهفين خاشعين الله يبعث الخير، وفي قلوبهم لمعة خوف من طوفان إذا طال الهطل. ويتساءل المرء هل الناس بطبيعتهم انتهازيون يفسرون الصحو والمطر وفق لحظتهم الراهنة؟ في السابع عشر من كانون الأول2010 أحرق محمد البوغريزي التونسي نفسه فانطلق الربيع الدموي من تونس كناقة زهير بن أبي سلمى العشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم وباتت الديار العربية التي حط عليها «الربيع» بكلكله كأنها حبات العنب تنهشها الدبابير. والآن وبعد مضي العام ونحن غارقون في هذا الربيع والدماء تصبغ عيوننا بتنا نشتهي أعاصير الشتاء، نشتهي أن نتحلق حول المدافئ لولا أن المازوت غدا كأحلام المنام، بتنا نتمنى أن تتغير فصول السنة ويختلط بعضها في بعض، بتنا نبحث بالسراج والفتيلة عن الغاز وعن الكثير من السلع وأصبحت ترى أسعار المواد ترتفع يوماً بيوم في سباق مع الزمن، ولا تدري أهي من فعل التجار أم غليان القلق في النفوس المتوافرة. وأصبحت البلاد التي حلت فيها لا تكاد تستقر حتى ترتد إلى ما قبل بدئها فينطبق عليها قول الشاعر: أكلت حلاوة وشربت ماء كأنك لا أكلت ولا شربت. وعادت البطالة بل قل بقيت تراوح مكانها، وتوقفت التنمية والسياحة والأمن والأمان، وكثر العاطلون عن العمل، وازداد عدد الفقراء، والأنكى هو التزاحم للتربع على الكراسي التي أصبحت مخلعة لا تكاد تحمل هراً، وانبثقت الخصومات وربما الاقتتال وسقوط الضحايا، وعادت الشخصية العربية إلى التذبذب، واستيقظ ما تراكم فيها من سطوة المماليك ووحشية المغول والتتر مسلمين كانوا أشد صغياناً من الوثنيين، عاد إليها العثمانيون السلاطين الذين تربعوا على عروشهم متشبهين بالآلهة. وتاه العرب في مفازات الألفية الثالثة التي تراءت لعيونهم أدغالاً تعرف كيف تلج فيها لكنك لا تعرف كيف تخرج منها. ووجدوا أنفسهم قد تعلموا من التاريخ حكاماً ومحكومين الانتشاء بعظمة النفس، يقول المتنبي: وإني لمن قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحم والعظما لكنها نشوة خلبية بمعنى أنك بقدر ما تكون صغيراً بعين نفسك تريد أن تكون كبيراً بعيون الآخرين، لقد اكتشفوا أنهم يتأرجحون خاليي الوفاض بين عبر التاريخ وعبر القوم لا أفادوا من هذا ولا أفادوا من ذاك مثلما هرب منهم الماضي هرب الواقع وغمام المستقبل، وراحوا . |
|