تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قبل أن يضمر صوتي

آراء
الخميس8-11-2012
 حنان درويش

شاحباً أتيت أيها العيد.. شاحبا رحلت، مثل زهر البيلسان تتبادله الفصول. أنا المسافرة التي عانقت الفيافي ورامت الجبال وأسلمت قدميها لريح المسافات يتقاسمها القلق الآن ويمضي بعيداً تمارس طقس الوجع تغرق وجهها بين كلوم وأشياء مبعثرة وبين تعاريج الأوقات المستسلمة للوجوم

يهمي الشرود عليها حيناًَ وحيناً يعاقبها حصار اللحظات تجلس هذا المساء تكفكف صوتها المنسي تتركه يغوص في صخب الغياب فتختصر بهذا الفعل جدول الأحلام. وعذراً لاختصار جدول الأحلام وكل شيء حولها يشهد بالتداعي بالانتهاء تنبأت أجل تنبأت بيوم الأفول.. ما أصعب الكلمات حين تقال وما أصعبها حين لا تقال فيعرى الشجر وتنسى الحروف ظلال الندى وتهمي على غبش الزجاج أسماء وأفياء ورقاص ساعة لا ينوس.‏

متعبة أنا.. جرحي مقدس مثل قصائدي.. سأتلو عليكم بعض القريض أهدهد الصفحات.. ألوب وراء الرموز والورى لا يزالون على ضفة الماء ينشرون أشرعة الترقب: أقرأ ، أقرأ لهم، وعند حلول السطور الأخيرة أرى الوجوه تتداول لغطاً لا يفصح عن نضارة أو زهو أو انتعاش أو إشراقة أو بزوغ حياة في قلب الحجر.‏

على مضض أتيت أيها العيد.. على مضض رحلت.. هنيهاتك الثقيلة تسللت إلي مع حفيف الخريف مع زحمة الشروع بالوداع مع النشيج يغلف الأيام والغايات لتغير حجم الهواء الذي أتنفس وحجم الصباحات الذي أرتشف وحجم القناعات الذي أتمثل تتسرب من حزمة الضوء كما الطيف وتتقن المخاتلة ثمة ألوان لديك ثمة أشكال.‏

ما الفرق بينك وبين عيد سيأتي؟.. حبذا لو ربحت الرهان.‏

يوم كنت صغيرة كان العيد يدلف من بوابة دمشق يزورني في رقدتي وأنا لا أزال أعانق ثوبي الجديد استيقظ مع التكبيرة الأولى يزلزلني الصدى ينعش قلبي فأهرع إلى شجرة الدار الكبيرة أتعلم منها وأحاول أن أجلب ذلك الزمان. أن أوقظ تلك الطفلة لتخاطب أطفال الحاضر وتقول لهم:‏

أيها الصغار الأنقياء كالصبر الأبرياء كالدمع.. ارتفعوا كالمنارات على شواطئ المحبة اغسلوا القلوب المدماة بماء المطر. افتحوا نوافذ الأيام لشعاع الشمس اجعلوا أوقاتنا أعياداً حقيقية فأنا لا أملك في صندوق أيامي سوى سبحة واحدة هي سبحة الذكريات أقلّب حباتها قبل أن يضمر صوتي.. وقبل أن يموت الغناء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية