تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فرصة تصفية الحساب!

الأربعاء 8-5-2013
سهيل ابراهيم

وبعد... فإن الفاجعة قد اكتملت، وصار الكيان الصهيوني حليفاً موضوعياً لجزء كبير من النظام الرسمي العربي، هذا التحالف الذي تم إنضاجه على نارٍ هادئة على مدى عقود،

وحبكت عراه في السر والعلن في المشغل الأمريكي الذي تخصص بإدارة لعبة الشطرنج في الشرق الأوسط، وإنتاج السياسات التي ترتقي ب «إسرائيل» من مستوطنة طارئة في خريطة المنطقة، إلى قوة اقليمية تبسط سيطرتها على إقليم عربي مفكك وعاجز، تفتك به الصراعات، وتلتهم عافيته الفتن، وتغتال أحلامه الوطنية والقومية مرارة الهزائم التي لحقت به في اختبارات المواجهة التي مازالت ذاكرتنا تحتفظ بأقساها وأظلمها في حزيران عام 1967!‏

منذ ذلك التاريخ وقبله كانت مملكة الزيت الأسود في نجد والحجاز خصوصا، ترى في الصحوة القومية التي انتعش بها العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مصدر الخطر الأساسي على عرش المملكة، والكابوس الثقيل الذي يؤرق الأسرة المالكة بعد انتشار عدوى الفكر الوحدوي العربي الذي كاد يدق أبواب الرياض، ولأن القوة الحقيقية التي تشارك الأسرة السعودية قلقها من التيار القومي الجارف في مصر وسورية والعراق تحديداً، هي القوة الأمريكية وقاعدتها الحربية في فلسطين المحتلة، فلقد لمعت الفكرة في رأس أحد أركان المملكة وقتها فهد بن عبد العزيز، وأرسل إلى ليندون جونسون الرئيس الأمريكي في ستينيات القرن العشرين، طلبا موثقا بالعمل على ايقاف اندفاعة هذا المد القومي في القاهرة ودمشق على وجه الخصوص، ولو بالذراع العسكرية الصهيونية، تفادياً لوقوع آبار النفط في أيدي هذا التيار الذي كان قد استوطن اليمن، وبدأت طلائعه بالعبور نحو الكثبان الرملية التي تفوح منها روائح الذهب الأسود في المملكة الغارقة في مستنقعات الجهل!‏

ولأن جونسون وقتها كان يعرف أن ثمن مثل هذه الصفقة لن يكون أقل من السيطرة الكاملة على منابع النفط في نجد والحجاز، وأن ملك وأمراء آل سعود سوف يصبحون جاهزين بعد تلبية مطلبهم بكسر عنفوان التيار القومي في دمشق والقاهرة، لنسج خيوط سرية مع جنرالات تل أبيب والانتقال تدريجياً إلى سقف التحالف معهم، من أجل ذلك فقد لبى جونسون الطلب واكتوت مصر وسورية وكل القوميين العرب بنار هزيمة حزيران!‏

وعلى حواشي الخليج كله تكاثرت الإمارات والمشيخات التي استقلت نظريا وراحت تسبح في أفق علاقة غير معلنة بين الرياض وتل أبيب، وشيئاً فشيئاً ومع تداعيات مناخات كامب ديفيد ظهرت إلى العلن خيوط تلك العلاقة وأصبحت بعض عواصم الخليج مقرا لمكاتب تمثيلية صهيونية ذريعتها التجارة، ومضمونها الحقيقي التحالف الكامل الذي ينتظر الفرصة الملائمة لإعلانه على السطح، وبما أن تيار المقاومة الذي اشتد عوده بعد أن ورث اندفاعة التيار القومي، وتحول إلى منظومة خطرة على الأمن الصهيوني، وعلى الالتزامات الخليجية تجاه هذا الأمن، فلقد شد النظام الخليجي أطرافه وافتتح معركته مع منظومة المقاومة وقلبها السوري، ففتح صناديق ماله واستنفر مرتزقته وخلاياه التكفيرية وأعلن الحرب على سورية طمعا في إسقاطها من الداخل، وعلى مدى عامين وأكثر صمدت دمشق وصمد السوريون ودب الذعر في مفاصل النظام الرسمي الخليجي، فاستنجد بحليفه الاستراتيجي في فلسطين المحتلة لدخول المعركة قبل أن يتبخر الحلم وتضيع فرصة كسر منظومة المقاومة في قلبها السوري، وبالفعل فلقد استجاب جنرالات تل أبيب ودخلوا المعركة ونفذوا هجوماً عدوانياً على ضواحي دمشق، فصفق تجار النفط الخليجيون وعاد إليهم الرمق، لكن هذه اللعبة الخطرة انفتحت على احتمالات اكثر خطراً، ومن بين هذه الاحتمالات الممكنة أن نعرف كيف نثأر لهزيمة حزيران، وأن يتحول هذا البطر الخليجي المتورم بالأوهام إلى فرصة لتصفية الحسابات مع كومة من الحكام الجهلة المتورطين بدمنا الذين أذلوا الأمة وباعوا واشتروا بمصيرها كل هذه العقود الظالمة!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية