تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفردات التسوية والتنازلات المطلوبة

الصفحة الأولى
الأربعاء 8-5-2013
عفيف دلا

لعل الكثير من المتابعين للشأن السوري لا يملكون رؤية واحدة ولا حتى متقاربة لمسألة التسوية المحتملة لإنهاء الصراع الإقليمي الدولي في سورية على الرغم من اتفاق معظمهم على أن الأزمة في سورية أزمة إقليمية ودولية بالدرجة الأولى قبل أن تكون أزمة داخلية دون إنكار وجود مشكلات جمة متراكمة في بنى المجتمع والدولة السورية

وفي ذات الوقت لا يرون احتمال ضرورة الوصول إلى تسوية إقليمية دولية لإنهاء الأزمة في سورية أو يرى البعض أنها بعيدة ومعقدة لتشابك الملفات المرتبطة ببعضها البعض على مستوى المنطقة فمن الأزمة في سورية إلى الملف النووي الإيراني إلى قضية حركات المقاومة وشرعية وجودها وبقائها وأثر ذلك على الصراع مع إسرائيل استراتيجياً إلى قضية النفط والغاز وتوزع شبكاتها وأنابيبها وطرق مرورها إلى قضية الدرع الصاروخية وملفات عديدة أخرى سياسية واقتصادية وأمنية وإستراتيجية تتفاوت في مستوى إلحاح حلها وفكفكة عقدها ...‏

وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الاشتباك في سورية اليوم أغلق آفاق استمرار هذا الصدام الإقليمي والدولي في المفصل السوري فالمنطقة برمتها تقبع على فوهة بركان بعد فشل استنساخ سيناريوهات الربيع العربي في سورية وبالتالي تضيّقت هوامش الخيار أمام شكل ومضمون الاشتباك لتنحصر في اتجاهين لا ثالث لهما : إما تسوية إقليمية دولية شاملة أو حرب عالمية تبدأ من المنطقة ولا احد يعلم أين ومتى تتوقف .. وفي هذا السياق تدفع سورية ثمن الوصول إلى احد الحلين السابقين باستمرار حالة الاستنزاف الأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي فيها ، فالأمريكي وحلفه يعولون على لحظة انهيار محتملة ولو أن القناعة في تحققها فعلا باتت ضئيلة جدا أو شبه معدومة فالوقت اليوم مطلوب لكل الأطراف فهو بالنسبة للسوريين ومن معهم دليل ثبات وصمود وسقوط لكل رهانات الخصم وبالتالي دفع باتجاه إنهاء الصراع، وهو بالمقابل بالنسبة للأمريكي وسيلة ضغط وإيحاء بأن الرهانات لا تزال صالحة للعمل عليها وبالتالي عدم اعتراف بالهزيمة الاستراتيجية وإبقاء لأمل ما في سقوط الدولة السورية يمكن أن يقلب الطاولة الدولية رأساً على عقب.‏

لكن بين خيار التسوية وخيار الحرب قضية على درجة من الأهمية الاستراتيجية وهي ما يمكن أن يكون عليه شكل العالم بعد كليهما .. ففي خيار التسوية إبقاء للتوازنات الدولية دون انزياح استراتيجي في موازين القوى العالمية لأن التسوية تقوم على مبدأ تنازل الأطراف للوصول إلى تسوية ما فهي خيار الربح النسبي للجميع ، أما خيار الحرب فليس من الممكن التحكم برقعة التوازنات الدولية الاستراتيجية ولا بواقع موازين القوى العالمية لأن هنا لا مجال للتنازلات التوافقية فالأقوى هو من سيفرض شروطه ولو كان خاسراً بشكل أو بآخر وسيحتاج العالم إلى - ربما - مائة عام مقبلة لتتبلور من جديد منظومة قوى عالمية جديدة علاوة على أن الواقع الاقتصادي العالمي اليوم ينذر بمجاعة إنسانية شاملة إذا ما وقعت حرب عالمية ثالثة يستخدم فيها السلاح النووي فمن كان يحارب اليوم من اجل سيطرة أو نفوذ سياسي أو مطامع اقتصادية بالنفط والغاز ، سيحارب بعد الحرب فيما لو وقعت من اجل رغيف الخبز..‏

وقد يقول البعض إن بين خيار التسوية وخيار الحرب خيارات أخرى قد تتركز بين الخيارين السابقين متأرجحة بين هذا أو ذاك .. لكن في الحقيقة مهما تعددت الخيارات الأخرى فلن تكون خيارات استراتيجية فهي خيارات تكتيكية لفرض أحد الخيارين السابقين لأن أياً من الخيارات الممكنة لابد وأن تصب في تعزيز احتمال خيار الحرب أو خيار التسوية بشكل مباشر أو غير مباشر ، فلا مجال للاستمرار في الاشتباك إلى مالا نهاية لأنه في هذه الحالة عندما يشعر أحد الأطراف أن وجوده بات مهدداً فسيلجأ لفرض خيار الحرب الشاملة كي لا يقتصر الضرر عليه وحده .. وهنا قد يقول البعض لماذا نستبعد إذاً لجوء أمريكا لهذا الخيار إذا ما وصلت لقناعة هزيمتها، هنا نعود لقدرة أمريكا ومن معها وقدرة روسيا ومن معها عسكرياً واقتصادياً.. ووجود إسرائيل كرهينة في جغرافية المنطقة بشكل أو بآخر واحتمال زوالها فعلا.. ويضاف إلى ذلك احتمال خروج أمريكا ليس فقط من الشرق الأوسط بل من المعادلة العالمية بالمطلق.. ويضاف إلى تلك الحسابات أيضاً وجود القدرة فعلياً لدى أمريكا للقيام بحرب بهذا المستوى في هذه المرحلة بالذات في الوقت التي أخرجت قواتها من العراق في العام 2011 وتجدول انسحابها من أفغانستان حتى عام 2014 ، ولا يجوز أن ننسى مطلقاً أن الولايات المتحدة لو كانت فعلا قادرة على شن الحرب لما لجأت للاستراتيجية التي اعتمدتها في المنطقة والمسماة " ثورات الربيع العربي " وبالتالي فإن التسوية ستعتبر للولايات المتحدة أفضل الخيارات التي لا تغامر بموجبها بمنظومة مصالح استراتيجية عملت على تحقيقها سنين طويلة وتحقق منافع استراتيجية من خلالها لا بل ربما تحصل على نقاط إضافية في مناطق استراتيجية أخرى من العالم كشرق آسيا على سبيل المثال مقابل إعطاء مصالح معينة لروسيا تتعلق بالغاز المكتشف في مياه المتوسط وفق صيغة تقاسم منظومة المصالح برمتها ...‏

وقد يتفق معنا البعض من خلال ما ذكر آنفاً على أن خيار التسوية هو المرجح حتى الآن لكن يبقى السؤال هنا : في أي سياق نضع تصريحات الإدارة الأمريكية المتعلقة بإعطاء أسلحة فتاكة للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية واستمرار الضغط السياسي على سورية إضافة إلى التهديدات الإسرائيلية لسورية وحزب الله والحديث عن السلاح الكيماوي السوري واسترجاع سيناريو التدخل الأمريكي في العراق من البوابة ذاتها؟؟‏

وهذه الأسئلة على أهميتها إلا أن سياق التحليل السابق إذا ما تعمقنا في كيفية الوصول إليه يتطلب مظاهر من التشويش المتعمد بقصد حفظ ماء الوجه لبعض الأطراف الدولية كأمريكا وعدم الاعتراف بهزيمة استراتيجية في المنطقة يكون لها تداعيات خطيرة على نفوذ الولايات المتحدة وسطوتها في العالم وما يمكن أن يستتبع ذلك خروج من كان تحت الجناح الأمريكي من عباءتها وبالتالي يتيح ذلك فرصة انقضاض حقيقية على الهيمنة الأمريكية ومصالحها في العالم برمته ولذلك يكون التشويش اليوم من خلال إظهار مفردات جديدة على ساحة التداول السياسي من شأنها صرف التركيز الدولي عما يجري فعلا وما يظهر من نتائج للاشتباك الإقليمي الدولي الحاصل في سورية ويسوق لفكرة أن التسوية ما كانت لتحدث فعلا لولا تنازلات قدمتها سورية ومن يقف معها وتحديداً في ملفات محددة تتعلق بمنظومة ترسانتها العسكرية وأسلحتها غير التقليدية لأن لذلك بالغ الأثر في تسويق فكرة لاحقة تقوم على أن الولايات المتحدة حققت غايتها من التدخل في الشأن السوري وهو نزع أنياب النظام السوري بدفعه للتخلي عن منظومة صواريخه الاستراتيجية مقابل بقائه ... وهو فعلاً ما يجري الحديث عنه في دوائر إعلامية غربية وعربية تابعة لها بأن ثمة تسريبات تتعلق بموافقة القيادة السورية على التخلي عن ترسانتها العسكرية مقابل إنهاء الأزمة وتحقيق سلام مع إسرائيل فلذلك لم نستغرب كل هذا الضجيج السياسي حول السلاح الكيماوي السوري وتصريحات أمريكية حول دعم المسلحين بأسلحة فتاكة وغير ذلك من مؤشرات الضغط على الدولة السورية وعليه فإن الاقتراب من إنتاج التسوية المأمولة يترافق بالضرورة بحملة ضجيج سياسي وإعلامي لا بد منها لتسويق الأفكار التي ذكرناها آنفاً وتبهيت النصر السوري كي لا يتم التأسيس عليه استراتيجياً بأي شكل من الأشكال .. وهنا ستبرهن سورية في القادمات من الأيام على حنكتها في إحراج الولايات المتحدة وتعطيل سيناريو إنتاج التسوية ليكون سيناريو سورياً بامتياز وليس أمريكياً وقد بدأت فعلا بذلك عندما بدأ الجيش العربي السوري بالتحكم بزمام الأمور ميدانياً ويبسط سيطرته على كامل الجغرافيا السوري تباعاً مسقطاً آخر أوراق أمريكا في سورية وبالتالي مجبراً إياها على الهرولة إلى تسوية بشروط سورية فهل هذا ما دفع أوباما ليتصل ببوتين هاتفياً للتسريع بحل الأزمة حسبما أوردت وكالات الأنباء العالمية ؟؟ سؤال أتركه برسم القارئ ..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية