تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الفقراء ملح الوطن؟!

آراء
الخميس 9-5-2013
حسين عبد الكريم

الفقر من أقدم مفردات الأرض.. والوطن سيّد من ألف هذه المفردات..

والفقير لله أو للوطن غني بنفسه وبعشقه المؤبد للبساطة والألفة الصادقة والأفكار البيضاء.. الفقراء روحياً هم الأزمة والضائقات..‏

هؤلاء كحمرة الشفاه الغلط، يأخذون ما عند البشاعات والأفكار المتشققة، من كثرة خرابها، ولا يهتدون إلى جمال العيش ورفاهية الرونق النفسي..‏

عندنا جيران يقتاتون على أرغفة قليلة ويشبعون وطناً وعيشاً وحباً وشجاعة.. وآخرون عندهم فائض خبز وخبث وأطعمة وثروات ولايشبعون، وتخرب جملة أفكارهم وتصاب بالعفونة وهي مغطاة ببطالتهم الروحية.. ماذا يفعلون بعفونتهم بكل الأحوال: عفونة الأفكار ليست مطلباً حضارياَ أو وطنياً أو حياتياً !!؟ إنها الوسخ بالمصادفة أو عن سابق قصد وتدبير.. وهل يوجد وسخ مثقف ونبيل ووسخ رديء وجاهل وبائس؟!‏

الوسخ ثقافة الانحطاط.. والنظافة ثقافة الوطن والسمو.. والفقراء الطيبون مثقفون من هذا النوع النظيف..‏

الزبالون، قد يكونون من أنبل النظيفين وأرقاهم.. وذوو الألبسة النادرة قد لا يكونون..؟!‏

والمشكور الأكبر الوطن الذي يعلم الفقر كيف يكون طيباً وشجاعاً وأنيقاً ومتماسكاً ضد هجمات الترف المسموم..‏

وطن يرتب دفاتر العصر على أساس القناعات الثرية بالبهاء والنماء والرجاء.. ولا تعنيه ترتيبات الكذبات الضخمة أو الموجزة.. أو الدسمة أو الفقيرة الدسم..‏

غبار ملامح الجنود الوطنيين أستاذ كل اللغات وصاحب فهم حنون وعنيف وصبور.. كيف؟!‏

غبار الملامح يعلم أجيال المفردات أمثالها العالية، ويصبح القدوة الحميمة للهجاتنا وتعابيرنا.. الغبار البطل؟!‏

في كل ثقافات الأرض والأشجار الغبار مشاغب ومراهق.. وأحياناً يرسب في مذاكرات الأغصان ورياضيات الثمار ومعادلات الأوراق والإشراق.. لكن الغبار الشرس والشجاع الذي على ملامح الجنود الوطنيين والفقراء الطيبين، يعلم الدروس الاستفهام، وسيعطي لأسماء الإشارة الدلالات العلمية وسيمنحنا أحقية تجديد الكلام وتحييد القلوب عن مصير اللئام والسهام..‏

كل ملمح في هؤلاء الجميلين أكثر من أي جمال، ناطور مطر وبستان تحيات وكروم رجولة بهية وأمينة ومدهشة..‏

الشكر والتقدير والإعجاب لهذه الملامح التي تحالفت مع الغبار كي تكبر أفكار الأزهار وكي تنبت كل لحظة شجرات الوطن والأنوار.. وكي تسير إلى ضفافها الأنهار، وكي تكتب عشقها الأبدي النساء والأطيار..‏

وأكثر من هذا إن ملامح هؤلاء العباقرة الفقراء علمتنا جديد الفهم وفصيح التوجهات والانتماءات واللياقات والقناعات..‏

نومقهم من بعيد أو من قريب فنقرأ مطالع أزمنة ومطالع أمنيات أعند من أعند الجبال.. بل هم الجبال والتلال والمدن والجلال والقرى والجمال.. هم السهول والغلال ومعاني الحكي المدون والارتجال.. عصر وطني يكتبه فقراؤه الوطنيون والطيبون والرائعون كأنغام البروق والغيوم وسيادة الأرض المعتدة بكرامات الأبناء وألق البنات..‏

جندي في أول مبتدأ الشارع أعطى الأزقة محكية الصراحة وفصحى الألفة والجيران والشرفات.‏

وجنود وجنود في ملامحهم تسكن الواحات والأناقات رغم حدة الأمل وصرير الانتظار والأشواق والعائلة البعيدة.. هل رأيتم وجوهاً تقطنها الواحات والتلات الخضراء؟!‏

إنهم الفقراء الوطنيون إحدى السيدات العاليات والعاتيات منذ أربعين وخمسين شوقاً وذوقاً وعشقاً وهي تزرع الورد والعطر والزهر والزهو في حديقة البيت وعلى الوسادة وعند الشبابيك تقول هذه السيدة:‏

كل هذا الورد والعطر والدلال لا يساوي حبة صبر وغبار على وجه مقاوم شريف، وجندي نظيف..‏

وتقول: الفقراء الشرفاء هؤلاء علموا المدن أسماءها والقرى أهواءها والأعالي بهاءها.. وعلموا النساء فنون السخاء والتضحيات.. وكيف يعتنين بكحل النظرات والشفاعات والأناقات، الفقراء من هذا النوع ملح الوطن وأساتذة الحب والزمن المقبل من شرفات الأحداق..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية