|
ثقافة نعم, هي موهبة لكن, كُثر من الأدباء اعتبروها مجرد سبيل لتفريغ ما لديهم من ضغوطٍ حياتية ونفسية, لتتحوَّل ودون سابق توقّع منهم, إلى مهنة على درجة عالية وموفَّقة, في إنتاج أروع الأعمال الإبداعية..
إذاً, ولأن بدايات غالبية الأدباء كانت أليمة وقلقة ومتمردة, وأيضاً لأن أول أعمالهم كانت بدافع البحث عن عوالم حرّة وجريئة ومتجدِّدة, لابد من التذكر بتلك البدايات مثلما بأول القصص أو الروايات, وبلسانِ أدباء منهم: عبد السلام العجيلي - أديب سوري: «نومان».. أول ما نشرته في حياتي الأدبية لاشكَّ بأن كثر من قراء «العجيلي» يعلمون بأنه ولد في مدينة «الرقة» وأيضاً درس فيها, ومن ثم في «حلب» وبعدها «دمشق» التي تخرج من جامعتها طبيباً. إنها البدايات التي أوّل ما لعبت دوراً أساسياً فيها, نشأته. تلك التي قال عنها: «ولدتُ في الرقة. بلدة صغيرة أو قرية كبيرة على شاطئ «الفرات» بين حلب ودير الزور. من الناحية الاقتصادية, كان أغلب أهل الرقة, وأسرتي أيضاً, يعيشون حياة نصف حضرية, في الشتاء يقيمون في البلدة وإذا جاء الربيع خرجوا إلى البادية يرعون فيها أغنامهم ويتنقلون بين مراعي الكلأ حتى أوائل الخريف, وقد عشقت هذه الحياة فأثَّرت فيَّ كثيراً وقبستُ منها ما كتبت.
إذا كان هذا ما نعلمه عن العجيلي, فعلينا أن نعلم أيضاً, بأنه كان سياسياً استلم مناصب في وزارة الخارجية والإعلام والبرلمان السوري, وبما جعله شاهداً على قرنٍ حافل بالانقلابات والأحداث والاعتداءات العدوانية, وسوى ذلك مما لم يمنعه من امتهان الأدب, وبطريقةٍ سخره فيها, للكشف عما في الحياة والواقع, ومذ بدأت موهبته الكتابة تشغله. تلك التي قال عن بداياتها: «بدأت كتاباتي الأولى في الثانية عشرة من عمري, وكانت حول قصة تاريخية حدثت في ضواحي الرقة, قرأتها في إحدى الروايات الرخيصة, ثم بدأتُ بكتابة قصة بوليسية لأنني كنتُ مفتوناً بالبوليسي. أما أول ما نشرته, فكان قصة عنوانها «نومان» نشرتها في مجلة الرسالة المصرية عام 1936, وقد كان نشر هذه القصة مصدراً لثقتي الكبيرة في نفسي. لم أجهر بها لأحد لأني نشرتها بتوقيع ع.ع وكانت أول ما أرسلته للصحف في حياتي الأدبية».. حيدر حيدر - أديب سوري: «نورا».. أول إحباط لي في عالم الأدب أيضاً, تأثر هذا الأديب بالبيئة التي نشأ فيها والتي تقع ضمن قرية مشرفة على البحر «حصين البحر» القرية التي درس فيها, لينتسب وبعد أن أتمَّ دراسته في محافظة «طرطوس» لمعهد المعلمين التربوي في مدينة «حلب» وهكذا إلى أن تخرج وظهرت ميوله الأدبية وبتحريض من قال عنهم في حديثه عن نشأته: «نشأت في قرية جبلية, وعشت حياة البرية, وبالتالي تعلمت الحرية من قسوة الطبيعة وصعوباتها, وأصبحت أشعر بأنني جزء من هذه الطبيعة. تعلمت أيضاً, من البحر الشفافية والجمال والعمق, ثم, وبعد النشأة الأولى تشكَّل عندي من خلال قراءاتي ما يسمى بالتجربة الداخلية المطلقة والمقدسة, واكتسبتْ شخصيتي نوعاً من التمرد على الواقع والسلطة والمجتمع»..
كل هذا, صقل موهبة «حيدر» ودون أن يتوقع بأنه سيتحول إلى أديبٍ مشهور جداً لطالما, جاءت الكتابة لديه: «جاءت الكتابة مصادفة, وكانت نوعاً من التسلية, فقد كنت أشعر بجيشانٍ وأحاسيس في أعماقي, وكنت أترجمها وأسجِّلها في شكل قصص قصيرة أرسلها إلى مجلة الآداب, وبعض الصحف والدوريات الأخرى. أتذكر أنه وعندما كنت في المعهد التربوي بحلب, نشرتُ قصة رومانسية اسمها «نورا» ووصلت إلى أهل حبيبتي فمنعوها عني, وكان هذا أول إحباط لي في عالم الأدب. بيدَ أن هذا الإحباط لم يمنع هذا الأديب من المثابرة في اغناء موهبته, وبقراءةِ آدابٍ عديدة, عربية وعالمية مترجمة وهكذا إلى كانت انطلاقته بمجموعة «حكايا النورس المهاجر». الطاهر وطار - أديب جزائري: بعد «دخان من قلبي».. قررتُ أن أصبح كاتباً « أنا ابن بادية من قبيلة بربرية. أي أنني ورثت تشكيلة لغوية غير العربية في صباي. ولدت في مرتفعات جبلية عالية ومحاطة بالأشجار, وعايشت حكايات الجدات والأمهات وسط عواء الذئاب. عملت راعياً أو بالأصح كنت أعوِّض غياب الراعي أحياناً, ولأنني ضعيف البنية فقد عشت عدم الانسجام مع أترابي, فلا ألعب أو أمرح معهم بل أعهد دائماً للتأمل». هذا ما ذكره «وطار» عن نشأته. تلك التي كان لها أشد الأثر على دعم موهبته الأدبية التي كان يستشعرها تمتلكه كل يوم, وأثناء عودته من المدرسة إلى المنزل. حيث كان يروي كل ما كان يقرأه من حكايات, للإخوة والأصدقاء والجيران.. هي بداياته. البدايات التي أغناها بعد أن ذهب إلى «تونس» ليدرس في «جامع الزيتونة» وبعد أن اكتشف أن هناك ثقافة أخرى موازية للفقه وعلوم الشريعة, وهي الآداب المتنوعة التي كان يقرأها ومن ثمَّ يسردها ولكن بعد أن يضيف إليها الكثير مما يؤلفه. هكذا, وبعد أن تمرَّس «وطار» في القراءة والكتابة الأدبية, أصبح من أغزر كتاب القصة. تلك التي قال عن بدايته معها: «عندما ذهبتُ إلى تونس قرأت مجلة «القصة» التي تصدر في «مصر» وهي سلسلة تترجم أكثر مما تنشر, وبمجرد أن قرأت العدد الأول منها, كتبت قصة «دخان من قلبي» وأرسلتها إلى جريدة الصباح, فنشرتها وفوجئتُ بذلك, ومن يومها قررتُ أن أصبح كاتباً».. غالب هلسا - أديب أردني: أدخلني «وديع والقديسة ميلاده».. عالم القصة لقد كان نبوغه المبكر في الدراسة, سبباً في تعرُّضه لاضطهاد الطلاب الأكبر سناً, ولقد فرض عليه تفكيره الحر, التنقل بين شتى الدول العربية, وبعد أن ترك بلده «الأردن» وكان في الثامنة عشرة من عمره.. بيد أن انعكاسات كل ذلك, إضافة إلى الأحداث التي شهدها في كلِّ بلدٍ انتقل إليه فاضطرَّ لمغادرته. كان لها أشد الأثر على حياته وإبداعاته, وهو ما أشار إليه في أكثر من مرة, ليكون ما دلَّ على نبوغه المبكر, قوله: «في المدرسة, وبسبب بنيتي الجسمانية الضئيلة وكثافة الطلاب الكبار حولي, كنت أكتب مواضيع الإنشاء لعشرة منهم على الأقل لإرضائهم, لكنهم ظلوا يحتقرونني لأنني لم أكن أصلح إلا للكتابة التي لا يرون بأنها تجعل الإنسان رجلاً». حتماً, كان كل ذلك من المحرضات التي أوقدت موهبة استقى مفرداتها, من العراق وبيروت واليمن ودمشق وأيضاً الأردن. وطنه الذي غادره ليعود إليه جثماناً وبعد أكثر من ثلث قرن. أما عن بداياته الإبداعية, فنختار ما قاله عنها في كتاب» أدباء علموني وأدباء عرفتهم» ومنه: «لم يشجعني أحد على المضي في ممارسة الكتابة لكن, بدأت أكتب وأكتب, وإلى أن أدخلني كتابي «وديع والقديسة ميلاده وآخرون» عالم القصة القصيرة.. بعدها, ومع استمراري في كتابة القصص انطلقتُ إلى عالم الرواية. |
|