تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«أطفالنا.. بين القديم والحديث»

معاً على الطريق
الخميس 9-5-2013
لينا كيلاني

لاشك أن الزمن قد تجاوز قصص الأطفال المباشرة شعراً ونثراً لتطور أساليب التربية الحديثة بعيداً عن الوعظ والإرشاد وعن التقريرية الكاملة التي لا تترك مجالاً للطفل في أن يستنتج، أو أن يقرر قبول ما يقدم له أو ربما رفضه.

أما النقّاد فقد درجوا على اعتبار أن القصة التعليمية هي التي توجه تلاميذ المدارس بالتحديد والصغار عموماً نحو قيم معينة: أخلاقية، أو وطنية، أو قومية، وربما دينية أيضاً، بينما لم يبتعد التاريخ عن هذا الإطار، وكذلك الأشعار التي أدرجت في المناهج التربوية كشعر (أحمد شوقي)، و(حافظ ابراهيم)، و(الرصافي)، وغيرهم، كما أدرجت قصص شعرية أخرى كالقصص الخيالية للفرنسي (لافونتين) التي تبدأ بحكمة معينة أو تنتهي بها هي المحور لهذه القصة الشعرية. ولا نستبعد في هذا المجال بشكل عام ما اغترف من (كليلة ودمنة) وثبت في المناهج التعليمية على أنه من القصص التعليمي، كما لم تغفل قصص الوعظ والإرشاد عن طريق الفكاهة والنكتة كقصص (أشعب)، و(جحا)، وما ورد في (المقامات) أيضاً.‏‏

والسؤال: مادامت وجدت قصة اسمها (القصة التعليمية) بشكل أو بآخر وأصبحت معتمدة في الكتب المدرسية فهل ظلت هذه القصة على حالها أم أن التغيير قد طرأ عليها؟ هل أصبح لدينا تلك القصة التعليمية التي تحمل سمات الأدب أي أنها فن ومعلومة أو توجيه وإرشاد بآن معاً؟ من الملاحظ أن القصة التعليمية التي ترد في الكتب المدرسية ظلت كما هي ولم تلامس عالم الأدب والفن بل ظلت أسلوباً فقط أي معلومات تسرد بشكل قصصي.‏‏

لقد أجمعت التربية الحديثة بمدارسها المتعددة على الانتقال من الكل الى الجزء في التعليم، أو مدرسة (الغيشتالت) الألمانية، وكما أُقرت التربية الحرة التي بدأتها (ماري مونتسوري) الايطالية، وتفرعت عنها اجتهادات كثيرة، كذلك دخل التغيير في لوائح التربية وانتقلت من الحديث الى الأحدث، حتى أن (مكارينكو) الروسي وضع خططاً تربوية لفتت انتباه العاملين في حقول التعليم ولو كانت على شكل قصيدة شعرية طويلة.‏‏

هذه نماذج من أسس تربوية تعليمية تعمل على ابتكار مختلف الوسائل التي تجتذب الطفل وتبث فيه الحماسة للتعليم، وتشوقه، وكان لابد أن تكون القصة وسيلة من هذه الوسائل. ومن هنا فتحت القناة في الأدب بين القصة وبين التعليم التي ظلت مدة طويلة في نطاق محدود جداً منذ بدأها (جان جاك روسو) الفرنسي بكتابه الشهير (أميل) وقد كان قصة طويلة لكنه يحمل أسساً ومبادئ تعليمية وتربوية.‏‏

إذن فالقصة التعليمية بهذا المفهوم لم تأخذ مسارها الفني حتى الآن وعلى هذا الأساس يمكن القول إن المسؤولية تقع على الكتّاب أولاً بحيث يكون منهم متخصصون في القصة التعليمية خاضعون لشروطها، ومتطورون، ومرنون بشكل يمكن أن يستوعبوا معه واقع الطفل لإيصال ما يراد إيصاله ضمن الأهداف المحددة والفن القصصي المشوق مع الحرص على ألا تتنافى قيمة ما في القصة مع قيمة أخرى.‏‏

للقصة التعليمية فوائد كثيرة لا تحصى وقد ثبتت هذه الفوائد لدى الأمم التي استخدمتها في العلوم الحديثة، وفي التكريس لأمجادها وتاريخها، وحتى في التنبؤات نحو المستقبل كعلم الفضاء والذرة وغيرها، وهذا النوع يلامس قصص الخيال العلمي لكنه يتوقف عند حدود الحاضر، ولا يلقي بتنبؤاته نحو المستقبل.‏

ومادمنا نحن العرب نسير في ركب التطور والتقدم، ونأخذ من المدارس التربوية ما يلائمنا، وما يعطي نتائج ملموسة لدى أطفالنا فما علينا إلا أن نؤكد ضرورة القصة التعليمية، وتشجيع الكتّاب عليها.‏

تروي إحدى المعلمات في صفوف ابتدائية تجربتها مع القصة التعليمية التاريخية عندما لم تستطع تقريب مفهوم الزمن بالنسبة لملوك فترة تاريخية معينة فإذا بها تنتقي عدداً من الأطفال، وتسمي كلاً منهم باسم واحد من الملوك، وعندما أمسكوا بأيدي بعضهم أدركوا الفارق بين ملك وآخر بحيث صاحت طفلة: آه.. إنه قريب مني جداً.‏

إن كل ما ذكرت لا يعني أن نجعل القصة التعليمية هي المحور والأساس في الكتابة للأطفال أو في أدب الطفل، إنها جانب من الجوانب ولو أنه هام جداً لكن الآفاق مفتوحة في أدب الأطفال لأنواع منوعة من القصص العلمي، والخيالي، والخيال العلمي، والتراثي، والتاريخي، والديني، الخ...، إنما المهم أن نرسخ هذا الجنس الأدبي وأن نوليه الاهتمام اللازم والرعاية الكاملة، وأن نقف أمامه باحترام لأنه أساس من الأسس التي تبنى عليه شخصية الطفل في المستقبل فهو فن مسؤول من كافة الجوانب، وليس أخطر من السير في أرض لا ندري ماذا ستكون عليه البذور التي نبذرها فيها.. هل ستكون صالحة أم ستكون ضارة وسامة؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية