|
دمشق عاصمة الثقافة العربية ومن أين لدمشق هذا الألق المتجدد ونبض الجمال الخلاق? إنه بكلمة وجهها الفكري المشرق الذي طلع في حياة البشرية شمساً متوهجة بالخير والعنفوان, وينبوعاً متدفقاً بالمحبة والوفاء, كل نسمة رقيقة وكل قطرة نقية وكل حبة تراب خضراء في دمشق تتضوع بعطر الفكر: كلمة طيبة وفكرة سامية وسطوراً مضيئة تعبر عن أرقى وأجمل ما في الإنسان. هكذا يبدأ محمد مروان مراد كتابه الشيق عن مدينة دمشق, والذي صدر عن دار الشرق تحت عنوان:دمشق سجل الإبداع الفكري. الكتاب حقيقة هو سجل توثيقي بالكلمة والصورة لمحطات هامة في حياة دمشق, بذل المؤلف جهداً دؤوباً يحسب له من أجل أن يقدم لنا سفراً منقى مما كتب في دمشق, ولا يقف عند الكلمة, بل يزين الكتاب بصور نادرة تخرج بعد طول غياب, وبعين الفنان والمدقق يلتقط مكامن الجمال في القول والصورة. جنة الأرض تحت هذا العنوان يكتب قائلاً: كانت دمشق الفيحاء وتبقى كلمة حلوة وعبارة جميلة على ألسنة الرحالة والكتاب والشعراء فقد فتنتهم بمعالمها التاريخية, وسحرت ألبابهم بطبيعتها المتألقة. هذا ابن جبير يصل دمشق في القرن السادس الهجري, الثاني عشر الميلادي فتعجبه, ويصفها وصفاً جميلاً يختمه بقوله :(إن كانت الجنة في الأرض فدمشق لاشك فيها, وإن كانت في السماء فهي بحيث تسافنها وتجاذبها). ويقول عنها ياقوت الحموي: (هي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارتها ونضارة بقعتها وكثرة فاكهتها ونزاهة رقعتها وغزارة مياهها وزاد على قوله: لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله). أما اليعقوبي فيصف دمشق بأنها:(مدينة جليلة قديمة, إنها مدينة الشام في الجاهلية والإسلام وليس لها نظير في كثرة أنهارها وعمارتها ونهرها العظيم بردى). ويذكر ابن بطوطة:(ليس في الشرق بلدة تداني دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور سكانها). ولأحد الحكماء عبارة في دمشق: (إنها عز اليوم وأمل الغد, أعزت الكثير وأذلت الكثير وزال هؤلاء وهؤلاء وظلت دمشق تنطق بلسان التاريخ تنصف المحسن وتدين المسيء). ويقول ألفونس دي لامارتين الشاعر الفرنسي الذي زار دمشق في القرن الماضي:(اقتربت فنفد بصري إلى أفخم وأغرب أفق, أدهش ذات يوم عيني إنسان, تلك كانت دمشق وباديتها التي لا حدود لها, كانت قباب مساجدها وقصورها الكثيرة تعكس أشعة الشمس الغاربة وكأن مياه أنهارها السبعة تغيب حيناً وتبرق زرقاء لامعة بين الدروب والبساتين). ويعبر سوفاجة, المهندس الفرنسي عن مشاعره فيقول: (دمشق بلد غني بالأسوار والمفاتن لا يقدم للزائر كل ما عنده دفعة واحدة, ولكنه لا يكف عن العطاء أبداً). ويضيف رينان الفيلسوف الفرنسي الشهير: (منذ أقدم الأزمنة حتى اليوم لم تعرف هذه المنطقة التي تحبو دمشق بالنضارة والرفاه إلا اسماً واحداً, ولم توح إلا بحلم واحد هو جنة الأرض). وللكاتب موريس بارين وصف مميز, يقول:(دمشق عتبة البادية وينبوع الجنة, إنها حلم قديم يستريح على شاطئ بردى تحت أشجار الجوز, إنها جزء من الخيال وموطن للشعر والغناء). وفي نهاية الكتاب يقدم باقة مختارة من قصائد الشعراء الذين تغنوا بدمشق ومن هؤلاء: أحمد شوقي وأنور العطار وعبد الكريم ناصيف والجواهري ونزار قباني وجورج صيدح ومحمد البزم وبشارة الخوري الذي نقتطف من قصيدته (قالوا تحب الشام) قوله: بردى هل الخلد الذي وعدوا به إلاك بين شوادن وشوادي قالوا: تحب الشام?قلت: جوانحي مقصوصة فيها وقلت: فؤادي. |
|