تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دمشق تكرّم شاعر ها نذير العظمة

شؤون ثقا فية
الأحد 13/4/2008
فادية مصارع

في أمسية دمشقية متميزة بمكتبة الأسد, كرّمت دمشق ابنها البار, الذي ولدت كلماته وقصائده البكر في أرضها, فبعد أن شرّق وغرّب وجابت أشرعته عباب البحر مردداً بصوته المجلجل (تحيا سورية) عاد ليرسو على شواطىء الوطن, الذي أزهر في مخيلته تاريخاً آتياً فركع عند عتقه.

اتحاد الكتّاب العرب أقام حفل التكريم برعاية وزارة الثقافة ,شارك فيه عدد من الشعراء والأدباء والباحثين السوريين واللبنانيين , بدأه د. علي القيم الذي ناب بكلمته عن وزير الثقافة معتذراً عن عدم حضوره, بسبب انشغاله بحفل افتتاح صالة الكندي المصادف في اليوم ذاته.‏

طائر العنقاء المتجدد‏

ثم تحدث د. القيم عن إسهامات د. نذير العظمة التي لاتعد ولاتحصى, ففي الشعر قدم دوواين عدة عبّرت عن مدى إحساسه المرهف وروعة إبداعه, وحرصه على أن يكون مجلياً وواعياً لدوره الحضاري , فكان طائر العنقاء الذي يبحث دائماً عن شيء جديد, وطائر الفينكس الذي ينتفض من تحت الرماد ليقول كلمة وليعبر عن مشاعر وأحداث مرت بها هذه الأمة, وبرأيه أن العظمة لم يأخذ حقه الكافي من التقدير, وهو يحتاج إلى وقفات طويلة نقدية وبحثية حتى نستطيع أن نصل إلى عمقه.‏

شابَ لكنه بقي شاباً‏

والغياب الثاني اللافت كان لرئيس اتحاد الكتّاب العرب د. حسين جمعة , ألقت كلمته بالنيابة الشاعرة فادية غيبور, التي صرحت بأنها تخوض هذه التجربة للمرة الأولى, ولذلك فضلت أن تلقي قليلاً مما حمّلها إياه د. جمعة وفاءً للأمانة, ثم تقول ماحلا وخطر ببالها.‏

وجاء في الورقة الكثير من الإعجاب والتقدير والمحبة يزجيها رئيس اتحاد الكتّاب لصديقه الشاعر والباحث د. نذير العظمة, ويتمنى له المزيد والمزيج من التألق , وهو الذي منح اللغة العربية وعياً بقضايا أمته, في الوقت الذي كان يعطي الإيقاع حركة تقنية شعرية حداثية دون أن يجعل أيّ اعتبار للحظة الكتابة, لأنها تنطلق من حالة شعورية منفعلة بالحدث والموقف, فالجملة الشعرية لديه تخترق المحظور في كمية الإيقاع وإن بنيت على النسق التقليدي كما هي في عدد من قصائده وفي توظيفه للأسطورة, مشيراً أي د. جمعة إلى أن د. نذير العظمة تتلمذ على أيدي أساتذة دمشق الكبار كالعالم محمد المبارك, ورافق عدد من أعلامها المعروفين كغسان الرفاعي ومطاع الصفدي وعارف ملص, كما أنه نهل من روائع الكتب ولاسيما ماكان يترجم من الروايات الروسية وخصوصاً ديسكوفسكي , وتطرق د. جمعة إلى منهجه الفكري وانتمائه السياسي وتجذره في أرض سورية.‏

أما غيبور فترى أنه الشاعر الشاب الذي يتحرك بسرعة فكرياً وكتابة, فلا يستطيع أن يجلس يوماً بلا عمل وقد جعلني - والكلام لغيبور- أشعر بأنني خسرت فرصة الإطلاع على إبداعه كاملاً منذ وقت بعيد.‏

دهشة طفل ورؤية عالم‏

صديقه الذي رافقه في مجلة شعر منذ تأسيسها عام 1957 د. راتب سكر يراه يطّل على الوجود من علوٍ شاهقٍ , كأنّ جبلته تحمل جذوة من همة قاسيون, وهو الشاعر المترجم والمسرحي والروائي, والناقد المقارن والمنظم الثقافي الذي يتنوع عطاؤه تنوعاً متصلاً بحيرته الفلسفية المتوشمة بقلق وجداني يضيق بشاعر كبير, ويشير د. سكر إلى عمق ثقافته العربية والعالمية والتي تجلت بدءاً من ديوانه (نواقيس تموز) إلى مسرحيته (أوروك تبحث عن جلجامش) ثم رواية الشيخ ومغارة الدم, وكتابه النقدي التغريب والتأصيل, وبدر شاكر السياب, كل ذلك يؤسس حواره مع عناصر تلك الثقافات على اعتقاد بوحدة الوجود وجوهره.. إذ كانت مؤلفات في الشعر والرواية والنقد 1922 مواكبة لاهتمامه الأصيل بحوار الثقافات ومؤسسة لشغله الجاد على الأدب المقارن. أما في قصائده على حد قول د. سكر فتهيمن دهشة الطفل على رؤية العالم.. ويختم قائلاً: إن شخصية نذير العظمة تشّع بأنوار جبرانية واضحة تعكس شيئاً من كبرياء تلك الأنوار وتساميها وتمردها وجدها العظيمين على مفردات وجودها من البشر والأمكنة.‏

دمشق عاصمة للثقافة دائماً‏

فارس من فرسان الكلام , شخصيته لبنانية وسورية وعربية مرموقة , لها صفات سياسية وإدارية كثيرة ربما أصغرها أنه نائب في البرلمان اللبناني, بهذه العبارة أعطى د. سكر الكلام للدكتور مروان فارس الذي قال : إن دمشق هي عاصمة الثقافة العربية ليست هذه المرة فحسب, بل دائماً وخاصة وهي تكرم شاعراً كبيراً مثل نذير العظمة, الذي رآه الجميع شاباً, فهو عند د. فارس ذاته قبل سنوات , وهو ذاته بعد سنوات , صور نذير العظمة كما يراها فارس في الشعر هي مشروع إعادة إعمار للحياة المتهاوية بالحب, فالحب عنده هو إعادة إعمار للحياة.‏

ويتابع د. مروان : العظمة يجري في شعر الأسطورة إضافة جديدة لذلك فإنه يتميز عن غيره من شعرائها , كان نذير العظمة يفجّر العشب أعشاباً, يولد صوته وتموت على نبضه شهوات الضعفاء وتندى جروح الحياة, الحب عنده الموت من أجل الحياة, الفكرة التموزية لديه أن الماء صديق للنار والريح.‏

ذلك هو نذير العظمة المبدع, والإبداع في حد ذاته التزام بالحداثة, والحداثة إضافة إلى ما كان في الأدب وما سيكون , ذلك أن د. العظمة شاعر متميز من مؤسسي شعر الحداثة , وضع روحه في كفه أعطاها لغيره .‏

الأديب المنارة‏

د.ربيع الدبس أستاذ النقد والأدب المقارن في الجامعة اللبنانية أشار إلى نقاط ثلاث:‏

تطرق في الأولى إلى الفرق بين الخرافة والأسطورة, ذلك أن للأسطورة مغزاها الفلسفي حياة وموتاً وبعثاً , ولهذا فهي متجذرة في الثقافة العربية ومن هنا تأتي أهميتها.‏

والثانية: أن الحداثة عرفت بتنويعات كثيرة , لكن أهم ما فيها أنها موقف من القيم عامة ومن الأدب بشكل خاص.‏

أما الثانية فقد أشار د. الدبس فيها إلى أن الكتب المزيفة -على حد قوله- علمتنا أن الأدب هو ابن بيئته وعصره , فيما الأديب الحق هو الأديب المنارة لا الأدب المرآة, وأن التجديد في الأدب لايأتي من تلقاء نفسه, أي أنه ليس نتيجة بمقدار ما هو سبب, بمعنى أنه نتيجة حصول الثورة الفكرية والاجتماعية والسياسية لشعب بأسره وتحوله إلى منظورات ومفاهيم ومنطلقات جديدة, ويتابع الدبس قائلاً: كم كان محقاً أمين نخلة عندما اعتبر أن العمق عند الشعراء يقذف اللؤلؤ, وأن الذي يحفر صدره حفراً حتى يتفجر بين يدي القراء على الورق أخلص بعنايتنا من أصحاب الأدب السهل الذين لاتشقى أقلامهم من أجلنا.ود. نذير العظمة يرتفع إلى هؤلاء الذين يستحقون كل الإجلال والتقدير وهو الشاعر الملتزم الحقيقي المصرّ على الخطيئة الفضيلة , وهي حب الوطن والتمسك به. فالأدب الحق, حيث يكون الشاعر والكاتب إشعاعاً فياضاً بالنور والجدْ وآثراً بالكيمياء , كيميائيته الشعرية النابعة من نفسه, وكيميائيته النفسية المتفاعلة مع المتلقي, ومع نذير العظمة تكثف النص وارتحب وتلاقح المدى الشعري والرؤيوي في شهقة اللفظة ودهشة الفكرة‏

شاعر جديد ومتجدد‏

أما غسان كلاس مدير الثقافة فتحدث عن دمشق وتجلياتها الجمالية في شعر نذير العظمة الذي كان خير سفير للضاد في المحافل الدولية, وأكسبته الغربة خصالاً, أهمها سعة الأفق فهو الرجل الجديد المتجدد من غير ضجيج , والشجرة المباركة دائمة الخضرة المتفتحة في كل الفصول.‏

محمد إبراهيم العلي تحدث عن النضال السياسي للعظمة, وتعرضه للحكم بالإعدام معتبراً إياه جيفارا سورية.‏

د.نزار بريك هنيدي تحدث بشيء من الإسهاب عن المسرح الشعري في شعر نذير العظمة, مشيراً إلى أنه أنجز مسرحياته قبل ظهور صلاح عبد الصبور, الذي نشر مسرحيته الأولى ,1964 وأن له ثلاث مسرحيات هي ابن الأرض 1952م. وجراح من فلسطين ثم جسر الموتى .1961‏

علاء عبد المولى تعرض لموضوع تأصيل الحداثة وتحديث الأصالة, مذكّراً أن العظمة أدرك أن لاحداثة دون تراث, لأنها ستكون قفزة في الهواء.‏

سيفي دمشقي‏

الشاعر عبد القادر الحصني أراد أن يكرّم د. نذير العظمة شعراً فأجاد قائلاً:‏

بادٍ هواك لمن يراك ومتعبُ‏

ماذا تريد من الحياة وتطلبُ‏

ضربت جناحيك بالنجومِ فواحدٌ‏

دامٍ وآخر بالضياء مذهب‏

فرنوت تمسح قاسيون بنظرةٍ‏

هي فوق ما يملي الزمان ويكتب‏

سيفٌ دمشقي وشاعرُ أمةٍ‏

ينمى إلى الشام العريق وينسب‏

يحيا وتحيا سورية ما أنجبت‏

للشعر عملاقاً وأنشد معجبُ‏

/وإن غابوا/‏

يبقى الكبير كبيراً, وإن غاب عن التكريم وزير الثقافة, ورئيس اتحاد الكتّاب, لكن د. نذير العظمة أبى إلا أن يعتلي المنصة ليشكر وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب على تكريمه , وليتقلد وسامه ويضعه على صدره على حياة عينه, لاعلى -شاهدة قبره- وهو ما أشاد به د. ربيع الدبس , أي تكريم المبدعين أحياء, ود. العظمة آثر أن يكرّم أيضاً الحضور بقصيدة ختامية حملت عبق دمشق التي حمل حبها ردحاً من الزمن وظن أنه لن يصل إليها إذ لاتزال نبضاً وحنيناً وإباءً وعنفواناً فقال:‏

ما وصلنا إلى دمشق ولكن‏

قد عشقنا إلى دمشق الوصولا‏

فالعودة إلى دمشق -كما يراها د.العظمة - هي العودة إلى الرحم ومنه الولادة الثانية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية