|
تحقيقات في البداية عولنا على الجانب الأكاديمي والمعهد العالي للعلوم الادارية وجاء خبراء فرنسيون ورحلوا, واستبدلنا الشيوخ بالشباب وأعدنا بعض الشيوخ لضرورات الخبرة, وأمعنا في التخطيط وصياغة المشروعات ووضع المؤشرات وشعرنا بالتخمة من الندوات وورشات العمل. ثم رحنا نتحدث عن روابط وعلاقات بين الاصلاح الاداري وإصلاحات أخرى في مناحٍ مختلفة أهمها الاقتصاد, وشرعنا نحلل ونركب ونرسم مخططات ومؤشرات جرعتنا كؤوس التفاؤل مترعة.. ولم تزل بقايا الكؤوس تدير رؤوسنا. بعد ذلك انتبهنا الى أن النزعة التجريبية توردنا ظلمات المجهول الذي ما إن يبدأ بالتكشف حتى ندرك أن مؤشرات الفساد تقدمت على حساب مؤشرات طموحاتنا وأن نزعتنا التجريبية ليست إلا تصورات ذاتية مغلفة بقشور المنطق والعلم وأرقام الاحصاء والأهم بعباءة المصالح الشخصية قبل العامة.. وأن النزعة التجريبية الحقيقية المعتمدة على أسس دقيقة وواضحة من الوقائع والمعطيات والأهم على الاختبارات لم تزل هي أيضاً تنتظر النور. في سياق ما تقدم, كان من الطبيعي أن يبرز العجز عن تأمين الحد الأدنى من الاستقرار الاداري في مؤسساتنا, ورغم وضع شروط وآليات لاختيار المديرين, إلا أن هؤلاء ما زالوا مؤقتين, سواء كانوا فاشلين أم ناجحين, رغم مضي سنوات على تعيينهم, ووصل الأمر بأحد الزملاء الى توصيف هذه الحالة بعبارة واحدة: (نحن بلد المؤقت الدائم). قد تبدو هذه المشكلة بسيطة مقارنة بغيرها, لكنها في حقيقة الأمر هي نتيجة تترتب عليها نتائج أخرى لعل أهمها وأخطرها هي مسألة شعور المدير بحالة الأمان في موقعه والأهم إتاحة الفرصة أمامه لإنجاز مشروع مؤسسي بدل أن يبقى محكوماً بلعبة التوازنات التي يبدو أن الكثيرين أتقنوها بحيث تحولوا الى دائمين بصفة مؤقتين. |
|