|
سورية زووم وامتعاضها من (نسوان اليوم) كانت تكفي وحدها للتحدث عن أيام مضت وأخذت شبابها معها..أطلقت نفساً طويلاً, وهي تراقب أمي المنهمكة في حشو الباذنجان لإعداد(المكدوس) - ملك المؤن في منزلنا - ثم ما سرعان ما استرسلت في حديثها قائلة: ) تخزين المؤن ليست عملية بسيطة, بل تحتاج خبرة ودراية...
ومدبرة المنزل الذكية الماهرة والخبيرة تحسب الأمور جيدا ً, وتحرص على أن لا يخلو بيت مونتها من أي صنف. كان التجفيف سيد التخزين في مونة تلك الأيام...فكنا نجفف الخبيزة والملوخية والهندباء والبازلاء والفاصولياء, والبامية والباذنجان اللذين كنا نصنع منهما حبالا ً ننشرها تحت الشمس ليكون جفافهما سريعا..أما المربيات فكنا نتفاخر من تكون مملكة المربيات, وجدتك كانت الملكة الأولى في صنع المربيات ومعجون البندورة, فما اقتنعت (بنفسي) امرأة سواي بصنعها, وأهم ما كنا نحرص على تخزينه البرغل سواء كان خشنا ً أو ناعما ً وكنا نخزنه بكثرة . وكنا نخزن اللحم, نضعه في مطربانات ونضيف إليها الدهن والسمن المذوب وهذا ما كانوا يسمونه / القديد/... حتى الحطب كنا نخزنه !! فأيامنا البعيدة لم يكن فيها مكان للمازوت والتدفئة الكهربائية. تلمع الدمعة في عين جدتي وتتابع وقد أثقلتها الذكريات...تتنهد: (بتعرفي)..تغيرت الأيام, نساء اليوم يجلبن المونة جاهزة, ولا أعرف كيف يركن إلى نظافتها, أما أنا فكنت أنتقي صناديق البندورة بيدي وأقطعها وأعصرها وأغليها وأنتظرها حتى تجف دون أن أسمح لأحد أن يمد يده بالمساعدة أوغير ذلك , حتى المكدوس لم يكن أمره سهلا ً كما هو اليوم. لا تؤمن جدتي بنساء اليوم, ورغم أنها كانت أول من اشترى ثلاجة في قريتها وأول من بدأت المون بالتبريد إلا أنها ما زالت تردد: )سقى لله أيام التجفيف ) |
|