تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نصيحة الأجداد:(موّن لعيالك...لتشيل الهم عن بالك)....المختصر في تاريخ المونةالشتوية..وحاضرها

سورية زووم
الأربعاء 27 /9/2006م
لم تعرف الحاجة أم علي, ابنة الثمانين عاماً, انقطاعاً في ذاكرتها انقطاعاً لتقليد (المونة), وقد تعلمت أساليبها عن أمها ونقلتها إلى ابنتها مع زيادات نسبية, قالت إنها جاءت في الغالب نتيجة التطور الكبير الذي أوجدته تقنيات الخزن والتبريد.

تحدثنا أم علي عن أجواء التحضير للمونة أيام زمان, تستحضرها بمثل شعبي قالت إنها حفظته عن جدتها يقول: (بأيلول وتشرين موّن لعيالك, وشيل الهم عن بالك), قبل أن تتابع بلهجة الخبير العارف: ( مونة الشتاء في البيت, يا ابني, مثل القرش الأبيض الذي تخبئه لليوم الأسود, ومتى وجدت القمحات والبرغلات والدهنيات والحطبات بيرتاح البال).‏

وراحة البال التي تعنيها أم علي هي الخروج من دائرة الضائقة المعيشية, والتي غالباً ما تضيق أكثر في فصل الشتاء, فهو فصل (مصاريف المازوت والمدارس), على حد تعبيرها, وفيه يغيب عدد كبير من أصناف الخضراوات والأطعمة وإن وجدت فهي غالية الثمن.‏

ولا تخفي أم علي حقيقة (نفس بني آدم التي تشتهي أكل الصيف) والتي غالباً ما تبدو متطلبة في فصل الشتاء حيث يركن الجميع للجلوس في البيت إلى الدفء المنبعث من المدفأة. هذه الرغبة المتطلبة تبدو الخيط الأساسي الذي يربط ظاهرة المونة الشتوية بين العائلات السورية على اختلاف مرجعياتها الاجتماعية والاقتصادية, وإن بدت عند العائلات الغنية (خصوصاً أهل المدن) هي الأساس, خلافاً للأحياء الشعبية وأهل القرى والأرياف, حيث تبرز متطلبات إضافية في حياتهم تستدعي تخزين الغذاء للشتاء, تقول أم حيدر من سكان بلدة سرغايا الجبلية‏

غربي دمشق: (ما بتحس بقيمة المونة بالبيت, مثل اليوم يلي يكون فيه الثلج عم يهطل, أو آخر الشهر عندما يطير الراتب...).‏

ووفق هذه الرؤية التي أوردتها أم حيدر تتضح قيمة ادخار القرش الأبيض, وجدوى المونة في الطبقات الفقيرة وخصوصاً مع ما أكده لنا أبو أحمد (بائع خضراوات) من أن فروق الأسعار وصلت في بعض الأحيان للنوع الواحد من الخضار بين أول الموسم وآخره إلى عدة أضعاف. وأضاف الرجل ساخراً: (تصوّر يا أستاذ, وصل سعر كيلو البصل في أحد السنوات, نحو ضعفي ثمن كيلو الموز...والموز نستغني عنه, ولكن هل نستطيع الاستغناء عن البصل...?!).‏

وبخلاف النظر إلى الأسباب الموجبة لاتساع الاهتمام بتأمين مؤونة الشتاء الغذائية, تبقى هذه الظاهرة هي الأقدم في تقاليد العائلة العربية, بل وقد تأخذ عند بعض ربات البيوت شكل هوس لا ينتهي, فتدخل الواحدة منهن في ورشة تموين لا تنتهي وتخصص لذلك مستودعات وبرادات خاصة, وربما يتسع الأمر ليدخل في بعض الأحيان حيز البهرجة و(شوفة الحال), كما تقول أم بشار, فبعضهن لا تكف عن الحديث عن كلفة مونتها هذا العام وكميتها, أو التباهي بمهارتهن في طريقة تخزين هذا النوع من الخضار أو ذاك, وفي أحسن الأحوال إسداء النصائح وقص تجاربهن مع المونة في هذه الصبحية أو تلك...).‏

وسواء قبلنا نصائح البعض الذي تحدثت عنه أم بشار أم لا, ثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها, بأن تحضير المؤن وتخزينها يحتاج لخبرة جيدة (لا تقبل المغامرة, كما قالت إحدى السيدات, فالأمر لا يتعلق بمبلغ ضخم يرصد من أجل هذه المونة وحسب, بل يتجاوزه نحو الحسرة التي ربما ترافقك طيلة فصل الشتاء لغياب صنف معين عن مونتك, فضلاً عن الغمز واللمز من الأخريات...).‏

والحديث عن تجهيز المونة وتخزينها ,ذو شجن عند الحاجة أم علي, زاد إغراءه بأنه حديث للصحافة اعتذرت عن الوقوف أمام عدسة تصويرها, واكتفت بنشر خبرتها التي قالت إنها الأهم, تقول أم علي: (كل شيء يمكن تموينه, القمح والبرغل و العدس والدهن والخضراوات بأنواعها كالبندورة و البصل والثوم والفاصولياء والباذنجان والملوخية والفليفلة, فضلاً عن الزعتر والنعناع والمريمية, بالإضافة إلى تخزين الكشك واللبنة والزيتون والزيت.... والمربيات بأنواعها كافة, وهذا ال(كل شيء) لا يعني أن تقوم به العائلة كله, فلكل مكان مونته الخاصة...).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية