تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ترجمات رديئة

آراء
الأربعاء 27 /9/2006م
د. هيفاء بيطار

ما من شك ان الترجمة هي وسيلتنا الأمثل للإطلاع والتفاعل مع ثقافات الشعوب الأخرى , وأنا من الأشخاص الذين يضعون في اولوياتهم شراء كتب مترجمة في معارض الكتب , وكلنا نذكر الغزو الجميل لأدب أميركا اللاتينية إلى العالم العربي خاصة بعد فوز غابرييل ماركيز بجائزة نوبل للآداب .

لكن كيف حال الترجمة في عالمنا العربي اليوم ? - أي الكتب التي تترجم الى العربية - بالتأكيد هناك ترجمات ممتازة , بل تكاد تتفوق على النص الأصلي فالترجمة إبداع مثلها مثل أي فن , مَن مثل صالح علماني يترجم بتلك الحرفية والإتقان العاليين عن الاسبانية , ومَن ترجم دوستويفسكي بإبداع مدهش مثل سامي الدروبي .‏

بل ان احد أساتذة الأدب العربي الحديث في جامعة باريس قال لي ان طلابه أعجبوا بأسلوب عفيف دمشقية حين ترجم لأمين معلوف , أكثر من أسلوب أمين معلوف ذاته .‏

لكنني لا أستطيع التغاضي عن ظاهرة مُتفشية , ومتزايدة بشكل خطير هي الترجمات الرديئة , ان لم اقل الكارثية .‏

وأحب ان أعطي مثالاً , فمنذ ثلاث سنوات اشتريت كتاباً لهنري ميللر مترجماً الى العربية تحت عنوان (صبوات ) . اذكر أنني طوال وقت قراءتي لهذا الكتاب كنتُ أحس بضيق شديد , وتحوّلت عملية القراءة إلى مشقة حقيقية , فالترجمة رديئة والأسلوب غامض ومنفر واحتاج ان أعيد قراءة المقاطع مراراً كي افهم المعنى الضبابي , وينتهي بي الأمر الى تخمين المعنى !‏

بعد اشهر صدرت ترجمة الكتاب نفسه عن دار أخرى , ومن قبل مُترجم آخر لم اصدق ان الكتاب الجديد بعنوان نكسوس هو نفسه صبوات ! كانت الترجمة الجديدة ابداعاً حقيقياً , اسلوب سلس شيق , ووضوح وبساطة في العبارات إضافة للعمق والقدرة المذهلة على نقل أفكار وروح هنري ميللر .‏

ثمة مئات من الكتب المترجمة ترجمة رديئة للغاية , اذكر منها , رواية ساعات ورواية المريض الإنكليزي , وإله الأشياء الصغيرة , لأرندوتي روي , وغرفة تخص المرء وحده لفيرجينيا وولف ... وغيرها الكثير الكثير ...‏

ان الترجمات الرديئة تسيء للقارىء وللمؤلف معاً , فأي انتهاك للكاتب أن يُقدم بطريقة رديئة , وان لا يتمكن القارىء من الاستمتاع بالأسلوب والأفكار ?‏

اساساً نحن نحتاج لأساليب جذب الناس للقراءة , وحين يجدون بين أيديهم ترجمات رديئة ينفرون من القراءة , بل تتولد آلية عدائية بين الكتاب والقارىء .‏

ترى لماذا لا توجد رقابة على الترجمات ? لماذا لا تنهمك لجان القراءة في وزارة الإعلام بالتدقيق بالترجمات , بدل التدقيق بالمخطوطات المقدمة لها من قبل الكتاب ?!‏

ان هذا الاستسهال في عملية الترجمة غير مقبول , فالسوق يطرح ترجمات لمترجمين لا نعرف شيئاً عنهم , وعن إمكانياتهم , وهل هم جديرون بلقب مُترجم ?!‏

أخيراً هناك جوانب ايجابية للعولمة , وهي حين تتصل شعوب العالم مع بعضها بواسطة الثقافة , حين تطلع هذه الشعوب على ثقافات بعضها , عن طريق الكتب المترجمة ...‏

أفلا تستحق الترجمة اهتماماً جدياً وجاداً من قبل الجهات المختصة مثل وزارة الإعلام ووزارة الثقافة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية