|
آراء
لقد جسدت الوحدة ذلك الحلم الذي حمل إلينا أملا بلا حدود. كنا في حالة تخبط, ولا أقول فقط في حالة اليأس من إمكانية الخروج من ازمات متلاحقة أحاطت بوطننا تحققت الوحدة وكانت سبيل خروجنا من واقع الأزمات المتلاحقة, داخليا وخارجيا , إلى أفق مضاء بالأمل الواسع. ولكن, مع مجيء يوم الفاجعة في الثامن والعشرين من أيلول عام ,1961 انهار الحلم حلمي الذي كنت أراه سبيلا لاثبات ذاتنا العربية, إن صح التعبير, في زمن التآمر على حاضرنا ومستقبلنا. يوم الانفصال المشؤوم غيّر المعادلة ليس في سورية فحسب بل في أرجاء المنطقة كافة. ومع مرور الوقت بدأت الآمال تتقلص وتضمر وصولا إلى حالة التفرقة والشرذمة التي شاهدنا ونشاهد تداعياتها كيف هي لاتزال تنعكس على واقعنا العربي إلى يومنا هذا. أقول لست أزعم بأنني كنت أكثر المتألمين والحزانى مما حدث في ذلك اليوم المشؤوم, ولكنني كنت, بالأكيد, أحد الذين تبددت أحلامهم بانهيار الوحدة, وذلك بسبب معايشتي التجربة التاريخية عن قرب ولسنوات معدودة. في أحد أيام شهر آب من العام ,1958 استدعيت للرئاسة في قصر المهاجرين, كنت في العشرينات من عمري, وكان اللقاء مع المشير عبد الحكيم عامر, نائب رئيس الجمهورية, أول لقاء أجريه مع مسؤول بهذا المستوى, قدمني إليه أستاذ الجيل آنذاك المرحوم نشأت التغلبي مدير المكتب الصحفي في الرئاسة, قال: هو ذا أمامك الكاتب الصحفي الذي سألتني عنه وكنت تتابع مقالاته في جريدة الوحدة. بعداللقاء بساعات قليلة, صدر قرار نقلي من ملاك جريدة ( الوحدة) حيث كنت أعمل تحت إشراف أستاذنا الراحل جلال فاروق الشريف, إلى ملاك القصر الجمهوري, محررا في المكتب الصحفي إلى أن غدوت, خلال بضعة شهور, مديرا للمكتب المذكور, بعدما قرر الأستاذ التغلبي التفرغ للمكتب الصحفي في رئاسة أركان الجيش والقوات المسلحة. وبدأ الحلم يأخذ أبعاده الواقعية لدي: الوحدة العربية استعادة الأراضي التي سلبت من الوطن الأم, تنامي الشعور بالنصر على أعداء الأمة في فلسطين المحتلة. الخ. وفجأة, ينفذ المتآمرون جريمتهم في القضاء على الحلم والأمل في نفوس رعايا الجمهورية العربية المتحدة, لتنكفئ سورية على نفسها من جهة, ولتنكفئ مصر على نفسها من جهة, انتظارا لليوم الثامن من آذار عام .1963 ونحن نستعيد, غدا الخميس , ذكرى ذلك اليوم المشؤوم من أيام شهر أيلول ,1961 يصعب علي التصديق بأن حلم الوحدة قد انهار تماما, كما يصعب علي التصديق بأن الأمل بعودة الوعي إلينا قد اضمحل تماما , أقول ذلك لأننا, في سورية الحاضر والمستقبل كما كنا بالأمس, مازلنا نؤمن بأن القضايا الكبرى تبقى حية في ذاكراتنا الشعبية ولا يمكن أن تندثر مع مرور السنوات, كما الذكرى التي تشدني اليوم إلى أحد أيام شهر آب من العام 1958 ويبقى حيا في الذاكرة ولايندثر. Dr-louka@maktoob.com |
|