|
اقتصاديات قد يكون بعض المشاهدين من غير السوريين فوجىء من الشفافية والصراحة اللتين اتّسم بهما كل مقطعٍ من كلام السيد الرئيس. وهذا (عنصر المفاجأة) ليس مستغرباً فكثير من رؤساء الدول يزيّنون الواقع ويضخّمون إنجازاتهم دون التعرّض مطلقاً لأي من السلبيات مهما كبُرت.في حين جاء خطاب السيد الرئيس,كما عوّد شعبه في خطاب القسم الأول عام ,2000كشف حسابٍ دقيقٍ عن الولاية الدستورية التي انقضت وبيان التزامٍ دقيقٍ للولاية التي بدأت.وقد يستغرب بعضنا لماذا قصرت المفاجأة على غير السوريين وما ذلك إلا لأن السوريين قد تعوّدوا تناقل الأحاديث فيما بينهم على مدى سبع سنوات خلت, على الشفافية والصدقية اللتين تشيعهما الأحاديث والوعود التي يقطعها السيد الرئيس في أحاديثه الى الصحافة المحلية ووكالات الأنباء الخارجية.بالطبع سنحتاج الى الكثير من المقالات والتحليلات للإحاطة بما جاء في خطاب القسم ولكننا سنكتفي في هذا المقال بالحديث عن مسألة مكافحة الفساد التي مرّ عليها السيد الرئيس في مورد الحديث عن الاصلاح الإداري.وباعتقادي أن السيد الرئيس ركّز اهتمامه في الولاية الدستورية الأولى على الاصلاح الإداري مدخلاً لتحقيق التنمية الاقتصادية ولمكافحة الفساد معاً.ولقد تحقق له في هذين المجالين نجاحٌ بارزٌ أرجعه السيد الرئيس الى الشعب الذي أحبّ والذي بادله بدوره الحبّ والتقدير لتحقيق مقولة سيادته في )الوصول الى مفهوم المواطن المسؤول والمسؤول المواطن).ولا بد من التذكُّر والتذكير بأهمية أن نتعلّم جميعنا, مسؤولين ومواطنين عاديين, من السيد الرئيس كيف )نبتعد عن الشعور بصاحب السلطة الى الشعور بصاحب المسؤولية) حتى نسرِّع في خطواتنا الإصلاحية فنبني اقتصاداً قوياً يحقّق النمو المستدام(التنمية الاقتصادية)يعوّضنا جميعاً,مسؤولين ومواطنين,عن الفساد والإفساد. يعتقد بعضنا أن الفساد يعني فقط استخدام السلطة (أي سلطة سياسية,إدارية,قضائية الخ..) للمنفعة الشخصية على حساب المصلحة العامة.وهذا النوع من الفساد قد يكون أبسط الأنواع لأن كشفه ومكافحته أسهل بكثير من كشف أنواع أخرى ومكافحتها,وعلى الأقل المعاقبة عليها ما قد يقلّل من تكرارها. ولكن بالتأكيد إن الفساد لا يقتصر على سرقة المال العام وإنما يتعدى ذلك الى الكثير من المظاهر: هدر الموارد سواء لجهلٍ أم لحب الظهور أو لأي سبب كان,وضع شخص غير كفؤ في إدارة ما لسبب معرفة شخصية أو طمعاً في إرضاء متنفّذٍ أو لانتمائه السياسي,المناطقي أو حتى الطائفي, سن تشريع أو اتخاذ قرارات تلحق الأذى بالاقتصاد الوطني عن وعي بذلك, التمييز في المعاملة بين مواطنٍ وآخر, تأخير اتخاذ قرار أو عدم إنهاء معاملة مواطن, تنجيح طالب في الجامعة من دون استحقاق أو ترسيب طالب يستحق النجاح,المماطلة في فصل دعوى أو إصدار حكم في غير صالح صاحب الحق,تأجيل إصدار قرار أو إعلام بعض الناس به قبل صدوره بقصد الإفادة من ذلك الخ.... وهذا بعضٌ من فيض.بالتأكيد إن كل ما من شأنه عرقلة الأعمال أو إضاعة الفرص مظهر من مظاهر الفساد. ذلك أن هدف الاصلاح هو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعميق الشعور بالمواطنة لزيادة المحبة بين الناس وتدعيم الوحدة الوطنية.وهل يستطيع أحدنا أن ينكر ما لشعور أي مواطن في بلده,غير قادر على الوصول الى حقه,من تأثيرٍ على علاقة المواطنة لديه!! ثم أليس السكوت عن الخطأ لأمرٍ ما فساداً. الفساد ظاهرةٌ منتشرة في كل بلدان العالم ولكن التعامل معها مختلف من بلدٍ الى آخر. فالفساد ظاهرة يسهل انتشارها وتصعب مكافحتها. وفي الفساد يصح القول: درهم وقاية خير من قنطار علاج.في مكافحة الفساد قد نواجه مشكلاتٍ كبيرة :أ—محاسبة المتهمين على الشبهة دون دليل وهذا أمر مخالف للقانون ومبادىء حقوق الانسان,وهو فسادٌ بذاته, إضافة الى ما يثيره ذلك من احتجاجات منظمات حقوق الانسان وأنظمة الحكم المعادية لنا وهي تتربص بنا; ب— إحالة المتهمين الى القضاء والقضاء لا يستطيع إصدار أحكام من دون أدلّة ووثائق.والفساد يجري في الظلام,تحت الطاولة(كما يقال باللغة الدارجة) ولهذا يصعب شموله بالإجراءات القضائية.لقد أشار السيد الرئيس في خطابه )لقد قمنا بتحويل العديد من الحالات والقضايا الى القضاء وتابعناها,لكن لم يثبت وجود فساد بالرغم من قناعة الكثيرين بأن هناك فساداً).بالطبع إن إثبات حوادث الفساد ليس أكثر سهولةً من إثبات حالة الزنى في الأحكام الشرعية وكثيراً ما جرى اتِّهام القضاء بالفساد والتهاون بسبب عدم تجريم المتهمين المحالين اليه!! ; ج— وحتى اللجوء الى السلطة الرابعة(الصحافة والإعلام) لا يحل المشكلة لأن توجيه الاتهامات جزافاً من دون أدلّة أو وثائق قد يعرّض الناشر للمقاضاة وطلب التعويضات. ما الحل إذاً? وقد أشار السيد الرئيس في خطاب القسم الى أن توسّع الاقتصاد يؤدي الى توسيع المصالح فتتوسع حركة الأموال )ويتوسع الاحتكاك بين الدولة والمال من دون إيجاد آليات قوية لمكافحة الفساد..فهنا يتوسع الفساد). والمطلوب إذاً تطوير آليات لمكافحة الفساد. أعتقد جازماً أن تأخير إنجاز أي معاملة بين يدي أي من الموظفين قبولاً أم رفضاً علامة على نية الفساد(محاولة ابتزاز) وتأخير البت بأي موضوع من قبل أي إدارة مهما كان مستواها, قبولاً أو رفضاً, علامة على نية الفساد. والبحث عن آليات ممكن إذا أحسن اختيار الإدارات العليا بالكفاءة المطلوبة. لقد ذكر سيادة الرئيس ,وهو العالم بهذا,)لا شك بأن الفساد وعلى المستويات العليا في الدولة..إن لم نقل بأنه غير موجود..فنقول بأنه كوفح بشكلٍ مرضٍ تماماً على المستوى الأعلى..) هذه حقيقة يدركها المواطنون في سورية. والفضل يرجع في ذلك الى اختيار السيد الرئيس للكوادر العليا واليه يعود الفضل بذلك. ولكني أعتقد أن الإدارات العليا,إذا أولت قضية الفساد الأهمية المطلوبة تستطيع تحجيم الفساد الى الحد الأدنى وذلك بمراقبة خط سير المعاملات وتعرّف المواقع التي تتعرقل فيها,فتقل بذلك )المصائد) التي يرتزق منها الفاسدون.وعلى الأقل يجب على الإدارات أن تطلب عرض المواضيع المُعرقَلة للبت فيها في مدة محددة وليس التهرُّب من اتخاذ القرارات في الأمور المعقدة وتركها في الأدراج. ومن الأفضل كثيراً إعادة النظر في تنظيم الإدارات وتحديد مسؤولية كل موظف وحتى استبدال مكاتب بغير أدراج بالمكاتب ذات الأدراج وتخصيص مستودعات خاصة لحفظ كل المعاملات بعد الانتهاء من معالجتها. وبذلك يسهل اكتشاف أين تتموضع المصائد!! *وزير سابق |
|