تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


استراتيجية أوباما.. العالم كما تريده أميركا

شؤون سياسية
الخميس 17-6-2010م
غالب حسن محمد

كما جرت العادة لدى ساكني البيت الأبيض حيث يقدم الرئيس الأمريكي رؤيته الاستراتيجية الأمنية للأمن القومي الأمريكي صدرت رؤية السيد أوباما وأطلق عليها «عقيدة أوباما» وكان الخبراء وكبار المستشارين لدى الادارة الأمريكية قد عكفوا على إصدار وإخراج تلك الوثيقة التي لفتت الأنظار إلى اسلوب أوباما المختلف عن سابقه وإن كان المضمون والهدف متشابهين حول سبل تحقيق هدف واشنطن في تأمين مصالحها حول العالم.

صدرت الوثيقة من 52 صفحة وهي عبارة عن رؤية غير تقليدية تختلف عن سابقتها في القرن العشرين، حيث تعتبر أكثر طموحاً لاستمرارية سيطرة الإدارة في قيادة العالم، والمتمعن في مضمونها سيجدها تركز على مشروع أمريكا الجديد من دون أن تذكره وما بين سطورها تظهر ملامح مشروع أشبه ما يكون بمشروع أمريكا خلال القرن الماضي وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث فرضت الولايات المتحدة نفسها قوة عظمى ولولا الاتحاد السوفييتي السابق لكانت ساعتها وحيدة كما أصبحت بعد تفككه وهناك بين السطور أيضاً نجد الأسس والخطوات التي ستتبعها واشنطن من الآن فصاعداً لخلق واقع جديد تقود فيه أمريكا العالم وتحتوي القوى الجديدة الصاعدة وهي الصين والهند والبرازيل وذلك لقرن جديد مقبل، كما نجد هناك اهتماماً بمتابعة وتشجيع أذرع الاقتصاد والسياسة الخارجية بما يذكرنا بمشروع مارشال الذي أنقذ أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي نفس الوقت أدار الاقتصاد والصناعة المكلفة مشروعه.‏

بالعودة إلى بنود الوثيقة الأساسية نجد حرصاً من إدارة أوباما على تجنب أخطاء ادارة بوش مثل قيام إدارة الأخير بإدخال سياسات جديدة كارثية في رأي الكثيرين مثل الحروب الاستباقية.‏

جاءت وثيقة أوباما أذكى وظهرت عاكسة لاتجاهات أكثر ليبرالية في التعاطي مع القضايا الدولية، لقد خلت من الغرور والغطرسة التي كانت معهودة في إدارات سابقة.‏

كان واضحاً فيها التصاقها بالواقع باعترافها ضمناً بحدود وقدرات القيادة الأمريكية ومتغيرات الواقع العالمي الجديد حيث وضعت لبنة التحرك الأمريكي الجديد باتجاه تسيد العالم باستخدام الأسلوب الناعم لا أسلوب فرض الامبراطورية الرومانية الجديدة عنوة.‏

تحت عنوان (العالم كما نريده) لابد من التوقف عند العديد من البنود:‏

أولاً: تقوية القدرات الأمريكية القومية وذلك بغية تمكن الادارة الأمريكية من الانطلاق عالمياً لتفكيك وتمزيق وهزيمة تنظيم القاعدة وشركائه في أفغانستان وباكستان.‏

ثانياً: فيما يتعلق ببند استخدام القوة نجد توجهاً صارخاً نحو الحد من انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية ومحاولة تأمين المواد النووية حول العالم.‏

ثالثاً: هناك بند آخر حول ضرورة تأمين الانترنت والاتصالات الالكترونية بمعنى التحكم فيها.‏

رابعاً: أما الشرق الأوسط الكبير وهو نفس التعبير الذي أطلقته ادارة بوش فقد تحدثت الوثيقة حول تشجيع السلام والأمن القومي في هذه المنطقة.‏

أيضاً هناك ضرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالاستثمار في قدرات الشركاء الأقوياء القادرين مع تأكيد أهمية تأمين الرفاهية وتقوية رأس المال التعليمي والانساني والتسريع في أعمال التنمية.‏

بالنسبة للداخل الأمريكي نجد أن الوثيقة تؤكد الحاجة الملحة لمعالجة الوضع الاقتصادي وتقويته من منطلق أن أمريكا قوية اقتصادياً في الداخل. ويمكنها أن تنطلق إلى الخارج لتحقيق أهدافها بقوة وهذا ما جاء تحت بند القيم الأخلاقية والمقصود بها إعادة إظهار الصورة الأمريكية بشكل أفضل وتحسينها باعتبارها تحث على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان حول العالم.‏

وإذا كانت الوثيقة ببنودها قد لفتت وعلى مدى الأيام الماضية أنظار وسائل الإعلام والمحللين مثل تخلي الادارة الجديدة رسمياً في استراتيجتها عن لغة الحرب على الارهاب وتوقف رسمي عن استخدام خطاب الصراع الأمريكي مع الاسلام الراديكالي المتشدد إلا أن الوثيقة توسع من نطاق الأمن بما في ذلك التعاون مع الخصوم أيضا،ً وما يهمنا في العالم العربي هو رصد خريطة التعاطي الأمريكية المزمعة تجاهنا باعتبار أن واشنطن وضعت عالمنا ضمن نطاق أوسع تحت مسمى عهدناه في أدبيات ادارة الرئيس بوش وهو الشرق الأوسط الكبير الذي يشمل نطاقاً اسلامياً عربياً واسعاً أطلق عليه صراع الشرق الأوسط وسنجد اسم «اسرائيل» وقد ذكر 21 مرة في حين ذكر اسم القاعدة 27 مرة والسعودية مرتين ومصر مرة واحدة على سبيل المثال.‏

حملت الوثيقة تأكيداً على إصرار واشنطن على البحث عن سلام شامل بين اسرائيل وجيرانها بما في ذلك حل الدولتين الذي يضمن أمن اسرائيل والولايات المتحدة تتطلع إلى التعامل مع المجتمعات الاسلامية حول العالم وذلك لخدمة مصالحها في الشرق الأوسط الكبير.‏

أهم ما جاء في الوثيقة هو الاقرار بيهودية الدولة الاسرائيلية وضرورة البحث نحو سبل التقدم في المفاوضات التي تبحث قضايا الوضع الدائم وأمن اسرائيل والحدود واللاجئين والقدس مع البحث عن التأييد الدولي لبناء المؤسسات المتعلقة بالدولة الفلسطينية .‏

فيما يتعلق بالمؤسسات الدولية نجد أن الوثيقة تؤكد على تطوير عمل المؤسسات الدولية.‏

باختصار فإن التوجه الاستراتيجي الجديد للادارة الأمريكية وتحديداً باتجاه عالمنا العربي والاسلامي سيعيد رسم الخريطة السياسية والأمنية بما يسمح تدريجياً وعلى المدى الطويل للولايات المتحدة بأن تستحوذ على مصالح لا تنضب.‏

هذا هو مضمون استراتيجية أوباما التي لا تختلف إلا لفظاً عن مضمون ادارات سابقة حتى مع ليبرالية التوجهات الظاهرة في الاستراتيجية الجديدة التي لم ترق لتيار المحافظين الجدد لغتها.‏

إن الاستراتيجية الأمنية الجديدة لا تختلف في مضمونها عن هدف الادارة السابقة، فما حدث فعلاً هو أن أوباما المختلف عن سواه قام بإخفاء قبضة البطش الأمريكية داخل قفاز مخملي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية