تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العقوبات الجديدة .. فرصة للانتقام من إيران

شؤون سياسية
الخميس 17-6-2010م
د. إبراهيم زعير

في عالم تسود فيه شريعة الغاب الأمريكية، كل شيء ينتقص من حقوق الشعوب المنصوص عنها في القوانين الدولية، ممكن الحدوث ومن أعلى هيئة دولية للقانون الدولي، أي مجلس الأمن الدولي، الذي تهيمن عليه وعلى قراراته،

القوة الأولى في العالم لذلك من السذاجة توقع أن يتخذ مجلس الأمن في وضعه غير الطبيعي الراهن قرارات تخدم مصالح الشعوب والدول الرافضة التغريد في سرب السياسة الاستعمارية الأمريكية، والقرار الذي حمل الرقم 1929 بتاريخ 9 حزيران الحالي 2010، سيبقى عنواناً لنجاح الشريعة العدوانية الأمريكية.‏

ففرض قرار العقوبات الجديد ضد إيران، وهو الرابع في مسلسل القرارات المتخذة بحق إيران، يبرهن من جديد على أن أمريكا مازالت قادرة على إرغام الدول الأخرى على الانحياز لمشيئتها وإرادتها، بوسيلتها المفضلة ( سياسة الترغيب والترهيب).ولم يخرج عن الرأي الأمريكي سوى دولتين، تركيا والبرازيل، من أصل 15 دولة في مجلس الأمن الدولي، وهاتان الدولتان، اللتان اختارتا طريق الحرية والتحرر من الهيمنة الأمريكية، ستشكلان حالة جديدة من الاستقطاب حولهما من قبل جميع الدول التي تعاني من الاضطهاد الأمريكي والامبريالي عموماً وفي كل القارات. ولعل أكثر ما بعث على الانزعاج الأمريكي، ودفعها للإسراع في طرح قانون عقوباتها الجديد على مجلس الأمن الدولي، وحتى قبل تاريخه المعلن في نهاية حزيران الحالي، هو إعلان طهران الثلاثي، الذي على الأغلب لم تتوقعه واشنطن، ولم يكن لديها قناعة بأن إيران ممكن أن توافق على تبادل تخصيب اليورانيوم خارج حدودها، ولكنها وافقت، وهذه الموافقة، كانت كافية لإماطة اللثام عن افتقار الولايات المتحدة إلى الصدق في علاقاتها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالدول التي وقعت على «اتفاق طهران» التاريخي، الذي أدارت واشنطن له ظهرها وجرت معها الدول الأخرى، التي كانت ولوقت قريب تعلن عن رفضها لفرض عقوبات جديدة على إيران، وتحث واشنطن وحلفاءها الغربيين علىخيار الحوار والدبلوماسية مع طهران، ولكنها على الأغلب لم تشأ إغضاب الولايات المتحدة وأرادت مسايرتها رغم أنها خففت شيئاً ما من المشروع الأصلي للعقوبات نزولاً عند طلب هؤلاء. ولكن واشنطن وعلى لسان مسؤولييها سرعان ما فوتت الفرصة على آمال هؤلاء.بتصريح غيتس وزير الدفاع الأمريكي الذي قال علناً قبل إصدار مجلس الأمن للقانون 1929: « إن إحدى المزايا الكثيرة لمشروع القرار، هي أنه سيوفر أساساً قانونياً للدول كي تتخذ منفرده إجراءات إضافية تتجاوز في شكل كبير تلك الواردة في المشروع» . وهذا الكلام يعيد إلى الذاكرة الإجراءات الأمريكية المنفردة وخارج إطار مجلس الأمن الدولي التي اتخذتها ضد العراق، في تمهيدها لتوجيه ضربة عسكرية لهذا البلد العربي، الذي تعرض لأكبر عملية احتيال أمريكي في التاريخ وعملية تضليل وكذب ومن ثم احتلاله بذرائع كاذبة ومنافقة، واتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل، ولكن أمريكا اعتذرت فيما بعد عن كذبتها هذه، ولكن ما الفائدة، فالعراق قد احتل واغتصب بطريقة وحشية من قبل القوات الأمريكية الأكثر وحشية وبربرية في تاريخ الحروب واليوم بعد قرار فرض العقوبات على إيران، يتكرر السيناريو نفسه، سيناريو الكذب والنفاق والاتهامات الباطلة، وكل ما اختلقته الولايات المتحدة من مفردات لاتخاذ القرار المشؤوم، ليس له أي حيز في الواقع، وبالتالي فإن القرار الذي بني على الباطل فهو ينبغي أن يكون باطلاً، وبات من الواضح أن من اتخذ القرار كان يتعين عليه أن يعرف بدقة من لا يتعاون مع القانون الدولي؟ فاتخاذ قرارات لمجرد الشكوك المفبركة هو عمل ليس فقط غير أخلاقي، بل غير قانوني، فليس من الممكن الحكم على ما تسميه واشنطن «بالنوايا» لاتخاذ قرارات لعقوبات جائرة تصبح سياسية وكيدية بالمطلق، لأنه لا سند واقعي لها‏

ولا سيما أن نشاط إيران النووي ليس سرياً ولا غامضاً ويتم بالكامل تحت إشراف ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فبأي حق تتخذ عقوبات فاضحة، مخالفة للقانون الدولي؟ بينما، ونحن هنا، مضطرون دائماً للربط بين نشاط إيران النووي السلمي الواضح وبين النشاط الإسرائيلي النووي وامتلاك هذا الكيان الغاصب القاتل لأكثر من مئتي رأس نووي عسكري تهدد فيه جميع دول وشعوب المنطقة، وهي ترفض الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي .وملفها النووي مازال غامضاً رغم افتضاحه بالحقائق والوقائع الملموسة. لماذا ترتكب إسرائيل القتل بحق الأبرياء من المدنيين (أطفال ونساء وشيوخ فلسطينيين عزل وضد مواطنين ينتمون لمختلف دول العالم، ولا تتعرض لعقوبات مجلس الأمن الموقر؟!!.. لقد اختارت أمريكا ومنذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1969، نهج العداء الإيراني، ولشعبها الذي يقف إلى جانب حقوق الشعوب المستضعفة وخاصة دعم وتأييد حقوق العرب والفلسطينيين المغتصبة من قبل إسرائيل.‏

ولم تفوت واشنطن فرصة إلا وسعت للانتقام من إيران ومعاقبتها على نهجها التحرري الإنساني، الذي فضح المعتدين الصهاينة وفضح المشاريع الأمريكية والصهيونية في الشرق الأوسط، بل وأفشلت بتعاونها مع قوى الحرية والمقاومة في المنطقة والعالم، المطامع الأمريكية والصهيونية للسيطرة على الشرق الأوسط، وكان ذلك كافياً لكي تتعرض إيران لأوسع حملة افتراء وكذب تحت يافطة «ملفها النووي» السلمي في طبيعته وأهدافه، لذلك فالعقوبات ضد إيران هي عقوبات سياسية وليس بسبب ملفها النووي ، الذي يعرف العالم أجمع أنه لا يحمل أي طبيعة عسكرية. وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد محقاً بوصفه قرار العقوبات الجديد بأنه كالمناديل المستعملة، مكانه سلة المهملات «لأنه باطل ويشكل في جوهره عدواناً على حق إيران الطبيعي في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.وتصبح كلمات أوباما، عقب قرار العقوبات « بإنه يحترم حق إيران في انتاج الطاقة النووية السلمية» ، كلمات معسولة من أسنان مسمومة ضد إيران وضد كل قوى الحرية في العالم أجمع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية