تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين يخضع لجهاز كشف الكذب..

مجتمع
الخميس 17-6-2010م
غصون سليمان

ترافق المرء منذ نعومة أظفاره وإلى مرحلة متقدمة من عمره بشكل عام حالة من الهيجان، أو ما يسمى بالنمو الانفعالي، وهذا ما رصد له علم النفس العديد من الدراسات والشرح والتمحيص، منطلقاً من العامل السائد في الهيجان.. أهو النضج أم التعلم؟ على اعتبار أن الهيجان هو الصورة القصوى من الحياة الانفعالية.

ضمن منشورات جامعة دمشق كلية التربية يشير الدكتور انطون حمصي في كتاب (علم النفس العام) في الفصل الثامن من الجزء الأول إلى بحث غني يتعلق بموضوع الهيجان في الحياة العامة، بدءاً من واقع النمو الانفعالي والهيجان عند الولادة، وفي مرحلة الحضانة، وفي مرحلتي الطفولة الأولى والثانية والمتأخرة، وصولاً الى الهيجان في المراهقة المتوسطة والمتأخرة أيضا.‏

ولعل الأبرز في هذا البحث ما اقتصر من حديث على تطبيق دراسات الهيجان في الحياة اليومية على ثلاث نقاط هي كاشفة الكذب، الطب السيكوسوماني، ضبط الهيجان، إلا أننا سنركز بشكل أكبر على موضوع كاشفة الكذب.‏

وهذه الآلة رغم اسمها لا تكشف الكذب، فهي جهاز يقيس تغيرات فيزيولوجية أي قرائن جسمية للإثارة الهيجانية، حيث هناك عدد من الأجهزة المعدّلة المختلفة الأشكال التي تعمل على كشف الكذب إن صح التعبير، ولكن هذه الصورة المتعددة بحسب البحث تشترك في بعض القياسات، كضغط الدم ومعدل التنفس وعمقه والتغيرات في ناقلية الجلد للكهرباء أو ما يسمى بالاستجابة السيكوغالغانية‏

كما تقدم كاشفة الكذب سجلاً بيانياً لهذه التغيرات الفيزيولوجية.‏

/يستطيع الكذب/ و لكن..‏

فالفكرة الكامنة وراء استخدم كاشفة الكذب هي أن الإنسان يستطيع أن يكذب دون أن يكشف عن ذلك في سلوكه الظاهر، ولكنه لايستطيع أن يضبط استجابات الإثارة التي تصحب هيجانات مثل الخوف والقلق والتهيب، يستثيرها انخراط الانسان في حديث كاذب.‏

وما يشير إليه البحث أنه في اختبار كشف الكذب يجلس المفحوص على مقعد مريح وتربط أعضاء جسمه بالجهاز لتسجيل التغيرات الفيزيولوجية، وتطرح على المفحوص أسئلة وكلمات يطلب منه أن يجيب عنها، ويجري اختيار الكلمات والأسئلة بعناية لاستشارة الهيجان إذا كذب المفحوص، وبعض الأسئلة حيادي ينصب على بنود ومعطيات روتينية مثل.. ما اسمك؟ أين تعمل؟ أين درست؟ من أصدقاؤك؟ وما شابه ذلك. بالمقابل هناك بعض الأسئلة الحرج إذا كانت تتصل بالجريمة التي قد يكون المفحوص مقترفها أو كان على علم بها أو يتصل بها، بصورة عامة بالموضوع المبحوث إذا لم يكن الأمر يدور حول جريمة.‏

ويلحظ علم النفس في هذا الإطار أن الأسئلة الحرجة موضوعة بحيث تثير الخوف من الانكشاف أو مشاعر الإثم من الجريمة، وأثناء الأسئلة والإجابات، تسجل كاشفة الكذب الاستجابات الفيزيولوجية للفحوص، وبعد انتهاء جلسة الأسئلة والإجابات يدرس الفاحص السجلات لاستخراج الفروق بين الاستجابات للأسئلة الحيادية والحرجة، فإذا كانت الاستجابات الهيجانية للأسئلة الحرجة أشد منها للأسئلة الحيادية بصورة واضحة، فإن هناك ما يحمل على الظن بأن للمفحوص معرفة غير بريئة بالموضوع المبحوث، أما إذا لم تكن هناك فروق ذات بال فقد لا تكون للمفحوص معرفة مشبوهة بهذا الموضوع، واستعمال علم النفس لصيغة التقليل هنا يعني أن كاشفة الكذب ليست برهاناً يمكن الركون إليه دون شبهة من خطأ.‏

انتقادات‏

والواقع أن انتقادات شديدة وجهت الى تقنية كشف الكذب ومصداقيتها، حيث قيل إن البريء الذي يعرف أنه مشتبه به في جريمة ما مهتاج سلفاً، ولذلك فإن استجابة الهيجانة التي تسجلها الكاشفة غير سوية من حيث الأصل، وشدتها تشير الى أن المفحوص مذنب بالرغم من براءته.‏

أما الوجه الآخر للمدافعين عن كاشفة الكذب فقد ردوا بأن استجابات البريء ستكون لها هيجانة شديدة ولذلك فلن يكشف الجهاز عن فروق ذات دلالة بين الاستجابات للأسئلة الحيادية، والاستجابات للأسئلة الحرجة حيث لا يكون هناك مجال لاتهام بريء، إلا أن المذنب ينجو أحيانا.‏

اختبار‏

ومن جملة عناوين البحث أن مشبوهاً خضع لاختبار كشف الكذب وبرأته الكاشفة إلا أن أدلة لاحقة بيّنت أنه المجرم المطلوب، وتوضح أنه كانت لهذا الشخص بعض المعرفة بتقنية الجهاز، فكان يدوس بإحدى قدميه على الأخرى عند كل سؤال حيادي كان أم حرج فيتألم جسديا وتأتي استجاباته الفيزيولوجية شديدة جميعها، ما يدل على أن كاشفة الكذب ليست معصومة عن الخطأ.‏

ولذلك فإن القضاء في البلدان التي تستخدم هذا الجهاز، لا يستخدم نتائجها إلا على سبيل المعلومات، ولكن الجهاز رغم الأخطاء التي يمكن أن يؤدي إليها، مفيد لرجال التحقيق في تضييق ساحة الاتهام وتقليل عدد المشبوهين وحصر جهود المحققين في أفراد قلائل، ومن الطريف أن مجرد مواجهة المتهم بالجهاز أدى في بعض الأحيان إلى انهياره واعترافه بجريمته.‏

ويؤكد البحث في هذا المجال على الخبير الذي يتخصص في كشف الكذب أن يحسن صياغة الأسئلة وطرحها وتفسيرها إذا كان يريد أن يكون لاختباره بعض المصداقية.‏

استجابات الطوارىء وفيما يتعلق بالاضطرابات السيكوسومائية فإن التغيرات الجسدية التي تحدث في حالتي الخوف والغضب تستنفر طاقة الجسم للتعامل مع مواقف الطوارىء، وقد وصف علم النفس هذين الهيجانين القويين بأنهما استجابتا طوارىء من جانب الجسم ، وبالرغم من وجود بعض الفروق بين الغضب والخوف في استجابات الطوارىء فإن النتيجة الاجمالية في كليهما هي تغيرات تجعل الفرد قادراً على الاستجابة بمزيد من السرعة واستنفار الكثير من القوة حيث يكون مستعدا للهرب في الوقت المناسب أو للقتال الصامد الناجع، ما يلاحظ أن لاستجابات الطوارىء قيمة تكيفية عالية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية