تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ابتدائية الحب

آراء
الخميس 17-6-2010م
حسين عبد الكريم

مدرسة بسيطة، لكنها شاملة، ومنتشرة وموزعة في الأماكن العامة والخاصة.. في الهضاب، والمنحدرات والسهول.. في البلدات والقرى وأطراف المدن، وفي الشوارع والحارات الرئيسية..

مدرسة ابتدائية صحيح.. لكنها تشتمل على دروس ومحفوظات وجداول جمع وحب.. ومناهج متعددة، ولاغنى عنها، ولايمكن القفز عليها أو تجاوز مقرراتها، وإن حدث الاستغناء عنها يصاب المتجاوزون والقافزون بوعكة حُبية مزمنة..‏‏

ابتدائية الحب تشبه أي محبّ وأي محبة، وتشبه الأكثرية والأقليات والهموم العامة، والأماني الطفلة والأماني اليافعة..‏‏

من غير دروس حب تسقط التمنيات في أبسط امتحانات السعادة..وتفشل الرغبات في تحقيق مرادها الجميل، وينخفض منسوب البهجة.. وتتعثر قامة الحلم بعثرات الركود.. من غير هذه الدروس، التي تتعامى عنها النرجسيات والمحسوبيات، وأبّهات المال وشوفة الحال.. من غيرها يصاب الوقت بـ (الدوخة) وفقدان التوازن.. وتغرق عجلات الأماني في وحل البطر، وحفر الضجر والارتباك، وقت لايشرب نخب دروس الحب يحتاج إلى محو أمية وتدريبات متكررة على اللياقة.. وقت أمية الحب غير لائق وغير مجتهد..‏‏

في أمس الحبّ يتقدم العديدون لنيل الشهادة..بعضهم يظنون أنهم قادرون على خديعة الدروس والالتفاف والاحتيال على المحفوظات.. ويحاولون الغش وسرقة المعلومات عن سطور الدهشة.. وفي نهاية المسافة الممتدة بين درس الحب ورغبة الغش، يفشل الغشاشون في النجاح والحصول على درجة الوفاء بالحب وللحب ومن أجله.. يقلقون ويسقطون و(تدوخ) بهم أيامهم وأحلامهم ومشاوراتهم الكاذبة والناتئة مثل نهاية عود يابس، في جسد شجرة ماثلة للعافية.. ورق يدردره البطر، لايلمه وعي الزمن، ويسير خارج درب الشفاء وعافية الذاكرة وملاحقها الآتية..‏‏

أمس الحبّ قريب من دمعاتنا وتوقنا.. وأحياناً نهزمه بمباغتاتنا غير اللائقة.. نباغته بعيوبنا، يدل عيوننا، فنصير عيباً وعمى بصرٍ وبصيرة.. ونصير من غير أمس حبّ يثابر على مراعاة وقتنا والاهتمام به وحمايته من الرسوب.. تنقصنا لياقات الوقت دائماً..‏‏

وبابتدائية الحب التي نحصل عليها ونتعلم فنونها وعفوية دروسها نرمم اللياقات ونرتبها.. جامعيون واختصاصيون ومدرسون وأطباء وعلماء ومديرون ومسؤولون من مختلف المقاسات والموضات لايجيدون العثور على درس حبّ جيد أو محفوظات حُبية جيدة.‏‏

ويخونهم ضميرهم العاطفي والاجتماعي.. ويتأخرون في الوصول إلى شفائهم العاطفي، وقد لايصلون.. ويمرون -تهريباً- إلى اهتماماتهم وهمومهم.. ويترددون المرة تلو المرة في المكاشفة وشجاعة الوضوح.. ويهرم الأمس فيهم، لأنه من غير حب.. ويهرمون في غير المواعيد المحددة للهرم.. وهل للهرب مواعيد؟. الهرم والهرب من عائلتين متجاورتين..‏‏

بالأمس القريب مرّ طلاب مغرورة طفولتهم ببعض فصاحة الاعتداد وبطر الشبع المفاجئ. وأظهروا أنهم لايودون الدخول إلى مدرسة الحب.. وقال بعضهم: ما هذه الدروس والحبّ؟ وما هذه الابتدائية ومحفوظاتها وجداولها وحصصها؟ ونظروا باستعلاء إلى الطلاب المشاركين والدروس البسيطة والمدرسين البسيطين والمدرسات البسيطات.. وملؤوا الوقت بسقطاتهم العاطفية وعثراتهم الحبية وفشلهم الإنساني.. وبعضهن حصلن على دكتوراه وشهادات متهمة بالعلو في اختصاصات لاعلاقة للحب بها ولاعلم للعلم بها.. وبعد فوات الأوان حاولن تحصيل أي درس حب ولو عن (بسطة دروس إملا) أو (بسطة جدول ضرب) أو من دكان إصلاح حروف عطف.‏‏

سقطت الشهادات الواهمة ولم تحصل على جملة حبّ أو درس حياة طيبة وجيدة..‏‏

جيد جداً في درس حبّ إنساني يساوي الكثير من علامات ترقيم الأيام وجمال البقاء.. وغالبية الأحباب والحبيبات لايحصلون على أكثر من درجةجيد في الحب.. وأحياناً يحصلون بشق النفس على درجة لابأس أو شوهد..‏‏

وجيران وجارات وحدادون وصواجون وصُنّاع ومهرة في مهن وابتكارات، ينسون درس حبهم في جيب اهتمامات العيش، وحين يمدون أيديهم إليه، يرون وقته فارغاً ومهجوراً.. ويحصلون على درجة ضعيف حبّ أو راسب وفاء، أو مفصول من أحد الفصول الأساسية..‏‏

قد تعاد امتحانات القبول في مدرسة الحبّ.. وقد يسمح للطلاب والطالبات قراءة الدروس والتحضير لها، وبعد ذلك يخضعون للدورات التكميلية والفحص النهائي.. وربما اكتفوا بمذاكرات شفهية، من النوع الخاص..‏‏

ابتدائية الحبّ لاتخضع للضرائب الغرامية أوالعائلية أو الجيرانية بقدر خضوعها للالتزامات العطفية.. ابتدائية بدروس حبّ بسيطة ويرسب فيها الطلاب وترسب فيها الطالبات؟؟.‏‏

إحدى النساء العتيقات والعريقات أخبرت الأولاد والبنات والأجيال المجاورة لجيلها والبعيدة بعض البعد عن جيلها: لم أدخل إلا ابتدائية الحب الأولى.. ولم أتعلم إلا دروسها.. وحصلت على الشهادة ونجحت بدرجة جيدة حب، وفيما بعد صبرت أكثر وأخلصت.فنجحت بـ (درجة جيدة جداً في الحب الإنساني).. في ثيابها ومتروكاتها حبّ كثير، ومال قليل، قد لايكفي لشراء قنينة زيت وربطة خبز، لكنّ الحبّ الذي في تركاتها يكفي مصرف حبّ، يقترض منه الأحباب والأحفاد والجيران والأهلون والأقرباء والأصدقاء.. يمكن لحفيدة أوصديقة أوقريبة أن تطلب قرضاً مقداره كلمة صدق، أو حرف وفاء أو بسمة رضى..‏‏

امرأة ناجحة في ابتدائية الحبّ توزع نجاحات حبّ ودرجات جيد وجيدة في الحب.. وأخريات وآخرون لم ينجحوا في الابتدائية. ولايملكون أي رصيد حبّ إنساني، مع أنهم يملكون شهادات ويملكن شهادات عليا ربما.. ويملكن ويملكون الملكيات والمال وتمشية الحال، ولايجيدون صرف قرض صغير جداً وجداً وجداً من الحبّ.. هؤلاء كيف يحيون؟!.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية