تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


للبياض البعيد في ندوة نقدية...المشاركون: انعتاق من المألوف

ثقافة
الجمعة 18-6-2010م
متابعة: علاء الدين محمد

أقيمت ندوة نقد وإبداع حول المجموعة الشعرية /للبياض البعيد/ للشاعر عصام خليل في ثقافي العدوي شارك فيها كل من الدكتور خليل موسى والشاعر عبد القادر الحصيني

حيث تحدث د. خليل عن الخطاب الشعر في المجموعة، وأشار إلى أن ثمة شعراء في القديم والحاضر فجعوا بمن أحبوا أهلاً وأصدقاء فعبروا عن ذلك بقواسم مشتركة يجمع بينهم الحزن والفقد والحسرة والتلوع، ولكن هذه القواسم لا ترتفع دائماً بالرثاء إلى مستوى الفجيعة التي لا تقتصر على الحزن لفقدان الخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة لدى صديق أو عزيز وإنما هي أبعد من ذلك، فقد يكون الرثاء حزناً عاماً على فقدان شخصية مهمة ويشترك قسم كبير من الناس في هذا الفقد ومن ذلك مثلاً معظم شعراء الرثاء العقلاني ويكون هنا مرحلياً، وهو يعتمد غالباً على قواعد وخطوط تعارف عليها الناس ويسير عليها الشاعر، لكن الفجيعة في الرثاء غير العقلاني حيث تكون داخلية إحساسية مستمرة متوهجة وهي أبعد من المرحلة الزمنية والمكان المحدد، ويكمن الفرق هنا بين الرثاء العقلاني والرثاء غير العقلاني الذي يخرج الشاعر فيه على القواعد التي تعارف عليها الشعراء والناس في آن معاً، وتكون الفجيعة مختلفة ومقيمة ثابتة في الشعر والنفس، وهي أعلى درجات الرثاء، لذلك جاءت مجموعة «للبياض البعيد» للشاعر عصام خليل بعد فجيعته بولده البكر، وقد صدرت في أواخر 200٩ ينتمي الخطاب الرثائي غالباً إلى الحديث عن الميت وصفاته وأثر الفقد في النفس بصيغة مفرد الغائب السردي (هو) وهذا ما درج عليه الشعراء.‏

لكن الشاعر عصام خليل يفاجئ القارئ بالإهداء: إلى اسامة، غارباً... مرتين ويفاجئ قارئه في خطاب الاستهلاك: صديقي الذي خبأته العصافير، بين الأغاني، لأنك أقرب من أي حزب إلى القلب، أحتاج نصف سماء، لأرسم وجهك، تحتاج إغماضةً كي تراني.‏

بالخروج على هذه الإثنوغرافية، فهو لا يتكلم على الفقيد وارتحاله، وإنما يتوجه إليه بالخطاب، ويكلمه، وكأن الغائب لا يغيب، فهو الميت الحي أو الميت الذي لا يموت فيدخل النص في دائرة الإسطورة والعجائبية صحيح أنه مضى ولكن أشياء كثيرة في النصوص جعلته باقياً وحياً ومقيماً في الذاكرة القادرة على استرجاع ما مضى في أي لحظة حاضرة.‏

ثمة هنيهات يعود فيها الشاعر إلى الواقع المر ويتكلم عن الفقد في خطابه الشعري، ولكن ذلك وسيلة ليتحرك الخطاب من فضاءٍ إلى فضاء ومن إثنية خطابية إلى أخرى، ففي «سماء أولى» يلجأ الشاعر إلى موتيفات السيرة فإذا هو يعود إلى السرد والوصف طريقين إلى الشعر، وإنما استعار شكلهما السردي الامتدادي: أرق من الماء كان، وكان خجولاً، شغيفاً، يحب الكلام البسيط، ويأنس إلا قليلاً، بأترابه في المساءات، حين تخرج أشجار طرطوس في نزهة أو يعن على بال عشب الحدائق أن يتسلى قليلاً بما يتساقط من سمر الساهرين، يقول لنا - غالباً- أين يذهب، لكنه لم يقل: إنه سوف يترك ألعابه، ببيت جدته وصديقاته، سوف يترك قلبي وحيداً، ليلعب في الحارة الثانية.‏

وفي المجموعة عودة إلى قصائد الفقد واللوعة وهي ليست في الرثاء بقدر ما هي تبين أثر الرحيل المفاجئ في نفوس الآباء الذين فقدوا أحبتهم، ومنها «للصدى .. بارداً» التي تبدأ بالاشتياق إلى الراحل ليزداد هذا الاشتياق التياعاً حين يتحول إلى جرح تحفره خناجر اليأس من تحقيق الحلم الإنساني فلا يبقى إزاء الشاعر سوى التوسلات: اشتقت إليك، وأعرف أنك أبعد من نوم الأنهار، وأعمق من يأس البحار، ولكني أتوسل بالأشجار إليك للعرق العابق من برديك، أن تخلع كنزتك البيضاء لأنشق عطرك.‏

أما الشاعر عبد القادر الحصني يرى في «البياض البعيد» أن البياض نقاء وصفاء وإشراق وطهر ومفردات أخرى، والبياض أيضاً الألوان جميعاً في درجة من الدوران المازج ما بين أطيافها والبياض ليس لوناً.. إنه ما قبل اللون وما بعد اللون أيضاً. وهو يشي في اللوحة التشكيلية بالفراغ والنقص والغياب غياب ما يمكن أن يشغل حيزه... وتتوارى والبرهة هذه مفرداته الرهافة والبراءة والطهرانية الأولى لبصير البياض مبعث قلق حقيقي يكمن في قلب هذا القلق التطرف، إذ بحبل البياض على طرحة العرس، وعلى الكفن وشاهدة القبر أيضاً، ولا يفوتنا أن التطرف على الرغم من وهمه السلبي الذي يمكن أن يعتريه ترضخ فيه المتنائيات الولادة والحب والموت في رحلة للبياض من شيئيته إلى البعيد فهي على الرغم من أنها مفردة مسافة أي مفردة مكانية، هي مفردة زمانية أيضاً، فالأشياء تنأى في المكان وفي الزمان، واندماج هذين البعدين الوجوديين ينحيهما معاً لمصلحة البعد الثالث الذي هو الإنسان، وبنقلة أخرى يخرج /البعيد/ من مستقر معناه إلى فضاء دلالته، الذي يذهب في مداه الأبعد إلى المطلق والرحلة هنا أيضاً من مفردة الشيء في المسافة إلى إنسانية الأفق الساقف للزمان والمكان إلى المطلق المسرح الذي لايتعين إلا بما قبل إطلاقه وتنزيها عن التعالق مع أي مفردة كانت لكن التعالق قائم هنا بين البياض والبعيد، وأن البعيد هو ذلك البياض يتجاوزان علاقة الصفة بالموصوف إلى علاقة أرادها الواصف أن تكون على هذا النحو.‏

وأضاف الحصني من خلال قراءته لغلاف المجموعة أن الشاعر ما بين ذاته وشعره على غرار ما فعل بين البياض والبعيد فأثبت اسمه أعلى وأقرب ما يكون من العنوان حتى لتكتمل القراءة في سياق عصام خليل للبياض البعيد هل ثمة تركيز على الذات أو أنوية طاغية؟ لا على العكس من ذلك فمثل هذا السياق قلب فعل لام التملك وصار الشاعر هو ملكاً للبياض البعيد هو للبياض البعيد وليس البياض البعيد له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية