|
ثقافة
وثراء في المواقف والابداع تخللته مواقف ونوازع كثيرة لكنها جميعا في المحصلة كانت تصب في خدمة الهدف الاساس نهضة ثقافية شاملة, قد تكون تعثرت هنا وهناك وتشظت بغير موضع لكنها في النهاية مشاريع لم يبق منها الا ما هو ابن الحياة وابن الامل. رحلت صباح وهي التي صدحت للشام، والشام شامة الله على الارض هي سورية ارض وماء وعطاء، ماض وحاضر ومستقبل، حملت في صوتها نقاء بردى وشموخ قاسيون وكل العبق النوراني، وما كانت الا زارعة للحب والامل عاشت وعمرت واغنت النفوس بكل الوان الابداع، وفي موسم البياض تغادر الشحرورة مكانا اليفا الى مكان اخر اكثر نورانية حاملة معها باقة عطر ارضية، وجرحا مما حل بالارض واهليها. وامس يرحل سعيد عقل فاردا جناحيه على خفقة قلب ونزيف كلمة ارهقها وارهقته حتى العياء، ضاق حينا بحروفها العربية واراد لها ان تكون بغير ما غرد به الاباء والاجداد، وكان العنت الشعري وما اثمرت دعوته الا سرابا ووهما لانه هو ذاته كان احد اعمدة الشعر العربي مجددا وناشرا فوق ذراه ألقا لم يسبقه اليه شعراء اخرون، افرد في سيرته الشعرية مسافات هائلة للتفرد حتى في انتقاء المفردة والقدرة على اشعال حتى ثلوج الجبال طربا وشوقا الى لغته والاسمتاع بما في سحر بيانه، كل هذا يغفر له انه اراد ان يغادر كروم الجمال التي اورقت على يديه، ولكنه عاد اليها وهو الذي يعرف اكثر من غيره ان فضاءات الابداع الذي غرد فيه ومد جناحيه عبره لم ولن يكون الا عربيا ومهما تغرب او تفرنس او تأمرك، مهما فعل فلن يكون الا طائرا في فضاء بلا حدود انه فضاء الشام حيث الحرف الاول والابجدية الاولى، هنا حيث كان المعنى الاول،وكانت العاصمة الاولى والنفحة الانسانية الابدية، ومن يحاول ان يقتلع البدايات حقه ان يجرب، لكنه سيكتشف انه عاد بخفي حنين وعلى استحياء سيصمت كان من كان. في جعبة سعيد عقل ثروة ابداعية تركها ارثا لنا ولاجيال قادمة تضيء وتشع من حروف ومن لهب ومن معان لم لتكن لولا الابجدية العربية ولولا انها مغمسة بطيب الشام، وبألق ما كان، ولولا انها من ذرا قاسيون وشموخ حرمون، ومن صبوة بردى، حروفه ونغم الابدية من نفح مريم ومن ارز لبنان الذي يجاور ارضا هي شامة الله على الارض اعطته معناه وسر وجوده. سعيد عقل موسم الرحيل ليس مفتاحا ابدا لان نقلب صفحات الماضي ولا هفوات هي في محصلة الامر عابرة، لان ثمة خطوات اخرى اكثر خلودا وصلابة ترسخت واعلت بنيانا يحسب في اللغة والمعنى والاسلوب والتجديد، والقدرة على ان تكون اغنية الصباح تصدح بها فيروز تتسلل مع نسمة وسنا، وتعانقنا كما يحيط قاسيون الشام، شام ياذا السيف لم يغب. هنا في موسم الرحيل، لايرحل سعيد عقل ابدا لانه حاضر في الشام، في صوت فيروزي هو الاخر مضمخ من صبابات بردى ومن غيمه وعطره ومطره، سعيد عقل كيف نختار وننتقي مما ابدعته في الشام ام الدنيا انردد: نسمت من صوب سورية الجنوب قلت هل المشتهى وافى الحبيب أشقر أجمل ما شعثت الشمس أو طيرت الريح اللعوب شعر أغنية قلبي له و جبين كالسنا عال رحيب أنا ان سألت أي مضني قالت القامة حبيك عجيب مثلما السهل حبيبي يندري مثلما القمة يعلو ويغيب و به من بردة تدفاقه و من الحرمون اشراق و طيب ويحه ذات تلاقينا على سندس الغوطة و الدنيا غروب قال لي أشياء لا أعرفها كالعصافير تنائي وتؤوب هو سماني أنا أغنية ليت يدري انه العود الطروب من بلاد سكرة قال لها تربة ناي و نهر عندليب و يطيب الحب في تلك الربى مثلما السيف إذا مست يطيب ام ترانا ونحن في الشام نعيد تكوين العالم نذكر العالم انك يا شَـامُ عَادَ الصّـيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ صَـرَخَ الحَنينُ إليكِ بِي: أقلِعْ، وَنَادَتْني الرّياحُ أصـواتُ أصحابي وعَينَاها وَوَعـدُ غَـدٌ يُتَاحُ كلُّ الذينَ أحبِّهُـمْ نَهَبُـوا رُقَادِيَ وَاسـتَرَاحوا فأنا هُنَا جُرحُ الهَوَى، وَهُنَاكَ في وَطَني جراحُ وعليكِ عَينِي يا دِمَشـقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ يا حُـبُّ تَمْنَعُني وتَسـألُني متى الزمَنُ المُباحُ وأنا إليكَ الدربُ والطيـرُ المُشَـرَّدُ والأقَـاحُ في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ و رَاحُ أهـلي وأهلُكَ وَالحَضَارَةُ وَحَّـدَتْنا وَالسَّـمَاحُ وَصُمُودُنَا وَقَوَافِلُ الأبطَالِ، مَنْ ضَحّوا وَرَاحوا يا شَـامُ، يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُـكِ الرِّمَاحُ سعيد عقل ايها الراحل مع بياض الثلج هي الشام سيف لم ولن يغيب ابدا ومع صوب الجنوب وحرمون وبردى ستعيد رسم التاريخ ومداره. |
|