الأداء السوري ومنظومة القيم والفكر والثقافة
متابعات سياسية الأحد 30-11-2014 بقلم: د. أحمد الحاج علي سوف يبقى الصراع بقواعده وتجلياته العسكرية والسياسية هو الأساس الذي نستمد منه معايير التحديد والتحليل ذهاباً وإياباً ذلك أننا أمام وقائع ملتهبة ليست في الميدان فقط وإنما في بناها السياسية والاجتماعية وفي مداها الراهن والمستقبلي ،
والإشكالية ليست في تأكيد الصراع كمنطلق للوعي بما يجري ، وبما سوف ينعكس منه على الزمن القادم فحسب ، فذلك أمر بدهي وضروري في سياق واحد ولكن الإشكالية الكبرى تقع حينما نعتقد أن هذا الصراع المصيري مستحدث وافد أو طارئ بطريقة المصادفة أو بسبب تصادم في السياسات ووجهات النظر التي تحكم هذه السياسات ،دعونا نضع حدوداً لهذا الصراع كما يمثلها هو وكما يعبر عنها هو والحدود هذه تتمثل في أنه صراع مصيري قبل أي اعتبار وبأن مصير الأمة بكاملها ومصير الإرادات المعادية للأمة بكاملها يتوقفان على مساحة الالتهاب أو السكون في هذا الصراع الواسع والنوعي ، وفي ذات السياق فإن هذا الصراع تاريخي بكل ما في البعد التاريخي من اتجاهات ومسافات أي أن ثقافة الوطن هي في عمق الصراع واللحظة الزمنية التي يستغرقها الصراع الراهن هي اختبار لكل عوامل التكوين والوحدة على مضى قرون مضت ولكل احتمالات الوجود العربي فيما هو قادم من زمن وبالتأكيد فإن المصير الوطني والعربي والعالمي سوف يكون مختلفاً نوعاً وكماً في مرحلة ما بعد الصراع عنه في مرحلة ما قبل هذا الصراع، ثم إن المسألة في حد ثالث وباعتبارات ومقومات الصراع سوف تأخذ مداها عبر التأثير في البنية الفردية والجمعية والأخلاقية للوطن على مدى زمن طويل متطاول فيما بعد ، أي أن معايير النظرة إلى الحياة بما كان مستقراً وثابتاً من هذه المعايير سوف يخترقها الصراع ويبدد محاورها ويضع كل شيء تحت اختبار العاصفة الهوجاء التي يمثلها حلف الاستعمار والرجعية والإرهاب والتكفير في المرحلة القائمة الآن ، وبصورة أساسية سوف تتغير بصورة جذرية معالم النظرة إلى الآخر وإلى المعتقدات بعد أن تم تهشيمها وإلى المستقبل بعد أن طغت عليه موجات اليأس والضبابية والإحباط المتكاثر سوف نكتشف جميعاً بأن ما تداولناه من مفردات ومصطلحات واتجاهات فكرية وثقافية يتحول الآن إلى مجرد علامات هشة يحتاج بعضها إلى التغيير الجذري ويحتاج البعض الآخر إلى إدخال عوامل التحدي الجديدة والبعض الثالث سوف يتطلب إعادة التأهيل بما يؤدي في النهاية إلى بناء نظام أولويات قادرة على الاستجابة للتحدي وبإمكانها أن تستقبل المجهودات الوطنية وتعيد تنظيمها وإطلاق طاقاتها بما يؤكد إرادة الاستجابة لتمد الإرهاب بوعي راسخ وبمعتقد لابد أن نجده في أصولنا التي كانت وفي مستقبلنا الذي نبحث عنه ومن هنا فإن المنظومة الأساس في حمل هذه الاعتبارات كلها وضخ الحياة فيها وإطلاقها في المعترك سوف تتدفق في عناوين ثلاثة هي العنوان القيمي أولاً والذي من خصائصه وخواصه أن يقيم ميزاناً واضحاً وملزماً في مسائل علاقة الفرد بالوطن وعلاقة الفرد بالمجموع وعلاقة المجموع بالسلطة والنظام السياسي وفي هذا السياق سوف يتناول العنوان القيمي للثقافة السائدة والفكر الذي علاه الكثير من الصدأ والترهل وأنماط العادات والتقاليد وما يلتحق بذلك من الاتجاهات ومادامت قيمة الإنسان الآن في صلب التحدي فإن قيمه مستهدفة ولابد من بنائها بما يضمن إقامة السد في وجه العاصفة والإرهاب ، ثم يأتي في الترتيب المنطقي والمتفاعل العنوان الفكري وهو المتمثل بمنظومة مفتوحة من الواقعية والقناعات المشتركة ودور الإنسان الفرد والمجموع ومنهج استيعاب الطاقات الوطنية والقومية عبر خلق البيئة الصالحة والقادرة لهذا التحول الكبير، إن الفكر المحنط ونسب الستاتيكية فيه لم يعد قادراً على أن يوضح لنا الحقائق أو أن يدفع بالطاقة البشرية إلى حدود فاعليتها بصورة نمطية أو ميكانيكية وبهذا المدى فإن نزعة التحصن وراء الجدر الصماء في السياقات الفكرية التي أورثتنا تبرير العجز وتواكلية الموقف سوف تجري عملية هزها من الجذور عبر معايير الصراع الجديدة، ثم نصل إلى المحصلة الكبرى التي تنتجها القيم ومصادر الفكر وهي المتمثلة بالعنوان الثقافي أي الخروج من مجاهل الاعتقادات الموهومة ومناهج الارتباط بها على أنها قدر إلى مساحات الإحساس بالموقف والتفاعل مع عوامل العاصفة التي سوف تأخذنا إلى زمان طويل أي إن الأمر هنا يتأكد من خلال الابتعاد عن التعامل مع الأزمة الخطيرة بثقافة نائمة ومترهلة والثقافة على قدر ماهي سلوك هي مادة نوعية تستوعب كل مفاصل الحياة وتلقي بثقلها على النخب والأحزاب وعلى كل مستويات الريادة الوطنية والقومية.
|