تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المجد للبراءة

إضاءات
الأحد 30-11-2014
الدكتور هزوان الوز

الطفولةُ، الكلمةُ المبدعةُ للمعنى في الحياةِ منذُ كانتِ الحياةُ.. الكلمةُ الخفْق، ضحكةُ الروح، وماءُ الخلْق، صلصالُه، وطينُه، وعطرُه، وفردوسُه المشتهى. الطفولةُ، الضوءُ الحقُّ حينَ ضوءٍ، والضوءُ الأحقُّ حينَ ظلمةٍ.

وفي كليهما، الضوءِ والظلمةِ، الطفولةُ: المبتدأُ والخبرُ، والراهنُ والمستقبلُ، والمقدّمةُ والنتيجةُ. الطفولةُ: النقاءُ، الطهرُ، البياضُ بمطلقِ بهائهِ، الفرحُ الشهْدُ، الأغنيّةُ السلامُ، المشتهى منْ فاكهةِ القلبِ، نورُ العالَمِ، وردُهُ، ومجْدُه، وتراتيلُه وترانيمُه المبدعةُ للحياةِ، مُقدّسُ أسرارهِ، وعطرُ الرهافةِ في بستانِ معناه.‏‏

في الطفولة يتجسّدُ معنى الحياةِ، ومنها تستمدُّ الحياةُ روحَها، ويكونُ للروح وجودُها، روحِ كلّ وجودٍ: الأسرةُ، والمجتمعُ، والدولةُ. في الطفولةِ يتحقّقُ الكمالُ، بل الاكتمالُ: اكتمالُ الرجلِ بالمرأةِ، واكتمالُ المجتمعِ بالأسرةِ، واكتمالُ الدولةِ بالمجتمع.‏‏

سنواتٌ، وسنواتٌ، قبلَ هذهِ الأربعِ الجراحِ، الدمِ، الدمارِ، والطفولةُ في سوريةَ، متنٌ لا هامشٌ في سياسةِ الدولةِ التي أعطت الطفولةَ ما يليقُ بها من الاهتمام والرعاية: تنشئةً، وتربيةً، وتعليماً، وإعداداً، فكانت رياضُ الأطفالِ والمدارس ، ومن قبلُ ومن بعدُ، كانت سوريةُ، مهدُ الإيمانِ بالإنسانِ المجدّدِ والمتجدّدِ، والمبدعِ للحياة مهما ادلّهمتِ الأحداثُ، وفحّتِ أفاعي القطب الواحدِ سُمَّها، بل سمومَها، في هذا الكوكبِ المثخنِ من جهاتهِ كلِّها بمخالبِ الدول المتناقضاتِ، الدولِ المدافعةِ عن قيم الضوء والتنوير صوتاً، والدافعةِ للظلام ما يلزمُ لبقائه على قيد الحياة، بل ما يمكّنهُ من تنفيذ إراداتها، واقعاً.‏‏

أربعٌ من السنواتِ، أو تكادُ تصيرُ أربعاً، والمستهدفُ الأوّلُ في سورية إرداةُ الإنسانِ، بل تدميرُ هذه الإرادة شأنَ الإرهابِ الذي يدمّرُ الحجرَ، ويبيدُ الشجرَ. أربعٌ، أو تكادُ تصيرُ أربعاً، ولسوريّة قناةٌ لا تنكسرُ، وقوةٌ لا تنهزمُ، وثقةٌ بالانتصار لا تتردّدُ. أربعٌ، أو تكادُ تصيرُ أربعاً، ونحنُ في وزارةِ التربيةِ صامدونَ في خندقِ المقاومةِ الممجدةِ للطفولة، والمبدعةِ لها، والحاضنةِ لأحلامها وآمالها في غدٍ لا بدَّ سيكونُ مضيئاً، بل سوريّاً بامتياز، كما كانتْ سوريّةُ منذُ كانتِ الحياةُ، وحتى يلفظَ هذا العالَمُ الطاعنُ في جراحاته عن روحهِ ما شاءَ، وما يشاءُ، عبيدُ الظلام من الظلام.‏‏

أربعٌ، أو تكادُ تصيرُ أربعاً، والطفولةُ هدفٌ مباشرٌ لجنونِ القتلةِ منَ السوريينَ بالهويّةِ فحسبُ ومنَ الذئاب التي تداعتْ على سوريةَ من مستنقعاتِ العماءِ من جهاتِ الأرضِ كلِّها. الطفولةُ المسفوحةُ أحلامُها على مذبحِ الزيفِ باسمِ الحرّيةِ، والمطعونةُ أيّامُها، بنهاراتِها ولياليها، بالخوفِ والقلقِ من موتٍ يترصّدُ بها قذائفَ مجنونةً، وحاقدةً على الحياةِ، وقبلَ ذلكَ وبعدَهُ سالبةً للطفولةِ نفسِها، ومدمّرةً لها، ونافيةً لقيمها التي أبدعتها السماءُ فيها، قيمِ الطهرِ، والنقاءِ، والصفاءِ.‏‏

أربعٌ، أو تكادُ تصيرُ أربعاً، والطفولةُ ضحيةُ ثقافةٍ شائهةٍ ومشوِّهةٍ، ثقافةٍ تسلبُ الطفولةَ معناها، وتدفعُ بها إلى أتونِ العتمةِ فكراً، ووعياً، وسلوكاً، وتغدرُ ببياضها، وتلوّثه بالشعارات الزائفة، وترغمها على ما ليس فيها ومنها، كما لو أنّها، بل هي كذلكَ حقّاً، تبتكرُ طفولةً على هواها، بل أهوائها، وأوهامها، والزيف الذي ارتضته لنفسها، وإلى الحدّ الذي دفعت بها إلى حمل السلاح، وإلى المشاركة في مواجهة كلّ عاشق للضوء، وكلّ مدافع عن سورية.‏‏

ولم تكتفِ تلك الثقافة بتشويه معنى الطفولة وقيمها فحسبُ، بل تجاوزت ذلك إلى تدميرها أيضاً، فأيّ ثقافة هذه؟! أيّ ثقافة هذه التي تغتالُ الطفولةَ، وتمضي بها إلى عالَم لا يعنيها، عالَمٍ ملوّثٍ بالقبح، والظلمةِ، والدماء، عالَمٍ لا أمنَ فيه ولا أمانَ، عالَمٍ مدجّجٍ بالفقر والجوع والحرمان. أيّ ثقافة هذه الطاعنة في عمائها بصراً وبصيرة، القاتلة، والغادرة، والمدمّرة للحياة؟!‏‏

أربعٌ، أو تكادُ تصير أربعاً، ونحن نستعيد للطفولة قيمها التي بدّدها، أو يكادُ، الفصلُ الذي سُمّي زيفاً ربيعاً عربياً، ونحنُ نثمّرُ وجودها الحقيقيّ والحقّ، وجودها الذي يليقُ بها كما ارتضته السماءُ لها، وكما يجبُ أن تكونَ، وكما يليقُ بهذا الوطنِ أن يكونَ.‏‏

أربعٌ، أو تكاد تصير أربعاً، ونحن أشدّ إيماناً برجال جيشنا العربيّ السوريّ المدافعين عن سوريةَ الحضارةِ، سوريةَ التنويرِ، سوريةَ الوطن الباقي ما بقيتِ الحياةُ.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية