تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوميات عراقيين دون أمل ولا أحلام

التايمز
ترجمة
الاحد 3/12/2006
ترجمة رندة القاسم

على خلفية العنف الدائر في بغداد تمكنت ال (تايمز) من إقناع ستة عراقيين بزيارتها في مكتبها للحديث عن حياتهم الحالية معاناتهم من قصص متشابهة:

سعد حسام: أعزب عمره 23 عاماً يعمل في تنظيف الشوارع.. كان سعد مجنداً إلزامياً في الجيش العراقي حين دخلت الدبابات الأميركية بغداد في نيسان 2003 ففر من الجندية وعاد إلى منزله ليحتفل هو وأسرته بالحدث, يقول: كنا نرقص لقد شعرت وكأنني ولدت من جديد لقد حلم سعد بالحصول على عمل في المطار ما قد يساعده على السفر.‏

واليوم وبعينين مترعتين بالدموع يتذكر هذا الشاب النحيل ما حدث له, فقد باشر الأميركيون حملة لتنظيف الأوساخ حول العاصمة, وقد عرض (سعد) نفسه لخطر الاتهام بالتعاون مع العدو عندما عمل في تنظيف الطريق في منطقة الرشيد من أجل خمسة دولارات في اليوم.‏

وكان الأمر خطراً جداً ولكنه أضحى أكثر خطورة عندما بدأ المتمردون بزرع مواد متفجرة في الطرقات على شكل قمامة, وكان منظفو الشوارع يتعرضون للتفجير أو للاتهام بالوشاية إن هم تحدثوا عن موقع هذه المواد ويقول سعد: لا يمكنك أن تغض طرفك فإن تركتها هناك قد تقتل أشخاصاً أبرياء يمرون بها, ذات صباح في عام 2005 توقفت سيارتان قرب سعد وأربعة من زملائه ثم فتحت عليهم النيران فقتل اثنان من عاملي النظافة ويبكي سعد قائلاً: لقد كان شعوراً مراً, إنه عمل تافه وبسيط ومع ذلك لا تكون آمناً فيه.‏

ترك سعد عمله وبعد شهر قتل أخوه وجاره في هجوم عشوائي من رجال مسلحين بينما كان يتحادث مع أصدقائه خارج منزل العائلة, وبعد أيام أطلق رجال مسلحون النيران خلال الجنازة, ولفترة طويلة لم يخرج سعد من منزله, ولكن مع مرور الوقت أصبح لزاماً عليه وعلى أخويه الصغيرين العودة للعمل في تنظيف الطرقات لدعم أبويهم وبقية إخوتهم الثلاثة, ويقول سعد قال لي أصدقائي بأنه لا يمكنني الاستمرار هكذا وعلي العودة ثانية للعمل, ومنذ ذلك الوقت عثر على ثماني قنابل كما يعرف خمسة عمال تنظيف أصبحوا ضحية للقتل, وقد سمع بآخرين كثر.‏

ومنذ شهرين أصيب سعد في حادث تفجير سيارة قرب منزله والآن يعاني من جرح متقيح في يده اليمنى, ورغم أن جاره أخذه للمشفى إلا أنه لم يحظ بالمعالجة الصحيحة وهو لا يستطيع دفع ثمن الدواء المناسب كما أنه عاجز عن العمل.‏

وقد طلب من أخيه الأصغر الذهاب للعمل في مناطق أكثر أمناً في بغداد رغم أن الأجر يدعو للسخرية, وفي حال شفاء يده سيعود للعمل فليس أمامه خيار آخر والعائلة لا تملك مصدراً آخر للدخل ويقول: أحياناً أنا وأخي ننظر إلى بعضنا مع عودتنا للمنزل ونضحك من المبلغ الذي كسبناه.‏

لقد تحطمت أحلام سعد منذ زمن طويل دائماً نقول إن شاء الله سيكون هناك حل, ولكن في الواقع لا نرى أي أمل.‏

هل يتمنى سعد عودة صدام? يقول: نعم ولعدة أسباب فخلال عهد صدام لم أر صديقاً يقتل أمامي لم أر جاراً يساق خارج منزله بسبب انتمائه الطائفي فقط ولم أكن أرى عائلات بأكملها تذبح وتقتل.‏

حميد عبيد محمد: خباز متزوج عمره 38 عاماً .في الثامنة والنصف من إحدى الصباحات اندفع رجال مسلحون إلى مخبز يمتلكه صديق حميد وأطلقوا النيران مودين بحياة ستة زبائن وعاملين كما وقتلوا صديق حميد ووضعوا جثته في الفرن.‏

وقبل ستة أسابيع رأى حميد سيارة صالون (أوبل) تتوقف عند مخبز مقابل مخبزه في منطقة (باييا) جنوب وسط بغداد وأطلق أربعة رجال النيران فقتلوا عاملين وزبونين ويعرف حميد على الأقل سبعة خبازين من منطقته قتلوا من قبل (المجاهدين) والسبب بسيط وهو أن خبازي العراق يعتمد عليهم في تزويد القوات الأمنية والدوائر الحكومية التي تسيطر عليها الحكومة الجديدة, وقد تلقى حميد تهديدات غير مباشرة فاستغنى عن عقدين لتزويد الخبز للحرس القومي و توقف عن العمل في فندق الرشيد وسط المنطقة الخضراء.‏

ومن الصعب أن يفتقد عمله, ويقدر أن ربع جيرانه غادروا المدينة وقتل على الأقل اثنا عشر من زبائنه الدائمين, والمطاعم التي اعتاد تزويدها بالخبز تم إغلاق معظمها, وكان من عادته بيع عشرة آلاف رغيف في اليوم ولكنه الآن يبيع أقل من ألف ولم يعد يجرؤ على فتح محله باكراً وإغلاقه في وقت متأخر وقد ترك خمسة من العمال لدى حميد العمل بسبب الوضع الخطر وهو نفسه يتمنى لو كان بإمكانه ترك عمله, ولكن عليه إعالة والديه وزوجته وأولاده الثلاثة, وقد هرب إخوته وأخواته إلى سورية ولم يستطع اللحاق بهم.‏

ولم يسجل حميد ابنته ذات الأعوام الخمسة في حضانة بعد أن اختطف أحد الأطفال.‏

وهو الذي فرح لسقوط صدام يتوق الآن للأمان الذي كان قبل الحرب فالمجتمع العراقي محطم ويقول: لا يوجد حل, ليس أمام أطفالي أي مستقبل كيف بإمكانك بناء حياة أفضل لهم بينما نناضل كل يوم لأجل البقاء.‏

ايناس داوود:موظفة إدارية متزوجة 28 عاماً, زارت بلداناً كثيرة لكونها ابنة دبلوماسي حائزة على شهادة في إدارة الأعمال, لقد عاشت في الصين والمغرب وهي ذكية ومفعمة بالحيوية وتلمح على وجهها إشراقة ولو لمدة وجيزة, حيث تعود بذاكرتها إلى أيام ما قبل الحرب وكيف كانت تمضي أيام الإجازات مع أصدقائها الحفلات وارتياد المطاعم.‏

وهذا لم يستمر طويلاً فخلال السنتين الماضيتين انقلبت حياتها رأساً على عقب لدرجة أنها وزوجها محمد أصبحا سجينين في منزلهما بمنطقة (الأميرية) السنية في بغداد.‏

أولاً كان عليها ترك عملها في شركة تجارية وسط بغداد لأن انتشار المتاريس والقنابل والسرقات وعمليات الخطف أمور جعلت الرحلة إلى مكان عملها محفوفة بالخطر, وبعد ذلك بدأ المجاهدون بفرض أحكام أشبه( بالطالبانية) على (الأميرية ذاتها).‏

وتوقفت (ايناس عن ارتداء البنطال (الجينز) بعد سماعها عن مقتل نسوة بسبب ارتدائهن ملابس غريبة ثم تخلت عن قيادة السيارة وسريعاً ما أصبحت غير قادرة على الذهاب للتسوق أو لتصفيف شعرها كما وامتنعت عن استخدام المساحيق التجميلية, وتوجب عليها وضع الخمار ومن ثم ارتداء العباءة وشيئاً فشيئاً شعرت بأنها غير قادرة على مغادرة منزلها إطلاقاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية