|
فضائيات ويشاطره بعض الزملاء الرأي في ذلك, فيخيل للقارىء أن الكاتب على أبواب الرحيل عن هذه الدنيا, ويجلس مع قهوته الصباحية ويجلده بالذكريات التي تصلح لكتاب يحمل عنوان ( 100 عامٍ من التذكر ), لكنني أعتقد صادقاً أن لعنة التذكر هذه لها سبب واحد لدي هو لعنة المعاش والمشاهد الآن, ومن هنا يبدأ التوق إلى جميل وصادق, واستهجان الحاضر المسطح الذي يمكن لأغنية ( بوس الواوا ) أن تبث في كل القنوات العربية دون خجل, في نفس الوقت الذي تنسحب أسماء مثل ( عبد الوهاب, فريد الأطرش, فيروز ) من الذاكرة العربية, باستثناء فيروز فقد يكون للتقليد الأهوج سبب في وجودها الصباحي مشروبة مع ثرثرة فنجان القهوة.. ببساطة ما أثار في نفسي هاجس التذكر بالأمس, هو صدى صوت ( مروان صواف ) الذي لم يخفت بعد, بمقدماته الطويلة عن الضيف الذي يستقبله, أو عن الفيلم الذي يقدم له, ببراعة ولغة تكاد تعلو فوق الضيف والموضوع, اللغة التي لا تنتظر, ولا تدع التعثر ينال رشاقتها, كل كلمة بمكانها لا فائض من الثرثرة أو الانتقاص الذي تسببه الخلفية السطحية لدى المعد والمقدم. (مروان صواف) الذي سهر لانتظاره في أواخر الثمانينات السوريون ليتابعوا ( مجلة التلفزيون) بشارتها الرائعة وعناوينها المثيرة, وبداية للحوار خطه صواف في التلفزيون السوري بعد أن كان غارقاً في التقريرية. ومن ثم حواراته الساخنة مع ضيوفه العرب, أما في ( بساط الريح ) فذهب مروان صواف إلى أبعد من ذلك, في إثارته للقضايا العربية الكبرى, واستضافته لنجوم كبار في تلك المرحلة (محمد فاضل, فردوس عبد الحميد, أسامة أنور عكاشة ) ونقاشاته الطويلة عن ( ليلة القبض على فاطمة, ليالي الحلمية, أرابيسك ) تلك السهرات التي شكلت ذوقنا في المشاهدة والتحليل. أما الذي يؤكد جدارة ( مروان صواف ) بهذه المساحة, هو عدم قدرة الذين جاؤوا بعده, وتعددوا, وتلونوا لكن مجلة التلفزيون لم تعد تثير فينا رغبة السهروالمتابعة كما كانت, بمقدميها وفقراتها, وحتى شاراتها التي اجتهدوا بتقنيات أفضل للفت أنظارنا إليها لم تكن مجدية. غادر ( صواف ) سورية, واستمر في نفسه, يحاور, ويجدد, ولاحقه معجبوه إلى القنوات العربية الأخرى ( الشارقة ), ولم يختلف صوته المحاور وضحكته المميزة, والحصار الذي يمارسه على ضيفه وصعد مكانه في تلفزيوننا, مذيعون مخضرمون, بنفس ثيابهم وأدائهم, وجاء بعدهم جيل جديد, كان ينتقد أداء سابقيه, لكنه لم يقدم جديداً سوى تقليد مذيعي ومقدمي المحطات العربية ( الجزيرة ) مثلاً. هناك من يقلد ( جمال ريان, محمد كريشان ), هذا في الأخبار, أما في المنوعات فأكثرهم براعة هو من استطاع تجسيد دور ( ميشو ) في أسوأ حالاته, لكننا لم ننسَ في زحمتهم وتعثرهم الماضي الاخباري ل ( الصواف ), الذي كانت تشاع حوله القصص كونه المذيع الوحيد الذي يقرأ النشرة دون النظر إلى الورق إلا فيما ندر, في زمنٍ كان المذيع السوري ينظر في أوراقه ويقلبها دون أن يعرف مشاهد واحد لون عينيه. يعتقد جاري السمان ( أبو سليمان ) أن صاحب الدكان إذا أفلس, يلجأ إلى دفاتره القديمة, وينبشها ودفاترنا القديمة منتشرة في كل الفضائيات العربية, متميزة, وقادرة, ويشار إليها كعلامات فارقة, وبعضها في سدة هذه الفضائيات ( أيمن جادة - ابراهيم القاسم - مصطفى الآغا - ياسر علي ديب .. وآخرون ) ننبشهم لأننا لسنوات طويلة نبدو بلا ملامح, القديم والجديد, يتشابهان, ايقاع واحد, جعل منا مشاهدين لقنوات الآخرين, بينما تلفزيوننا الوطني يردد نفس اللحن الذي لم يعد يطرب له أحد. |
|