تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أردوغان في تفاصيل عفرين ..بين «العفريت الكردي » و «الشيطان الأميركي »

الثورة
متابعات سياسية
الجمعة 19-1-2018
فؤاد الوادي

فيما بدت وتيرة التهديدات التركية تتصاعد باتجاه منطقة عفرين الحدودية، كانت تحذيرات دمشق على لسان معاون وزير الخارجية فيصل المقداد حاضرة بقوة على الطاولة التركية، وهو الامر الذي دفع بالقيادة التركية الى إعادة حساباتها عبر معاودة الاعلان عن أن العملية العسكرية المرتقبة لأنقرة في عفرين ستكون بالتنسيق مع روسيا وإيران في محاولة لامتصاص واحتواء غضب دمشق التي بدت مواقفها تجاه أي تحرك عسكري تركي في الشمال واضحة وحاسمة و جاهزة للتنفيذ في أية لحظة.

وكان رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان قد صعد من وتيرة تهديداته خلال اليوميين الماضيين موحياً أن الاصبع التركية باتت على الزناد وتنتظر بفارغ الصبر الأمر العسكري من القيادة بتحديد ساعة الصفر للهجوم وحسم المسألة التي طالما باتت تشكل كابوساً وهاجساً مؤرقاً للنظام التركي.‏‏

استعراض عضلات ..‏‏

‏‏

لكن السيد أردوغان نسي أو تناسى وهو يستعرض عضلاته وسط زحام تهديداته وصراخه المتعال أن إصبعه ما كانت يوماً ليجرؤ أن يضعها على الزناد بدون إذن وأمر أميركي، وأن ساعة الصفر التي يهدد باقتراب موعدها لم تُضبط يوماً إلا على التوقيت الأميركي ، فما تقرره وترتئيه واشنطن هو الذي سوف يكون حتى لو بدا الظاهر عكس ذلك وحتى لو تعالى صوت أردوغان تنديداً ورفضاً وغضباً من السياسات الاميركية التي تركته في منتصف الطريق، وهو الذي لطالما راهن عليها ممتطياً صهوة أطماعه وأطماعها لتحقيق مآربه وأهدافه في المنطقة وفي مقدمتها فرض نفسه كقوة إقليمية قائدة للمنطقة.‏‏

حسابات موسكو وطهران حاضرة‏‏

وفي ظل وصول مزيد من التعزيزات العسكرية التركية إلى ولاية هطاي الحدودية مع سورية، قال وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده تبحث مع روسيا وإيران استخدام المجال الجوي فوق سورية معللاً ذلك بحاجة أنقرة للتنسيق مع البلدين لمنع وقوع حوادث بحسب تعبيره، وفي هذا اعتراف غير مباشر بعجزه عن التورط في هكذا مقامرة دون أن تكون حسابات الطرفين وردود أفعالهما وهما الحليفان القويان لدمشق حاضرة بقوة على أجندته قبيل الاقدام على أية حماقة جديدة، خاصة وأنه بات في مفترق طرق بعد أن خذلته حليفته الكبرى أميركا التي لاتزال تتخذ منه ورغما عنه مطية لمكاسبها ومصالحها وأطماعها الشخصية.‏‏

وكانت محاولات النظام التركي اجتياح مدينة عفرين قد اصطدمت قبل أيام بما أعلن أميركياً من نية الولايات تشكيل ميليشيات ارهابية في الشمال السوري بالتعاون مع ما يسمى (قوات سورية الديمقراطية)، الامر الذي أثار حفيظة وغضب اردوغان الذي اعتبر الاعلان الاميركي بمثابة طعنة أميركية جديدة لتركيا.‏‏

في حرب المحاور هل يمضي بحماقته..؟‏‏

وسط هذا الطوفان الجارف من التصريحات والتحليلات، يبرز السؤال الاهم، هل يمضي أردوغان بتنفيذ تهديداته دون أن يأخذ بعين الاعتبار مواقف الاطراف الاخرى ، خاصة روسيا وإيران اللتين تعتبران تركيا شريكاً داعماً ومساعداً في العملية السياسية ؟ ، ثم هل بإمكان الاخير تجاهل الولايات المتحدة حليفه الاساسي بعيدأ عن الايحاء المعلن بتصاعد سقف الخلافات والصراعات بينهما رغم وجودها كواقع على خلفية الدعم الاميركي للمجموعات الكردية المسلحة التي تجاهر بالعداء لتركيا؟.‏‏

أسئلة قد يصعب الاجابة عليها بسبب تعقيدات المشهد التي تعزى الى ترابط وتشابك وتداخل المصالح والاهداف والادوار، لكن ببساطة يمكن القول : إن جميع تلك الاطراف المتصارعة في سورية وعلى سورية ومن أجل سورية (اميركا - روسيا- إيران- تركيا- الخليج) قد وصلت الى قناعة مطلقة بضرورة أن يكون هناك» كبش فداء» تدفعه حماقته وغروره وعنترياته الى المحرقة وربما الى المصيدة .‏‏

هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فإن عفرين لم تعد مجرد بند على الاجندة التركية، بل هي تتجاوز في أبعادها القرار التركي ، لأنها باتت محور استقطاب واهتمام إقليمي وعالمي جعلت مصيرها مرتبطاً بكل المعادلات والتوازنات الدولية والإقليمية، وهي باختصار قد تكون مركزاً لحرب المحاور، وهذا ما يجعل من محاولة التصعيد فيها من أي طرف من الاطراف أمراً محفوفاً بالمخاطر لأنه قد يدفع بالجميع الى حافة الهاوية.‏‏

بكافة الاحوال فإن الموقف والسلوك التركي الحالي يعكس فشل السياسة التركية على كافة الاصعدة والمستويات ومع جميع الاطراف، بدءا من الاميركي الذي يتلاعب به كيفما يشاء، وصولا الى الايراني والروسي اللذين أعلنا صراحة رفضهما لما يقوم به النظام التركي من تصعيد وتوتير للأجواء وعلى مختلف الجبهات وهو الذي يفترض به أن يكون طرفاً داعما ومساعدا للحل السياسي، خاصة ونحن على بعد خطوات قليلة من مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي.‏‏

السيناريوهات المتوقعة ..‏‏

مأزق أنقرة الذي يتفاقم يوماً بعد يوم قد يدفع برئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وفي ظل محدودية الخيارات وعلى قاعدة حفظ ماء الوجه، قد يدفع به الى ارتكاب حماقة جديدة من خلال قيامه بعملية عسكرية في منطقة عفرين متجاهلا كل التحذيرات والتهديدات، وهو الامر الذي يشرع الباب على جملة من الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تخرج عن حدود الضبط والتحكم وهنا الطامة الكبرى.‏‏

السيناريو الاول وهو الاقل حظاً هو في إقدام تركيا على القيام بعملية شاملة لن تتوقف قبل اجتياح كامل منطقة عفرين بحسب ما أعلنه اردوغان مؤخرا بهدف القضاء على الخطر الكردي هناك أو «سحقه» حسب تعبير الاخير.‏‏

وحظوظ هذا السيناريو هي الاقل لان هذا العمل العسكري إذا ما قامت به أنقرة سوف يصطدم بالجدار السوري الصلب الرافض لاي احتلال أو تهديد وهذا ما أعلنته دمشق صراحة، يضاف الى ذلك جملة من التحديات الصعبة التي ستواجه قوات اردوغان ولعل ابرزها قلة خبرة الجنود الاتراك والطبيعة الجبلية الصعبة لمدينة عفرين ما سيكبد القوات التركية خسائر فادحة، كما أن هذا الامر سيطيل أمد المعركة، في وقت يسعى فيه أردوغان الى نصر سريع يخلط الاوراق ويعيد ترتيب الاولويات ويدفع به الى قائمة المنتصرين.‏‏

أما السيناريو المرجح، فهو لجوء أنقرة الى حرب من خارج الحدود من خلال استخدامها القصف المدفعي المستمر والمكثف ضد بنك من الأهداف بهدف تشديد الحصار على المنطقة من دون خوض عملية برية واجتياز الحدود وهذا يحقق لها عدة آهداف دفعة واحدة( يحفظ لها ماء وجهها ويمنعها من الصدام المباشر مع روسيا وإيران وأميركا) ، وقد لا تفضي هذه العملية إلى التخلص من الخطر الكردي لكنها قد تساهم في رفع معنويات مناصري «العدالة والتنمية».‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية