|
الثورة حيث شهدناها في الحرب الدائرة على سورية لم تعدم وسيلة إلا واتبعتها سواء في التمويل أو التسليح أو الدعم للتنظيمات الإرهابية وكان آخرها الإعلان عن تشكيل ميليشيا اسمتها «قوة أمنية حدودية». أما في علاقاتها مع إيران، فقد ازداد التوتر بين واشنطن وطهران إثر إعلان الرئيس الأميركي عن «تنازله الأخير» بفرض عقوبات جديدة ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني وأبدى رغبته بتعزيز الاتفاق باتفاقية أخرى خلال مدة أربعة شهور والتوعد بالانسحاب منها في حال عدم تنفيذ مطالبه. حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر في الآونة الأخيرة، أماطت إدارة ترامب اللثام عن السياسة التي تعتزم اتباعها في سورية والتي تقوم على بسط نفوذها على أراض سورية، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، إذ أصبح الموقف الأميركي أكثر تعقيدا مما كان عليه في السابق نظرا لاعتمادها على التحالف مع الأكراد في سورية ويبذلون المحاولات المستميتة للسيطرة على مساحات واسعة من الاراضي في شمال وشرق البلاد. ونذكر في هذا المقام، بأن لدى الولايات المتحدة حوالي 2000 جندي في سورية، لكن قوتها العسكرية تعتمد على استخدام القوة الجوية لدعم حلفائها الأكراد ممن يرتبطون بالفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يقوم بحرب عصابات في تركيا منذ عام 1984. لذلك فإن التحالف الأميركي مع الأكراد في سورية يعني إشعال نار الخلاف مع تركيا الأمر الذي بدا جليا في الأيام القليلة الماضية عندما أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها تشكيل قوة عسكرية حدودية قوامها 30 ألف فردا بذريعة حفظ الأمن على طول الحدود السورية التركية، مما دفع بالرئيس رجب طيب أردوغان إلى شجب وإدانة تلك الخطوة قائلا بأن «دولة نعتبرها حليفة تصر على تشكيل جيش إرهابي على حدودنا، وماذا سيفعل هذا الجيش الإرهابي سوى استهداف الأراضي التركية؟ وفي الوقت الراهن فإن هدفنا وأده قبل أن يولد» يبدو بأن الولايات المتحدة لم تضع سياسة طويلة الأمد في سورية. لذلك نراها تعتمد على دعم وكلائها الإرهابيين في محاولة منها لزعزعة استقرار هذا البلد وزرع الفتنة واستغلال الفوضى فيه بهدف تحقيق مصالح ومآرب طالما حلمت هي وربيبتها إسرائيل وحلفائها في المملكة العربية السعودية بتحقيقها، ولتسهيل تلك المهمة عمدت إلى بذل شتى المساعي الرامية لإضعاف إيران من خلال التدخل بشؤونها الداخلية. زعزعة جديدة للشرق الأوسط برمته إن حدوث أية مواجهة إيرانية-أميركية يعني زعزعة استقرار مناطق من الشرق الأوسط أخذت مسارها نحو الاستقرار بعد هزيمة داعش في النصف الثاني من العام الفائت, لكننا نعتقد بأن محاولات واشنطن ستبوء بالفشل ولن تجديها نفعا, إن المعضلة الكبرى تتمثل في قصر نظر الإدارة الأميركية التي ترى بأن إيران لقمة سائغة وبإمكانها التغلب عليها بسهولة, إذ يعتقد المسؤولون الأميركيون بأن الحكومة الإيرانية باتت أكثر ضعفا ومن السهولة انهيارها, وقد تعزز لديهم هذا الشعور بعد اندلاع الاحتجاجات في 28 كانون الأول والتي لاقت الدعم والتمويل من السعودية والولايات المتحدة الأميركية. لقد تزايدت التوترات الإيرانية-الأميركية مؤخرا بعد قرار الرئيس ترامب بتمديد نظام رفع العقوبات عن إيران بموجب الاتفاق النووي ورغبته بإجراء تعديل عليه خلال اربعة أشهر وعدم السماح باستمراره بعد ذلك دون تلبية رغباته. في الحين الذي قال به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعدم إمكانية إعادة التفاوض على هذا الاتفاق الذي عقدته إيران مع الدول الست (الصين وروسيا وأميركا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في 2 نيسان عام 2015. لاريب بأن إيران ستتخذ كافة الاجراءات والتدابير الصارمة كي تحول دون تنفيذ السيناريوهات التي تعدها الإدارة الأميركية, وفي هذا السياق، قال رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لصحيفة الاندبندنت: «لدى الإيرانيين انطباع بأن جهات معادية تحاول اسقاط النظام في إيران، وهذا أمر بات مفهوما، لذلك فإنها لن تدخر جهدا إلا وستبذله بغية حماية نفسها سواء داخل حدودها أو خارجها» يرى مراقبون بأن خطابات ترامب العدائية لا تترافق عادة مع اتخاذ أي إجراء فعلي. لكن لا مناص من أخذ تهديداته حيال الشرق الأوسط على محمل الجد حتى لو اتسمت بالتفاهة والسخف. لكننا نعتقد بأنه في الأحوال التي يعمد بها ترامب إلى تنفيذ ما يعلنه من استراتيجية حيال سورية وإيران فإن الإدارة الأميركية ستشعر بالندم إزاء ما فعلته من إشعال لحروب لا مبرر لحدوثها والتي سيكون لها نتائجها السلبية على الولايات المتحدة وشعبها. |
|