تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ركوب الموجة

معاً على الطريق
الجمعة 19-1-2018
ديب علي حسن

من يركب البحر لا يخشى من الغرق، طالما سمعنا الأغنية، وحلقنا بعيداً، خلف الأمواج، هل نركب البحر ؟ وكيف لا نخشى الغرق ؟ وهل من أحد في هذا الكون لايخشى شيئاً من ركوب الطائرة أو الباخرة،

بمعنى آخر يخشى مكروهاً يقع له وهو يستقل إحدى الوسيلتين ..؟‏

أمواجنا، ليست بحرية، هي موجة ( الموضة) الدارجة الآن، الكل يتحدث عن الفساد، والكل يريد إصلاحاً إدارياً ، والكل يتغنى بالوطن، وقلبه عليه، وعلى فقرائه، مشغولون جميعنا بالحديث عن القيم، نصفق لها، نحاضر عنها ما استطعنا إلى ذلك.. كل عام، له موجته، كل مرحلة تتلاطمها أمواج شتى، تبدأ أحياناً من القاعدة إلى حيث يجب أن تصل، وأحيانا كثيرة من قبل القمة نزولاً، وعلينا ركوبها ريثما نخترع موجة جديدة، نحضر مجاديفها، أدواتها، ومن يطبل لها، وليكن القفز إلى موجة أخرى.‏

لا يهم ماذا فعلنا أو فعلت بنا الموجة السابقة، هل كان الشط آمنا، هل غرقنا بشبر ماء ؟ لا أخفيكم أني ناشط على الفيسبوك، ولدي 5000 صديق وصديقة، من ألوان الحياة وأشكالها، ولست بأحسن حالاً منهم، لكن العجب العجاب الآن موجة الألقاب وشهادات الدكتوراه التي تمنحها دكاكين الحذائين، طبعاً مع حبي وتقديري لهم، وكنت أحلم أن أكون حذّاءً، ولو كنته لاختلف الأمر مالياً ومجتمعياً ...‏

موجة يركبها الكثيرون، وهم يعرفون أنها كذبة لا معنى لها، فكيف للسقيم أن يمنح الصحة لآخر ، جاهل بألف باء الكتابة يمنحك دكتوراه، وأنت تعرف يقيناً أنك لم تصل إلى الصف السادس ؟ هذه موجة الأزرق الآن، ولكن ماذا عن موجات نحن صناعها، تصريحات، جولات، استثمارات خلبية، تجار يتحدثون عن الحلال والحرام، مسؤولون كثيرون كدنا نكبر صورهم في منازلنا لكثرة التقوى التي تنضح زوراً من عيونهم، ومع أول اختبار حقيقي تتحطم الموجة وتنكسر ..؟‏

مطر السماء صنع موجاً على الأرض، كشف وعرّى الكثيرين، ألم تروا المشهد أمامكم، مدن الساحل صارت جزراً بحرية، يعبدون الشوارع فوق فوهات الصرف، تطوف البيوت، والكل يتقاذف المسؤولية.. مسؤولونا الكرام بالصيف كانت مدننا الساحلية محجاً لهم، لا أدري هل خطر ببال أحدهم أن يسأل المعنيين هناك عن الاستعدادات لفصل الشتاء .. هل التقوا الناس واستمعوا إلى معاناتهم، أم أن بعضهم ظل نزيل الفنادق ..؟‏

موج الشتاء عرّانا جميعاً، أرض اتقدت بدماء الشهداء، هي الآن صقيع، صقيع، صقيع الوطن مر وقاس وقاتل ومدمر، هل تذكرون تلك الأم التي أنزلت صورة ابنها الشهيد ذات شتاء قاس، ودثرتها وتدثرت بها ..؟ أين هي تلك الأم وغيرها من الأمهات، ألسنا نحن الآن بحاجة لدفء من رحلوا إلى السماء؟‏

قديماً كانوا يقولون: شمس الأحياء لا تدفىء الموتى، أما الأكثر صحة أن شمس من رحلوا هي التي هطلت برداً وسلاماً على أرض طهر مقدسة.. ذات يوم خاطب أحد أعلامها أحد المسؤولين قائلاً:‏

هذي الجبال أساورعربية صدئت‏

وأغفلت الشآم صقالها .......‏

الموج عات، متمرد، الجوع كافر، الميدان وحده شاهد على أن الإنجاز بكل شيء هو ما تحقق ويتحقق، لا ما نعد به وننتظره كما غودو، سورية عظيمة، عظيمة، أمواجها الحقيقية لا تغرقنا، تعطينا قوة، ألسنا من روض البحر وطاف العالم، وما لكم : تغرقون بزوبعة فنجان ؟ أليس لأنكم \ بعضكم \ يجب أن يحاسب تحت المطر وقرب فوهات الصرف . ‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية