تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل النرجسي.. شخصية مضطربة تعشق ذاتها أم...!!؟

مجتمع
السبت 2-3-2013
محمد عكروش

جميل أن يعتز الإنسان بنفسه أمام الآخرين إذا كان أهلاً لهذا الاعتزاز، أي إذا كان يحمل مقوماته التي يأتي في مقدمتها حسن الأخلاق ورجاحة العقل فحسن الأخلاق يعني احترام الإنسان لنفسه وللآخرين.

أما أن يكون الاعتزاز المرء بذاته والتبجح بها دائماً بمناسبة أو بدونها، فهذا ليس اعتزازاً بالذات ولا يمت له بصلة، بقدر ما هو مرض نفسي يسيطر على الذات فيعمي بصيرتها ويترك البصر وحيداً ليرى الحقائق على غير حقيقتها أو صورها الواقعية.‏

حيث يرجع مصطلح النرجسية إلى الأسطورة اليونانية التي تقول أن شاباً جميلاً اسمه نرجس رفض حب الحورية المرسلة إليه من قبل الآلهة فعاقبته بأن يعشق صورة وجهه المنعكسة على صفحة الماء ثم حولته إلى زهرة النرجس.‏

وفي رواية أخرى لنفس الأسطورة أن الشاب الجميل نرجس كان يتمشى في الغابة فرأى انعكاس صورة وجهه على صفحة بئر فأعجب بها جداً واقترب منها كي يعانقها فغرق ومات.‏

بين هذه وتلك كيف يصنفها العلاج النفسي؟ وما العوامل التي تساعد على امتداد نموها وكيفية آلية العلاج؟‏

خلط للمفاهيم‏

هذا ما سنعرفه مع دكتورة العلاج النفسي رآفات أحمد مدرسة في كلية التربية جامعة دمشق حيث قالت: عادة يخلط الناس بين مجموعة من المصطلحات كالأنانية والغرور والثقة بالنفس لكن من المفيد جداً التمييز بين هذه المصطلحات فالأنانية هي حب التملك أي الرغبة الشديدة بالشعور بامتلاك الأشياء لقيمتها بحد ذاتها أما النرجسية فهي حب الذات لأجل الذات وقيمة الذات المتصورة فقط‏

أما الغرور فهو يمكن أن يكون أما مترافقاً مع مجموعة من القدرات والإمكانات التي تجعل الشخص يشعر بأنه مختلف وأفضل من الآخرين وهنا يكون الغرور مبرراً ناتجاً عن طريقة تربية أو عن خبرات تعلم أو أن يكون غير مبرر والشخص مغرور لاعتقاده بالتميز دون أن يكون هناك أساس حقيقي لهذا الاعتقاد هنا يمكن أن نعتبر الغرور هو درجة من درجات النرجسية لكنها درجة منخفضة وغير شديدة.‏

نقاط قوة وضعف‏

أما في حال الثقة بالنفس فنعرفها على إنها الوعي بمجموعة القدرات والإمكانات ونقاط القوة الموجودة لدى الشخص كما هي على حقيقتها والعمل على استثمارها بالشكل الأمثل في حياته اليومية ومن ناحية أخرى الوعي بنقاط الضعف الموجودة لديه والعمل على تطويرها أو الحد من تأثيرها على حياته الشخصية والمهنية‏

- الشخصية النرجسية كيف تصنفيها وهل تعد بحد ذاتها شعوراً يستحوذ على المرء ويجعله يعشق صورته أو أنانيته أو جسده ليطلق عليه اضطراباً في شخصية صاحبها؟‏

-- عندما نتحدث عن الشخصية النرجسية فنحن نتحدث عن أحد اضطرابات الشخصية التي يتطلب تشخيصها توافر صفات مترافقة من السلوكيات مزمنة كإعطاء قيمة زائدة للذات بقدراتها وإمكاناتها ومهاراتها غير متطابقة مع ما هي عليه في الواقع، والانشغال الزائد وغير المبرر بخيالات وأحلام اليقظة عن النجاحات الباهرة عن المكانة والقوة والجمال والحب المثالي.‏

وكذلك الاعتقاد بأنه شخصية متميزة وأنه لا يفهمه إلا المتميزون ولا يتعامل إلا مع المتميزين إضافة على متطلب الإعجاب والإطراء دائماً وغير القادر على تحمل النقد ويعتقد أنه يستحق الامتيازات وان يعامل بشكل متميز واستثنائي.‏

مرحلة الرشد‏

وأما في مرحلة الرشد تؤدي بدون أدنى شك بدورها إلى مشكلات ومعاناة وصعوبات في التكيف حيث يتولد لديه شعور بنقص التعاطف مع الآخرين والقسوة وعدم الشعور بالآخر، كما يستغل الآخرين ليس لحب في الاستغلال بحد ذاته إنما لاقتناعه أن يحق له استغلال الآخرين ويحق له أن يخدمه الآخرون، كما يجب على الآخرين الشعور بالامتنان لأنه يسمح لهم بخدمته كما يغار من الآخرين لدرجة الحسد كثيراً ويعتقد أن الآخرين يغارون منه بالإضافة إلى انه متبجح ومتغطرس في سلوكه وكلامه.‏

أسلوب التعبير عن نفسه‏

والجدير بالذكر تتابع د. رآفات أن كل هذه الغطرسة وحب الذات تكون مترافقة مع شخصية ضعيفة مهزوزة من الداخل تبحث دائماً عن أسلوب للتعبير به عن نفسه وإيجاد مكان لنفسه في بيئة يشعر بها متحدية رافضة، كما أن التعامل مع هذه الشخصية في الحياة اليومية هو غاية في الصعوبة والتعقيد قائم على الجدل والعناد الدائمين، في إطار بحث النرجسي عن التميز والدلالة عليه من قبل الآخرين بأهميته وسطوته.‏

- ما العوامل التي تساعد في نمو هذه الشخصية (النرجسية) برأيك ؟‏

- شخصية الطفل الحساسة الزائدة والتي تتأثر بشكل كبير بأي رد فعل أو انتقاد أو عقوبة غير مدروسة من قبل الأهل يمكن مع تكرار هذا الأمر أن يطور شخصية نرجسية باحثة عن الاهتمام والتمحور حول الذات‏

- النبذ والكره والنفور من قبل الأهل للطفل تشعره بالذنب وعدم التقبل لمجمل سلوكياته التي تصدر عنه حيث لا شكر ولا أعجاباً ولا ايجابية تصدر من الأهل حيال ما يصدر عن طفلهم من كلمات أو حركات أو مبادرات لا شيء سوى النقد والتجريح والعقوبة ما يمهد الأساس أيضاً لتطوير شخصية نرجسية أيضاً‏

صريح ودافئ‏

- الحماية الزائدة غير المبررة من قبل الأهل على حركاته ولعبه وطعامه وكل ما يصدر عنه من تعليقات أو كلمات هذا الخوف والحماية الزائدة المبالغ فيهما يؤسس لشخصية تعتقد أنها الأفضل والأقوى والتي تستحق لأجل ذلك كل الحماية والدعم نظراً للتميز الذي خصها الله به دون غيرها أي تضع الأساس لتطوير شخصية نرجسية في مرحلة الرشد‏

- كذلك الإعجاب وكيل المديح المستمر والزائد وغير الواقعي من الأهل وتقديم الإطراء للصفات الجسمية والنفسية للطفل ممكن أن تسهم بنمو شخصية نرجسية.‏

- البرود العاطفي والفشل في بناء علاقة عاطفية دافئة ومستقرة مع الطفل. إذ لابد أن يقوم الأبوان بالتعبير عن حبهما للطفل من وقت لآخر بشكل صريح ودافئ فشخصية متصنعة‏

أما إذا فشلت الأسرة في إقامة هذه العلاقة الدافئة فإنها تؤسس لشخصية باردة متصنعة متكلفة غير قادرة على التعاطف مع الآخرين وعلى إظهار مشاعرها والتعبير عن نفسها إلا من خلال التعجرف والتكبر.‏

- هل هناك ثمة علاج للشخصية النرجسية؟‏

-- تؤكد د. رآفات بشكل عام ترفض هذا النوع من الشخصيات الخضوع لأي نوع من أنواع العلاج نظراً للطبع المتغطرس لديها والذي يجعلها ترفض الاعتراف بأي نوع من أنواع الضعف أو الثغرات في حياتها والتي تتطلب تدخلات نوع ما, لهذا لا بد من مساعدة المحيط المتمثل بالأسرة والمقربين جداً من الشخص لوضعه في إطار فهم ما يمكن أن يمر به من صعوبات في علاقاته المهنية والشخصية بسبب طباع شخصيته النرجسية‏

غير متكيفة مع محيطها‏

لافتتاً بالإمكان بعد ذلك تطبيق تقنيات العلاج المعرفي والسلوكي والمتمثل بمجموعة من المراحل تبدأ بالتثقيف النفسي عن اسم الاضطراب وسماته السلوكية والنفسية وكيف يتجلى في الحياة الواقعية ثم تليها المرحلة المعرفية حيث يتم تعريف الشخص بطريقة التفكير اللامنطقية التي يتبعها بشكل اعتيادي في حياته اليومية والتي أحدثت إلى تطوير شخصية نرجسية غير متكيفة مع محيطها تليها المرحلة السلوكية القائمة على تدريب الشخص على تقنيات الاسترخاء والمواجهة والتدرب على تقنيات توكيد الذات ومهارات التواصل الاجتماعي الفعال.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية