|
مجتمع قد تكتشف مع كل خطوة تخطوها بين أمام من هم أكبر منك سناً أنك تتعلم ما لم تكن تتوقع أن تتعلمه فتعتريك الدهشة للحظة ثم تمضي بمضيكَ عن الموقف الذي أثار هذه الدهشة لكن من يرغب بتذكّر مواعظ الحياة البسيطة ما عليه سوى مرافقة أحد الذين قذفهم العمر بعد الثمانين عاماً على سبيل المثال! لا أعرف كيف يأتي كبار السنّ بكلّ هذا الصبر والإيمان والقدرة على التحمّل، ففي الوقت الذي ظهر غضب بعض الشباب واضحاً مما تعرّضت له أرزاقهم ومحاصيلهم بسبب العواصف والأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة طرطوس كان كلّ همّ ذلك «العمّ» أن يقف بين أولاده وبين وقوعهم بخطأ اللسان واعوجاجه مذكراً لهم خلال الدقيقة مرّتين أن كلّ ما يأتي من عند الله هو خير وبركة ويجب أن يحمدوا الله دائماً على نعمته المتمثلة بالمطر حتى لو أدى ذلك إلى تلف الموسم فالخير كله عند الله وسيعوّضهم ضعف ما خسروه... قبل سنتين كنت أسأل والدي: لماذا تجمّع كل هذا الحطب وما حاجتك له فقال: قد يأتي يوم ونحتاجه لسبب أو لآخر، وفي الأيام الباردة التي بدأت منذ مطلع عام 2013 والسوء في توزيع مازوت التدفئة عرفتُ ما قيمة أن يكون في كلّ بيت رجل خبر السنين أكثر مما خبرته فوضعته في مكان يحسن التصدّي فيه لكل تقلباتها ومفاجآتها. أعرف رجلاً إذا وجد مسماراً على الطريق يأخذه ويضعه في صندوق خشبي فيه من الخردوات ما يكفي لفتح متجر لبيع هذه الخردوات وبذات المنطق يجيب: كل شيء يأتي يوم ونحتاجه فيه فماذا يضرّني إن جمعتُ هذه الأشياء؟ هي فلسفة أثبتت صحّتها في أكثر من موضع وفي أكثر من زمن ولكن نادراً ما نلتفت إليها نحن المنغمسين في سرعة الحياة وفي استسهال شراء ما نحتاج ولا نفكّر أننا قد لا نجد في يوم ما ما نريد شراءه.. من الصعب علينا أن نفكّر دائماً بهذه الطريقة لكن عندما نستذكرها أو نعيشها عن قرب مع أحد كبار السنّ نُعجب بها ونتمنى لو نستطيع تقليدها لأنها في النهاية تثبت نجاحها وصحتها ولهذا يقولون «البيت اللي ما فيه ختيار ضعوا فيه قرمة – أي قطعة خشب كبيرة». |
|