تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بابلو نيرودا... عشرون قصيدة حب وأغنية لليأس

ملحق ثقافي
2018/8/21
إعداد: رشا سلوم

ملأت شهرته أصقاع الأرض كافة، إنه شاعر لا يعرف إلا الخصب بكل ما قدمه. بابلو نيرودا الشاعر الساحر الذي استطاع أن يشكل مشهداً شعرياً ساحراً في العالم كله، وكان وسيبقى علامة فارقة في تاريخ الشعر العالمي، من كل حدب وصوب يصبح منزله مقصداَ للزوار والمتابعين والمحبين،

وهو أول شاعر عالمي يخرج بديوان حب حقيقي، ترجمت الكثير من قصائده إلى اللغة العربية، ترجم بعضها الشاعر اللبناني بول شاؤل، ومن ترجماته:‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

عشرون قصيدة حب‏

1‏

إنه الصباح المليء بالعاصفة‏

في قلب الصيف.‏

مناديل بيض للوداع، الغيوم تجنح‏

والريح يدفعها بيديه المسافرتين.‏

قلب الريح لا يحصى، ويخبط‏

حبنا الصمت.‏

أوركسترالي وإلهي، يهمهم في الشجر‏

كلغة مفعمة بالحروب والأناشيد.‏

الريح لص سريع يخطف الشجر‏

ويحرف سهمه الهادر للطيور‏

يقلبها في موجة بلا زبد‏

مادة أصبحت بلا وزن، نيران تنحني.‏

إناء قبل غارق ومكسور‏

يهزمه للتو ريح الصيف عند الباب.‏

2‏

إنها النحلة البيضاء، السكرى بالعسل، التي‏

تطن في نفسي، تنكسرين في لوالب بطيئة‏

من الدخان.‏

أنا اليائس، الكلمة بلا صدى.‏

الذي حصل على كل شيء وفقد كل شيء.‏

الملجأ الأخير، فيك يحطم قلقي الأخير.‏

أنت في صحرائي الوردة الأخيرة.‏

آه! أيتها الصامتة!‏

اغمضي عينيك العميقتين. فالليل يجنح فيهما.‏

آه! عري جسدك من التمثال الخائن.‏

تمتلكين عينين عميقتين تصطفق فيهما أجنحة الليل.‏

وأذرع طرية للزهر وحضن ورد.‏

ونهدين شبيهين ببزاقات بيضاء.‏

فراشة ليلية تحط على بطنك.‏

آه! أيتها الصامتة!‏

ها هي الوحدة وأنت غائبة عنها.‏

تمطر. ريح البحر يطرد بجعاً تائهاً.‏

الماء يمشي بخطى غاربة في الدروب المبللة.‏

وورقة الشجرة تئن كمريض...‏

أيتها النحلة البيضاء الغائبة، في همهماتك تدمدم.‏

تنبعثين في الزمن، نحيلة وصامتة!‏

آه، أيتها الصامتة.‏

من «عشرون قصيدة حب»‏

سأشرح لكم‏

سأشرح لكم: عندما كنت أعيش في المدينة،‏

كان شارعي يحمل اسم كابتن‏

وكان لهذا الشارع جموعه،‏

حانات الشرب، أسواق بيع الأحذية‏

محاله المليئة بالمجوهرات.‏

ما كان يمكن التجول‏

من شدة ما كان الناس عجولين،‏

الناس الذين يأكلون، يبصقون،‏

يتنفسون،‏

يشترون ويبيعون ملابس.‏

كل شيء كان يبدو لي مضيئاً،‏

كل شيء كان يلتهب‏

ولم يكن سوى رنين‏

كأن من أجل إبهارنا أو إدهاشنا‏

مضى زمان ولم أسمع شيئاً عن‏

هذا الشارع، نعم زمان طويل طويل‏

غيرت أسلوب حياتي، أعيش بين الحجارة‏

والمياه المتحركة.‏

الشارع الذي أتكلم عنه قد يكون مات‏

ميتة طبيعية.‏

من «البحر والأجراس»‏

1‏

إذا كنت مت من دون أن أعرف‏

فمن سأسأل عن الوقت؟‏

أي إذا في فرنسا، يستنفد‏

الربيع كثيراً وكثيراً من الأوراق؟‏

حيث يستطيع أعمى أن يعيش‏

يطارده طيران النحل؟‏

إذا اختفى الأصغر يوماً ما‏

فبم سنصنع الخبز؟‏

يكتب يوسف البستنجي قائلا عنه:‏

كان يعلم بابلو نيرودا أنه أجل حتمي في نهاية المطاف لكل الكائنات الحية، ولذا لم يبال، ففي ديوانه‏ «كم يعيش الإنسان» يقول:‏

وكم يعيشُ الإنسان، على أيّة حال؟‏

هل يعيشُ ألفَ يوم، أم واحداً فقط؟‏

أُسبوعاً، أم عدّة قرون؟‏

وكم من الوقت‏

يستغرقُ في احتضاره الإنسان؟‏

ماذا يعني أن نقول «إلى الأبد»؟‏

بينما كنتُ تائهاً في هذه الهموم‏

جهّزت نفسي لأوضّح الأشياء‏

نيرودا الإنسان.. كان يؤمن بأن مبادئ الحرية والعدالة ستبقى خالدة، بينما الإنسان يسير نحو نهاية حتمية، ولذا عند الوقوف أمام منزل بابلو نيرودا، ذلك المسكن المنسجم مع بيئته، في حي يقطن غالبيته عمال الميناء، توقن بأن نهاية العالم وبدايته مجرد جغرافيا لا تحدد موقع الإنسان أو أهميته، بل إن مكانة الإنسان في العالم تتحدد بحجم تأثيره في الفكر الإنساني وقدرته على المساهمة في تشكيل الوعي الذي يعزز إنسانية البشر، ويدفعهم أكثر للاقتراب من فهم معنى وجوهر الحياة، ولذا فإن أهمية الحياة لا تقاس بعدد الأيام أو السنين، فلحظة في النور خير من مئة عام في الظلام.. وتلك كانت حقيقة رسالة بابلو نيرودا.‏

اسمه الحقيقي نفتالي ريكاردو رييز ولد في الثاني عشر من شهر يوليو عام ‏1904 ‏ في قرية بارال بوسط تشيلي، كانت والدته روزا نفتالي تعمل بمهنة التدريس، أما والده جوزيه ديل كارمن، فكان عاملاً بسيطاً في السكك الحديدية.‏‏

شكل مقتل صديقه الشاعر الإسباني فيديريكو لوركا على يد أتباع الجنرال فرانكو، تحولاً في توجهه الشعري بالتخفيف من الرمزية، والكتابة بلغة ثورية مباشرة لتناول القضايا السياسية والاجتماعية.‏

رحل نيرودا في ظروف غامضة بعد أيام قليلة من انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه، وإحكام قبضته على تشيلي، لكن الرواية الرسمية لنظام بيونشيه تقول إن نيرودا توفي بسبب إصابته بمرض السرطان.‏

اختطف الموت والدته قبل أن يكمل الرضيع شهره الثاني نتيجة إصابتها بالدرن‏، وقبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر كانت إبداعاته الشعرية قد بدأت في الظهور، بدأ ذلك تحديداً عام ‏1917‏ عندما كتب قصيدته «عيناي»، والتي وقع عليها باسمه الحقيقي نفتالي رييز، ولكنه عام ‏1920، واختار لنفسه اسماً جديداً هو بابلو نيرودا، والذي ظهر أول مرة في قصيدته التي لم تنشر‏ «جزر غريبة‏».‏‏

في مارس عام ‏1921‏، قرر نيرودا السفر إلى العاصمة سانتياغو، حيث اشترك في التظاهرات الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك، وذلك قبل أن يكتب ديوانه الثاني «الغسق»، والذي اضطر من أجل طباعته لبيع بعض أثاث منزله وساعة اليد التي كان قد أهداها له والده‏.‏

وأما رائعة نيرودا، فهي ‏«عشرون قصيدة حب وأغنية لليأس»، والتي تعد بحق أول ديوان حقيقي له ترجم إلى لغات عدة، ما جعله أكثر كتبه انتشاراً. وفي هذا الديوان يطغى الحزن وانكسار القلب على روح القصيدة.‏

في عام ‏1924‏، تخصص في الأدب وكتب ثلاثة أعمال تجريبية.‏

المدينة المتحف‏

لازالت مدينة فالباراسيو تعيش في ظلال روح شعر وفكر نيرودا، فليس صعباً على الزائر أن يكتشف ذلك فور دخوله المدينة، فقد انتفض سكانها على الفقر ليحولوا أحلامهم وأمانيهم إلى لوحات فنية رسموها على جدران المدينة كافة في الشوارع والأزقة، ليتحول الفقر إلى أمل منقطع النظير، من خلال الجداريات والرسوم واللوحات التي رسمها فنانو المدينة مستخدمين كل أشكال ومدارس الفن التشكيلي والتجريدي والتخطيطي والهندسي وغيرها، لتتحول المدينة الفقيرة بذلك إلى معرض مفتوح يجذب السياح والزائرين من البلدان كافة، خاصة أولئك الملهمين بشعر نيرودا والذين يبحثون عن روح العالم في نهاياته.‏

نيرودا الشاعر الساحر يثبت من جديد أن الإبداع الخارج من نبض الناس وأعماقهم، هو الراسخ والأبدي ولاشيء غيره، وكم حري بنا نحن في هذا الوطن المترامي أن نحتفي بمنازل مبدعينا، بتراثهم المعنوي والمادي، إنها من الضرورة بمكان، فالعالم يتجه إلى المباهاة بكتابه ومفكريه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية