|
ثقافة
حمل الفقر والحزن وصاغ آلامه منها, لم ترق له حياة القصور, بل كانت الحياة البريئة في كوخ أو مكان ما، أحب إلى قلبه من كل زخرف الدنيا. تمرد على العادات والتقاليد, على الوظيفة, على كل من لايعرف قيمة الحياة ويعطي من قلبه وعقله, شاعر رومانسي ثر العطاء, تقلبت صروف الدهر عليه, فكانت آلامه, وكانت(رفاق يمضون) و(فراشات وعناكب), آثر العزلة والشغف بالأمل المبدع, إلى أن رحل عن هذا العالم تاركا وراءه إرثا ثقافيا في الشعر الصرف, ولكن للأسف لم يحسن الكثيرون التعامل مع ما تركه. صدرت عنه كتب ودراسات كثيرة, لكنها ليست كافية, يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث, والغوص في أعماق شعره, اليوم في ذكرى رحيله نقف على تخوم الكثير مما كتب عنه, وعن إبداعه, وليس الأمر إلا تذكيرا بشاعر كبير, نأمل أن يفرج عن ديوانه المطبوع حيث هو, جاء في موقع «الاقتصادية » عن الشاعر:
يعتبر الشاعر الراحل نديم محمد من أبرز وأهم شعراء سورية في القرن العشرين من حيث غنى مادته الشعرية وغزارة إنتاجه رغم أنه كان شاعراً متطيراً كثير الخيبات في حياته التي ناهزت السادسة والثمانين عاماً عاش منها ما يزيد على سبعين عاماً منكباً على كتابة الشعر. بلغ نديم محمد شهرته محلياً وعربياً بعد مشاركته في مؤتمر الأدباء العرب في بلودان عام 1956 حيث امتدت بعد ذلك إقامته في مدينة دمشق ليكتب بعدها أجمل قصائده في مقارعة الانتداب الفرنسي ومحاولاته لتقسيم سورية. محطات تعلم نديم محمد قراءة القرآن في القرية على يد شيخ الكتاب أولاً ليذهب بعدها إلى المدرسة في قرية العنازة في منطقة بانياس على الساحل السوري لتعلم قواعد اللغة العربية ومنها إلى مدرسة الفرير في اللاذقية ثم إلى جبلة حيث نال منها الشهادة الابتدائية في عام 1925. وفي عام 1926 تابع الشاعر السوري الكبير دراسته المتوسطة في مدرسة اللاييك ببيروت لينتقل منها بعد سنة ونيف مسافراً إلى فرنسا لإتمام الدراسة في جامعة مونبيلييه حيث حصل هناك على الإجازة في الأدب العربي لينتقل بعدها الى سويسرا لدراسة الحقوق لكنه عاد في عام 1930. شغل نديم محمد العديد من الوظائف بدءاً من عام 1933 فكان في جميعها مجابهاً لكل أنواع الظلم والفساد الإنساني حيث كان آخر ما شغله مديراً للمركز الثقافي في منطقة الحفة بريف اللاذقية ثم خبيراً في وزارة الإعلام السورية إذ عاوده المرض الذي كان قد أصيب به في عام 1939 وهو التدرن الرئوي ليدخل بعدها في مصح بحنس في جبل لبنان ليلازمه هذا المرض حتى أواخر أيامه. ومن أشهر دواوينه آلام بثلاثة أجزاء حيث قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين وخصوصا عن ديوانه آلام في مؤتمر الادباء العرب في بلودان: لو لم يكن لنديم محمد إلا هذا الديوان فحري بالشعر العربي ان يضمه الى فحوله الكبار. يقول الشاعر الراحل في ديوانه «آلام» واصفاً غربته عن محيطه.. لا يدخلن أحد كوخي فلست أرى في الداخلين سوى لص ومغتاب جار من الوحش أو طير أعلمها..أوفى وأخلص من جاري وأترابي.. حولي من الذئاب والعقبان طائفة..هم كل صحبي وسماري وأحبابي. وكان نديم محمد من الوطنيين الأحرار الذين تربوا على حب الوطن منذ طفولته الواعية. انتماء للوطن تشهد مواقفه القومية والوطنية على تمسكه بعروبته وأرضه من خلال قصيدته الشهيرة التي ألقاها عام 1926 في مدرسة اللاييك الفرنسية ببيروت ضد حكومة الانتداب الفرنسي في ذكرى إعدام جمال باشا السفاح لأحرار سورية ومثقفيها عام 1916. يقول: بلى ننادي يعرباً يعربا.. طغى علينا النير يايعربا.. ويعرب يوشك خلف البلى.. يغضب لو يملك أن يغضبا.. ما أجمل الذكرى إذا أضرمت.. في دمنا الجد وما أعذبا.. وحث شعر نديم محمد المواطن العربي على الحفاظ والتمسك بهويته القومية والوطنية حيث يقول: مناشداً أحرار الوطن العربي في أثناء العدوان الثلاثي على مصر إثر تأميم القناة.. يا حر لا تلبس وشاح الليل في عز الضياء.. واغسل جبينك من غبار الضعف أو لون الحياء.. المجد ملحمتي وصوت المكرماتِ صدى غنائي.. لاتعجبوا أنا من عروق الشعبِ أصلي وانتمائي.. الشاعر والمرأة شكلت المرأة من شكل يقارب تقلبات الطبيعة وأهوائها ونزواتها وبما تقدمه المرأة من أجواءٍ شاعرية تزكي العاطفة وتحتضن الخيال ومتعة الحس والرقة, ويوجز نديم محمد في «فراشات وعناكب» قصة حياته مرحلةً مرحلة بلغة شعرية اخاذة مشرقة كمن يرسم لوحةً من الطبيعة الصامتة فيقول: وتركني الأخوة وكنت معهم في عراك.. وأنا وهم حلقة نارٍ مغرغرة اللهب.. في ليلةٍ زاخمة عاتية.. لو أغمضت عيني لرأيتها لمعةً لمعةً.. ولأحسستها قطرةً قطرةً.. ويرى النقاد أن الشاعر نديم محمد من أهم رواد الشعر الرومانسي والمذهب الرمزي في الشعر السوري المعاصر حيث كان لمحمد نبرة شعرية خاصة اتصفت ببراءتها وعفوية مفرداتها ودقة وزنها وموسيقاها إذ تكون وعي الشاعر الجمالي في أكثر من مرحلة. كان شعر نديم محمد مادة غنية للنقاد والدارسين للقصيدة الكلاسيكية المعاصرة. Yomn.abbas@gmail.com |
|