|
الملحق الثقافي الدراما، جمعت فيها بعض أجمل الأصوات، لتشدو أغاني كتبت لسوريتنا العزيزة، ولتعزف أيضاً مجموعة من القطع الموسيقية الآلية «الصرفة» لا تخلو من رائحة الياسمين الدمشقي وتفاح السويداء وزيتون إدلب وحقول القمح في الجزيرة وحوران وأسواق حلب القديمة وأيضاً رائحة البحر الغاضب الآن على ما يجري، كأنه يصرخ بوجه ذئاب تحاول أن تخدش وتجرح وتعكر ألواننا البهية. فرقة قصيد التي اتخذت من أروع صرح حضاري في بلدنا «دار الأوبرا»، منصة لانطلاقتها في رحلة طموحها التي تعنى بتوثیق الغناء العربي والمحافظة على شخصیتھا الممیزة، رابطة بین التراث والحداثة بما لا یضر قیمة التراث وأصالتها ولا ینحاز إلى الحداثة المطلقة، فقدمت فيها أجمل نشاطاتها، منها حفل تكریم الفنان السوري «رفیق شكري» في شهر آذار 2009 وبعدها بشهرين حفل أغاني من التراث الفلسطیني، وفي ذات العام قدمت حفلاً بعنوان «المبعدون» تضامناً مع أهلنا في غزة، إضافة إلى حفل خصص لأعمال الموسيقار السوري الكبير فريد الأطرش ليكون بمثابة تكريم لهذه الشخصية الفنية البارزة.
أعمال خالدة تشكلت هذه الفرقة عام ٢٠٠٨ من خریجي وطلاب المعھد العالي للموسیقا بدمشق، وتتضمن ما يقارب أربعين موسيقياً بين عازف ومغن، حيث يرافق الفرقة كورال مصغر يؤدي الأغاني الجماعية، وتعمل على أداء مختارات من التراث إضافة إلى أعمال موسيقية معاصرة يتم تأليفها من الموسيقيين السوريين الشباب، وتبرز فيها أهمية التوزيع الموسيقي ودوره في الأعمال التي تقدمها الفرقة وتعتمد منهج تشجيع التطوير والإبداع بعد الإحاطة بكل ما هو قديم وأصيل. صحيح أن هذه الفرقة الشابة قليلة الظهور على مسارح البلاد، ولكن ظهورها في كل مرة يترك في القلب ذكرى رائعة لأعمال خالدة وفنانين مبدعين.
ها هي فرقة قصيد تتألق مرة أخرى بقيادة مؤسسها الموسيقي كمال سكيكر في حفلة أقامتها في مكانها المعتاد قبل أيام وجيزة لتضيف إلى مسيرتها الفنية سطراً أخر من الإبداع، حيث أدت أعمالاً موسيقية متعددة منها غنائية وأخرى آلية الصرفة. هكذا ستعود دمشق وبدأ الحفل بافتتاحية موسيقية «سماعي نهوند» من تأليف كمال سكيكر نظراً لموقع قالب السماعي المهم في موسيقانا العربية، ومن بعدها شدت المغنية ميس حرب بقصيدة «سائليني يا شآم» للأخوين رحباني عبر صوتها العذب وإحساسها الصادق. وحرب من ألأصوات المتميزة في الساحة الغنائية السورية، وهي خريجة المعهد العالي للموسيقا سنة 2008 باختصاص غناء شرقي، وعملت مع عدة فرق موسيقية سورية كمغنية صولو، أهمها جوقة قوس قزح والفرقة الوطنية للموسيقا العربية وفرقة الغناء العربي مع لبانة القنطار، كما عملت في مسرحية «بانتظار البرابرة» بدور المغنية التي تسرد أحداث العرض وقدم العرض في سورية ومصر، وغنت في عدد من المسلسلات السورية أهمها شارة «أيام الدراسة» وشارة «سوق الورق». وتعمل حالياً على مشروعها الموسيقي الخاص مع أوركسترا سيد درويش بقيادة زوجها الموسيقي رشيد هلال.
وبعد الغناء جاء دور الموسيقا الآلية مرة أخرى وعمل للموسيقي عدنان فتح الله قائد أوركسترا معهد صلحي الوادي للموسيقا العربية، بعنوان «هكذا كانت» وهنا يشير كمال سكيكر إلى حديث دار بينه وبين صاحب هذه المقطوعة حيث يقول: «سألته ماذا تقصد بعنوان «هكذا كانت» فأجاب هكذا كانت دمشق ساحرة متنوعة، فأجبته .. وهكذا ستعود». ثم غنت الفرقة أغنية «خبطة قدمكن» للأخوين رحباني، هذه الأغنية المخلدة في فؤاد كل منا، وأدتها المغنية بشرى محفوض بصوتها العريض والمعبر. خبطة قدمكن وتقول لنا محفوض عن مشاركتها هذه الأمسية: «ينبغي أن أقول في البداية بأن الأستاذ سكيكر هو من أهم الموسيقيين السوريين الذين تعاملت معهم كملحن وموزع موسيقي، وهذه ليست شهادة مجانية، بل يقولها كل من تعامل معه، حيث يتميز بإحساس عال وراق. هذه مشاركتي الرابعة مع فرقة قصيد، وجاءت بأغنية منفردة «خبطة قدمكن» للسيدة فيروز، وأنه لشرف كبير لي أن أغني مع هذه الفرقة الناجحة، حيث كان لمؤسسها الفضل الأكبر في مشواري الفني وخاصة أنه أشرف على مشروع تخرجي من المعهد العالي للموسيقا على مدى سنتين متتاليتين، وأنا الآن أقوم بتحضير أغنية من ألحانه وتوزيعه أتمنى أن تكتب لها النجاح كما مشاركاتي مع هذه الفرقة».
تخرجت محفوض من المعهد العالي للموسيقا في دمشق عام 2011، وهي عضو في نقابة الفنانين السوريين، فضلاً عن كونها مغنية في كورال الحجرة التابع للمعهد العالي منذ أربع سنوات بقيادة الخبير الروسي فيكتور بابينكو كمغنية صولو وكورال «صوت آلتو»، كما لها تجارب عديدة في الكثير من الفرق منها الفرق التي أسسها الموسيقي الأستاذ حسام الدين بريمو، وقدّمت العديد من الحفلات الفردية منها تحية للمؤلف الفلسطيني «روحي الخماش» بمرافقة عازف العود العراقي سليم سالم في دمشق، وشاركت في مهرجان بصرى لعامين متتالين، والمهرجان الجامعي الطلابي في تونس بقيادة عدنان فتح الله، كما غنت مع فرق عديدة كمغنية صولو منها: فرقة جسور بقيادة صلاح عمو، والفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة عصام رافع والعديد من الحفلات والنشاطات الأخرى، ومؤخراً كانت لها مشاركه مميزه مع «تريو أوكسجين» بحفل في دار الأوبرا السورية. جمال الشام وبعد هذه الأغنية كانت هناك عودة إلى الموسيقا الصرفة وكانت مقطوعة بقالب التحميل من تأليف كمال سكيكر، ثم تلتها قصيدة «شآم» التي لحنت خصيصاً لهذا الحفل وهي من كلمات الشاعر السوري صالح الهواري وتلحين وتوزيع كمال سكيكر، تجسد جمال الشام الأخاذ، أداها المغني المتألق سومر النجار بصوته الدافئ. وبدوره يقول النجار عن الحفل: «قيمة هذه الأغنية تكمن في وصفها البهي للشام وفي رسالتها التي تحوي محبة لكل السوريين، في هذه الظروف التي نمر بها ونحن بأمس الحاجة إلى المحبة فيما بيننا، كما تأتي أهميتها من المكان الذي أنطلق منها وهو دار الأوبرا، بمرافقة فرقة متميزة، تستطيع أن تؤدي تؤدي أغانينا وتراثنا، بشكلها الصحيح بدون أن تخدش اللحن الأساسي، بل تزيدها رونقاً وإحساساً، أتمنى أن تكون قد لاقت استحسان الحضور وتركت لديهم شيئاً من المحبة التي نطمح نحن الموسيقيين أن ننشرها بين الجميع وهذا أضعف الإيمان». والنجار من مواليد حلب، بدأ دراسة الموسيقا من خلال المعهد العربي في مدينة حلب اختصاص آلة العود، وفي ذلك الوقت شارك ببرنامج المواهب في إذاعة دمشق، وعند تخرجه في المعهد العربي نال المرتبة الأولى في برنامج «طريق النجوم» الذي أقامه التلفزيون السوري وقتذاك، وفيما بعد التحق بالمعهد العالي للموسيقا في دمشق حيث الدراسة الجدية للموسيقا الأكاديمية وتخرج منه عام 2009 اختصاص غناء شرقي. ألوان موسيقية سورية اختتمت هذه الأمسية بباقة تراثية من أرجاء بلادي سورية العريضة والمتنوعة أدتها الجوقة المرافقة مع الفرقة، بتوزيع موسيقي جميل، ظهرت فيه لمسات سكيكر المعروفة والمتميزة. اعتمدت فرقة قصيد في حفلها هذا على أداء مختارات من التراث، إضافةً إلى الأعمال التجريبية والإبداعية المحيطة بكل قديم وأصيل من الأعمال الغنائیة العربیة بشكل عام، والسوریة بشكل خاص بلغة ھارمونیة أوركسترالية، مع الحفاظ على الطابع والهوية العربیة، بحیث لا تؤثر على النكھة والمزاج العربیین المنبثقین عنھا، وذلك في التلحین والغناء، محافظة في عملھا على التفاصیل التي تعطي للغناء العربي شخصیته، وكذلك الأمر في الأعمال الآلیة المكتوبة للأوركسترا العربیة، حيث برزت فيها الآلات العربیة متساوية مع الآلات الأوركسترالیة المشكلة منها هيكلية الفرقة، بأسلوبها الخاص والحديث، لتندرج ضمن أعمال تجدیدیة وتجریبیة تدعم التراث الموسیقي العربي وترفده. رائحة البطولة يصف سكيكر هذا الحفل بشكل عام قائلاً : «هذه الأيام تفوح من سورية وشعبها الأبي رائحة البطولة، والكرامة، وبالتالي التصدي لهجمة همجية من جهات أصبحت معروفة للقاصي والداني، ونحن كمواطنين سوريين أولاً وموسيقيين ثانياً أنشتنا هذه الرائحة، وفاحت على شفاهنا قصائد، وبين أصابعنا ألحان تتغنى بوطننا وبطولات شعبنا، ومن هنا جاء عنوان حفلنا «فرقة قصيد للموسيقا العربية تغني شآم» وتتغنى بها. وهنا أشير إلى عمل محدد، وهو قصيدة «شآم العز» من كلمات الشاعر السوري صالح الهواري ومن ألحاني و توزيعي، إضافة لأعمال تحدثت عن الشام جمالاً وعن سوريا كمالاً». أضاف قائلا: «شكراً لأنكم سمحتم لنا أن نتغنى بالمعشوق الأبدي، المعشوق الذي ارتبط اسمنا به، منذ أن لامس النور لآلئ عيوننا، المعشوق الذي بالطبيعة ملك لنا والذي تليق بوصفه، من الكلمات أرقاها ومن المشاعر أنبلها، نغني وطننا وأن نتغنى به فالفضاءات جماله، مهما استقينا منه، لن ينضب، وسيمدنا بالجمال دائماً». العازف والمؤلف الموسيقي وعن المغنين المشاركين ينهي سكيكر حديثه قائلاً: «المغنون الذين يؤدون في الفرقة كلهم من طلاب وخريجي المعهد العالي للموسيقا وتربطني بهم علاقات قوية جداً فهم إما من طلابي أو زملاء بالمعهد، ولذلك أعرفهم جيداً وأدرك طريقة التعامل معهم، وإلى أي مدى يمكن التفاهم في هذا وذاك، وبالتالي ننتهي من الحفلة ناجحين، لا أقولها مجازفة، ولكن المتلقي يشهد على نجاحنا”. كمال سكيكر من مواليد ريف دمشق 1976، تخرج من صف العود في المعهد العالي للموسيقا 2004، مؤلف وموزع موسيقي. ألف عدة من الأعمال الموسيقية في عديد من القوالب العربية المعروفة مثل السماعي واللونغة والتحميل لحن عدد من القصائد نفذتها الفرقة الوطنية للموسيقا العربية، شارك في عدد من المهرجانات الموسيقية في بلدان عربية وأوروبية، عازف عود في الفرقة الوطنية للموسيقا العربية، أستاذ في المعهد العالي للموسيقا، قائد فرقة قصيد للموسيقى العربية ومؤسسها. |
|