تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التعليــــــم .. اســــتثمار مـــن أجــــل مســــتقبل الوطـــــن....

مجتمــــع
السبت 2-6-2012
رويدة سليمان

يقول الحكيم الصيني« كيواه تزو» في القرن الخامس قبل الميلاد: «إذا كنت تخطط لسنة فازرع بذرة قمح وإذا كنت تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة وإذا كنت تخطط لمئة عام فعلم الناس، فعندما تزرع بذرة واحدة فإنك تحصد محصولاً واحداً، وعندما تعلم الناس تحصد منه محاصيل».

نما التعليم خلال العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية، إذ قامت نهضة تعليمية كبيرة نتيجة لازدياد الطلب الشعبي والحكومي على التعليم وتعاظم الاعتقاد أن التعليم أداة سحرية لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى أنه عامل من عوامل الازدهار والتقدم العلمي والتكنولوجي.‏

هذه النظرة إلى العلم والتعليم اعتراها نصيب كبير من التغيير بعد أن سيطر على المبدأ النفعي على تفكير الأفراد والجماعات مع تحول نمط الحياة إلى نمط سلعي صرف تقريباً فبعدما ارتبطت قيمة العملية التعليمية بتحقيقها لوظائف مهمة كانت تثمن عالياً بل كانت تشكل هدفاً لدى الكثيرين مثل: بناء الشخصية الإنسانية وفهم المجتمع الإنساني ككل واكتساب المهارات العلمية وأصبح دور العلم ومتابعته يقتصر الآن عند البعض،على الوظيفة العملية له والمتمثلة في إيجاد مهنة وتأمين فرص عمل للمتعلمين.‏

طريق التعليم غير مضمونة النتائج!!‏

في جلسات التشاور وتحت عنوان التمكين والمشاركة المجتمعية للشباب يعتقد المشاركون(الشباب) أن طريق التعليم طويلة وشاقة ومكلفة وغير مضمونة النتائج بالنسبة لتحقيق الهدف المادي والحصول على فرصة عمل مناسبة وقد أفاد هؤلاء أن تحسين الوضع المادي لهم ولأسرهم يقع في قمة هرم أولوياتهم وخاصة أن ما كان يسمى بالكماليات(كبعض السلع الكهربائية والهواتف النقالة وغيرها) صار من ضروريات الحياة اليومية.‏

رغم ضآلة تكاليف التعليم في سورية لا تزال برأي المشاركين، بعض الأسر السورية غير قادرة على تأمينها لأبنائها نظراً لوضعها الاقتصادي الصعب وكبر حجمها خاصة الأسر الريفية، الأمر الذي يدفع الشباب في سن مبكرة للعزوف عن متابعة التعليم جزئياً أو كلياً بهدف الانخراط في أعمال هي في الغالب ذات طبيعة زراعية في الأرياف وخدمية( مطاعم، منشآت سياحية) في المدن إلى جانب أعمال البناء والبيع والشراء وغيرها من الأعمال التي لا تحتاج إلى تأهيل علمي عالٍ.‏

وفي ظل عدم قدرة بعض الخريجين الجامعيين على تأمين فرصة عمل يجدون أنفسهم أمام خيارين اثنين فإما انتظار الحصول على فرصة عمل تتناسب مع مستواهم التعليمي وتخصصاتهم أو الانخراط بأي عمل حتى لو كان بعيداً كل البعد عن تخصصهم التعليمي، الأمر الذي يعني بصورة أو بأخرى خسارة تلك السنوات التي قضاها الفرد في التعليم ناهيك عن الخسارة المادية والمعنوية.‏

وفي هذا الإطار ربط المشاركون عزوف بعض الشباب عن متابعة التعليم بعجز سوق العمل عن امتصاص مخرجات التعليم، الأمر الذي دفعهم للتأكيد على أن شهادة أقل تساوي فرص عمل أكثر.‏

وبحكم سرعة التغيرات في هذا العصر وحاجة سوق العمل إلى أفراد يتمتعون بمهارات متخصصة كإتقان اللغات الأجنبية والعمل على الحاسوب، أصبح بعض الشباب أكثر قناعة بعدم جدوى التعليم لأن غالبية المؤسسات التعليمية الرسمية مقصرة في إكساب المتعلمين المهارات الفنية والعملية اللازمة لامتصاصهم من قبل سوق العمل وكثيراً ما يلجأ الشباب لتعلم مثل هذه المهارات في مراكز تدريبية خاصة واتباع مثل هذه الدورات لا يتطلب شهادات تعليمية.‏

ويرى المشاركون أن قسماً آخر من أبناء التجار وأصحاب مؤسسات العمل العائلي كثيراً ما ينكفئون عن التعليم تحت ضغط أسرهم، رغبة في توريثهم مهنهم مبكراً .‏

وفي السياق ذاته يعتقد المشاركون أن الوضع المادي الجيد يمكن أن ينعكس سلباً على بعض أبناء هذه الأسر ما يؤدي إلى عزوفهم عن متابعة تعليمهم الجامعي وحتى ما قبل الجامعي( غياب الحافز المادي والمعنوي) انشغال الأهل بأعمالهم وضعف توجههم نحو التعليم.‏

وعلى الرغم من الانحسار النسبي للطبقة الوسطى في مجتمعنا فإن المشاركين في الجلسات الحوارية يعتبرون الشباب الذين ينتمون إليها هم الأكثر توجهاً نحو متابعة تحصيلهم العلمي.‏

وعلى صعيد آخر، تبين أن التقدير الاجتماعي لبعض الاختصاصات الجامعية(طب - هندسة) وضعف هذا التقدير لاختصاصات أخرى، يشكل واحداً من العوامل الدافعة لعدم متابعة الشباب لتحصيلهم الدراسي.‏

وفي ظل الظروف الاقتصادية العسيرة التي تعاني منها بعض الأسر السورية فإن بعض الأسر كثيراً ما تتمسك بالقيم الاجتماعية التي تكرس مزيداً من الاجحاف بحق الأنثى إذ يميل الأهل مثلاً إلى الإنفاق على تعليم الذكور أكثر بكثير مقارنة بتعليم الإناث إذا كان الوضع المادي يفرض الاختيار بينهم.. وتعليم الإناث استثمار خاسر كون مآلهن الأخير هو بيت الزوج.‏

مشروع اقتصادي .. ثقافي .. حضاري‏

يؤكد د. سهيل الحمدان في محاضرة بعنوان « عائدات التعليم الفردية والاجتماعية».‏

ضرورة النظر إلى التعليم بوصفه مشروعاً اقتصادياً مثلما هو مشروع اقتصادي مثلما هو مشروع ثقافي وحضاري فالتعليم لم يعد مجرد خدمة استهلاكية بل أصبح استثماراً في رأس المال البشري له (تكلفة وعائد) ويشرح ذلك قائلاً : لقد أصبح الفرد يحسب ما يكسبه من التعليم حتى يقرر كم يكلفه شراء التعليم وبذلك يشبه أي مستثمر في مشروع اقتصادي عندما يرغب بشراء أجهزة فيحسب التكاليف والعائدات ويقارنها مع غيرها من المشاريع الأخرى وأيها أكثر عائدية حتى يتجه إليه، وكلما زاد المستوى التعليمي فإن الدخل المستقبلي سيزداد وقد قام عدد من الباحثين مثل (إيشر، ميلر، هانس سكاربولص ) بمجموعة من الدراسات برهنت على هذه الفرضية (الطبيب يكسب دخلاً يزيد 100 ضعف ما يكسبه الميكانيكي و 20 ضعف ما يكسبه خريج الثانوية ).‏

وفي دراسة أجريت على عائدات التعليم الشخصية في سورية عام 2007 بلغت العائدات بالمتوسط 117.385 ل.س لخريجي التعليم الإعدادي و 114.949 ل.س لخريجي التعليم الثانوي و 124.629 ل.س لخريجي المعاهد المتوسطة وللجامعيين ولحاملي الدبلوم 159.178 ل.س والماجستير والدكتوراه 315.732 ل.س وقد كان أعلى دخل يحصل عليه الفرد عموماً هو في سن 53- 56 سنة ، كما كانت عائدات الذكور أعلى بـ 40٪ من عائدات الإناث باستثناء خريجي الماجستير والدكتوراه ، إذ إن دخل الإناث أعلى بحوالي 10٪ ودخل المقيمين في المدن أعلى من دخل المقيمين في الريف بحدود 20٪ ، كما أن الخريجين الذين ينحدرون من أسر ميسورة مادياً دخلهم أعلى بحدود 50٪ عن الخريجين الذين ينحدرون من أسر فقيرة، ودخل الخريج الذي يعمل باختصاصه الدقيق يزيد 43٪ عن الذي لا يعمل باختصاصه، كما يزداد دخل الخريجين الذين اتبعوا دورات تدريبية لمدة تزيد عن 6 أشهر بنسبة 53٪ عمن لم يتدربوا.‏

العوائد الاستهلاكية الشخصية‏

العوائد غير المباشرة الشخصية للتعليم يتابع د. سهيل قائلاً:‏

أثبتت الدراسات وجود علاقة إيجابية بين التعليم والصحة الجيدة فقد وجد غروس مان أن الحالة الصحية لأفراد عند سن 46 تتحسن 40٪ بسبب التعليم، والمرأة المتعلمة تهتم بالأطفال وذكائهم وتحسن من إنجازهم التعليمي والتعليم يفيد الفرد في زيادة مراقبته لدخله أكثر والمتعلمون يحسنون التصرف بمواردهم، وهناك عوائد غير تسويقية أو مالية للتعليم (مثل الموسيقا، وتذوق الأدب والفن) ، وفي المراحل الدنيا من التعليم يعطى للآباء فرصة الارتياح من متاعب الأبناء بإرسالهم إلى المدرسة ، إضافة إلى استمتاع الأطفال بالمدرسة مع الأقران .‏

العائدات الاجتماعية للتعليم..‏

ويقصد بالعائدات الاجتماعية مقدار العائد الذي يؤول إلى المجتمع نتيجة للاستثمار في التعليم ويختلف العائد الشخصي من التعليم (الفردي) عن العائد الاجتماعي (القومي) من التعليم بمقدار الضرائب والحسميات المباشرة، ولعل انخفاض معدل العائد الاجتماعي للتعليم العالي مقارنة بالثانوي، والابتدائي بسبب ارتفاع تكلفة خريج التعليم العالي (التكلفة الحكومية) وأيضاً (تكلفة الفرصة الضائعة) وتشير الدراسات إلى أن العائد الاجتماعي وإن كان أقل من العائد الشخصي إلا أنه يبقى أعلى من معدل سعر الفائدة أو من العائد من الاستثمارات الأخرى وبالتالي فالاستثمار في التعليم يعد رابحاً.‏

لقد بينت الدراسة التي أجريت حول عائدات التعليم في سورية عام 2007 أن المتعلمين يساهمون في التأمينات الاجتماعية بالمتوسط بـ 7870 ل.س وبنسبة 5.8٪ من دخلهم الإجمالي، كما ترتفع هذه النسبة إلى 7٪ لدى خريجي الماجستير والدكتوراه وبمعدل 22.000 ل.س سنوياً.‏

كما بلغت عائدات خريجي المراحل المختلفة البالغ عددهم 1.690.779 خريجاً 215 مليار ل.س سنوياً أما قيمة الهدر أو فوات الاستثمار بسبب البطالة فبلغت 25.5 مليار ل.س ، والهدر بسبب نقص التدريب حوالي 90 مليار ل.س سنوياً والهدر بسبب عدم عمل بعض الخريجين في اختصاصهم الدقيق 56 مليار ل.س.‏

أما العائد العام على الاستثمار في التعليم فقد بلغ 18.3٪، إذ بلغت قيمة الاستثمارات المتراكمة في التعليم بسعر الكلفة أي المخزون التعليمي في العام 2005 ( لخريجي التعليم الأساسي وحتى الدكتوراه) هو 1203 ملياران ل.س، والعائدات السنوية منه بلغت 220 مليار ل.س.‏

كما أن التعليم يساعد على التماسك والتكامل الاجتماعي والإبداعي التكنولوجي كما أنه يزيد الرفاه الاجتماعي الذي يأخذ شكل تعويضات البطالة، مشاركة الأفراد في تمويل التعليم العالي وكذلك زيادة التعويضات والمنافع الإضافية مثل التقاعد وتحسين شروط الشغل .‏

أخيراً لابد من تمكين الشباب لمتابعة تعليمهم والأخذ بنتائج جلسات التشاور معهم ومقترحاتهم والاهتمام أيضاً بالدراسات في مجال عوائد التعليم الاجتماعية والإفادة منها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعليم بشكل عام وفي التعليم العالي منه بشكل خاص.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية